منذ اطلاق قناة"الحرة"الأسبوع الماضي برنامج"اليوم"، تجلى طموح هذا البرنامج الذي يبث دفعة واحدة، وعلى مدى ثلاث ساعات من الأحد إلى الخميس من استوديوات المحطة في دبيوبيروتوالقدسوالقاهرةوواشنطن. وبطبيعة الحال، فإن اختيار هذه المدن لم يأت اعتباطاً، بل نظراً لما تتمتع به هذه المدن الضاجة بالحراك السياسي والثقافي والإعلامي من مزايا جاذبة، ولما توفره من بيئة موائمة لرصد كل هذا الحراك الواسع عبر مواد وتغطيات إخبارية وصحافية متنوعة. والواضح أن"الحرة"ترنو من وراء اختيارها هذه المدن إلى الإطلال على مختلف أقاليم العالم العربي. فأستوديو دبي يمثل نافذة على منطقة الخليج العربي، وأستوديو بيروت يطل على بلاد الشام، أما القاهرة ففضلاً عن توفيرها زاوية نظر على الدول العربية في أفريقيا، فإن رمزيتها كأكبر عاصمة عربية تزيد من أهميتها بالنسبة الى البرنامج. وتأتي مكانة القدسالمحتلة الدينية ومحوريتها في الصراع العربي - الإسرائيلي لتضفيا أهمية استثنائية على أستوديو القدس في تسليطه الضوء على المشهد في فلسطين - إسرائيل، وخصوصاً على عرب إسرائيل... وعلى رغم عرض مجموعة تقارير متميزة لكل من طوني طوق وناصر أبو دياب وسواهما من واشنطن، بيد أن نقطة الضعف الأساسية في البرنامج هي عدم إشراكه استوديوات"الحرة"في واشنطن في شكل أساس ومكثف، كما هي الحال مع بقية الاستوديوات. فجدير بالقائمين على البرنامج وهو ما زال في بداياته، تلافي هذا الخلل والعمل على توسيع مشاركة استوديو واشنطن بما انه مقر القناة الرئيس في تسيير دفة البرنامج عبر تخصيص مذيعين من طاقم"الحرة"في الولاياتالمتحدة لتقديم برنامج"اليوم"جنباً إلى جنب زملائهم في استوديوات المحطة في الشرق الأوسط. إذ ليس سراً أن عشرات الولايات التي تعادل كل واحدة منها دولة بحد ذاتها في الدولة الأعظم في العالم يمكنها أن توفر خزاناً هائلاً من الموضوعات والقصص والمعلومات الغنية والمفيدة للمشاهدين بما ينعكس إيجاباً على البرنامج ككل ويزيده تنوعاً وانسجاماً ويوسع آفاقه كمساحة التقاء عربية شرقية - أميركية غربية من خلال الإطلال على أميركا، بما تمثله من بوابة الغرب وواجهته، ما يساهم ولا شك في تعريف المتلقي في منطقتنا بالمجتمع الأميركي ويساعد في تبديد كثير من التصورات النمطية عن احد أكثر المجتمعات البشرية تعددية وحيوية. والبرنامج الذي يقدمه من دبي احمد النجار وجيسي طراد، ومن بيروت منى وهبي، ومن القدس إيمان حداد، ومن القاهرة عمرو خليل، يبدو عصياً على التصنيف. فلا هو برنامج إخباري بحت، ولا هو برنامج منوعات. ولعل هذا ما يحسب له بصفته برنامجاً شاملاً وجديداً في فكرته ومنهجيته الجامعة بين السياسة والثقافة والاقتصاد والصحة والترفيه والتكنولوجيا والرياضة والفن وسواها، إذ نجح برنامج"اليوم"والحال هذه في تحدي دمج الأخبار ومزجها مع فقراته المنوعة عبر تقديمه جرعات إخبارية مخففة بطريقة أكثر سلاسة، وأقل صرامة مما هو معتاد في نشرات الأخبار عادة. ولعل ما يميز برامج كهذه من سوية"اليوم"هو مخاطبتها لكل شرائح المشاهدين وتلبية رغباتهم عبر تغطية مختلف الأهواء والاهتمامات في إطار توليفي من شأنه استقطاب مختلف المشاهدين والتقريب بين أمزجتهم ورؤاهم، ما يزيد في المحصلة من رقعة متابعة القناة بين جمهور المتلقين. وإجمالاً، فإن البرنامج يشكل إضافة نوعية إلى"الحرة"التي كانت بحاجة ماسة إلى برنامج كهذا يضخ دماء جديدة فيها، ويخفف من وطأة الطابع الانضباطي الجدي الصارم الذي يسم معظم برامجها. فالبرنامج إذ يعتمد في جزء كبير منه على التفاعل بين مقدميه ودردشاتهم ونقاشاتهم بين بعضهم حول التقارير المعروضة، فإنه يحفز بذلك المشاهدين أيضاً على التفاعل معه ويجذبهم إليه ثمة فقرة مخصصة لتلقي تعليقات المشاهدين واستفساراتهم بفعل الأداء العفوي البعيد من التكلف عند مقدمي البرنامج ومراسليه الذين نجحوا من خلاله حتى في لقاءاتهم مع ضيوف البرنامج على اختلاف اختصاصاتهم في إشاعة أجواء تفاعلية ومرحة خلال محاورتهم لهم بعيداً من الجمود والرتابة والرسمية في إطار من التواصل الإنساني المتحرر من روتين المقابلات التلفزيونية التي غالباً ما تكون مسلوقة ومضبوطة الإيقاع. نشر في العدد: 16780 ت.م: 14-03-2009 ص: 38 ط: الرياض