شهدت الدورة الثانية من مهرجان سوق عكاظ السعودي الذي اختتمت فعالياته أخيراً، تطوراً يمكن له أن يؤشر إلى مرحلة حاسمة ومهمة بالنسبة للشعر العربي في شكل عام، ستسهم في إعادته إلى واجهة المشهد الأدبي عربياً، على الأقل لأيام قليلة من كل سنة. پوالخطوة الأهم التي سيفرح لها الشعراء وهي رفع قيمة جائزة "شاعر عكاظ" لتصل إلى 400 ألف ريال سعودي أكثر من مئة ألف دولار، لتكون في مصاف الجوائز المرموقة دولياً. هذه الجائزة السخية، التي يمكن لها أن تحدث تحولاً ملموساً في حياة الشاعر الفائز، ستمنح الشعراء حظوظاً أكبر في الحصول على الجوائز. پولعل الدعم والرعاية اللذين تحظى بهما سوق عكاظ من الشاعر الأمير خالد الفيصل، أمير منطقة مكةالمكرمة التي تتبع لها محافظة الطائف وتقع فيها السوق المعنية، حيث كان يتبارى الشعراء في العصر الجاهلي، سيدفعان القائمين على المهرجان إلى المضي قدماً، لناحية العناية بالتنظيم وتنوع المشاركين وتحديد وقت معين لانطلاق فعالياته في كل عام، إضافة، وهذا هو المهم، إلى الدقة في اختيار أعضاء لجنة الجائزة، التي ينبغي أن تكون أكثر انفتاحاً ومرونة في تعاملها مع الشعر، فالشعر التقليدي لا ينبغي أن يكون معيار اللجنة للفوز. ولئن حاز الجائزة الشاعر المصري محمد التهامي، المعروف بشعره العمودي، فإنه يجدر بشعراء آخرين، من رموز التفعيلة أو قصيدة النثر، نيل الجائزة نفسها، في الأعوام المقبلة. پتوزعت الفعاليات، التي استمرت ثمانية أيام، في قبة النابغة الذبياني للرجال وخيمة الخنساء للنساء، ومنها ندوة حول "شعر المرأة بين التجديد والتقليد" شارك فيها الناقد معجب الزهراني وفواز اللعبون وظافر الشهري وفاطمة إلياس وحنان عنقاوي. في هذه الندوة خلص الباحثون إلى طغيان الرثاء على شعر المرأة، ويعود هذا الطغيان، في رأي معجب الزهراني، إلى طبيعتها وأنوثتها، "فهي لا تستطيع أن تكون هجاءة". ومن الندوات أيضاً "سوق عكاظ ورحلتها في كتب التاريخ والتراث". وكانت الفعاليات انطلقت بأمسية شعرية أحياها كل من الشاعر محمد عفيفي مطر، ومحمد التهامي والشاعر الموريتاني محمد ولد الطالب. وإلى جانب قراءة القصائد تطرق الشعراء إلى تجربتهم مع الكتابة والشعر، إضافة إلى حديث البدايات. عفيفي مطر أدلى بحديث مؤثر حول تجربته، لكنه حمل إلى الجمهور إمكان الحياة والعثور على معنى للذات في ظل واقع ملأه الفقر والفاقة، وقدم الأمل على تخطي الشقاء اليومي بالكثير من المثابرة، فعيناه تفتحتا، "على عشرين رجلاً لم يلبسوا أحذية ولم يتزينوا بملابس غير ما بحوزتهم من اللون الأسود والأزرق وكأننا بمأتم، هنا الفقر يجعلك تكون أسيراً لما تلبس وتأكل، كان الفقر فقر المأكل والمشرب". ولكن روح الريفي وابن القرية، كما يقول صاحب "أنت واحدها وهي أعضاؤك انتثرت"، غنية بالبساطة والسماحة والإقبال والحميمية. ويمضي مطر قائلاً: "في ما بين القرية الواحدة وعيت على اللغة الشعرية عندما كانت أمي تهدهدني وتغني على رأسي، لتقطع بغنائها الليل الطويل ولتسلي الطفل المريض، إثر إصابتي بالملاريا وكان ما تردده أمي مغايراً عن لغتنا الريفية، ومن هنا انطلقت أتقصى أخبار الشعر، فقرأت للشاعر الإسباني لوركا ووجدته من قريتنا، لأن شعره يحكي تفاصيل القرية التي عشتها وأعيشها". حضور عفيفي مطر كان من الأمور التي ميزت المهرجان وطبعته بطابعها المختلف، تبعاً إلى شعره المغاير شديد الخصوصية والتميز. وأحيا عدد آخر من الشعراء، السعوديين والعرب أكثر من أمسية، ومنهم: إبراهيم زولي وحليمة مظفر وأحمد قران السعودية ومحمد بركاتسورية والمنصف المزغني تونس وفاطمة ناعوت مصر وكريم معتوق الإمارات وميسون أبو بكر الأردن وعلي الحضرمي اليمن. وكان للشعر العامي نصيب في الأمسيات، إذ شارك كل من الشاعرين عمر الفرا سوريا وعبدالرحمن رفيع البحرين وعدد من الشعراء السعوديين، في أمسيات أخرى، لكن الفرا استطاع أن يحشد حوله عدداً كبيراً من الحضور لم تشهده الأمسيات الأخرى، لينشد "قصة حمدة" وپ"حديث الهيل للدلة" وسواها من قصائد. پوفي المهرجان خصص جناح للشاعر الأعشى، الملقب بصناجة العرب، وكانت تبث منه صوتياً قصائد شعراء سوق عكاظ في العصر الجاهلي. پوالمهرجان الذي يعاد إحياءه بعد انقطاع دام أكثر من 13 قرناً، واجه اعتراضات من متشددين يرون في إحيائه عودة إلى العصور الجاهلية، مشبهينه بمحفل للاختلاط المحرم. في حين رأى عدد من المثقفين أن هذه الاعتراضات غير مؤثرة، ولن تربك استمرارية المهرجان، على رغم ما تحاوله من ممارسة الوصاية على المجتمع. واعتبر الأمين العام للمهرجان الناقد جريدي المنصوري أن إحياء سوق عكاظ "واجب وطني، في ظل اعتبارات استراتيجية للنظر إلى الوضع الثقافي والحضاري للسعودية، في ضوء المنظومة العالمية". وقال: "لا شكّ أننا نواجه ثقافات عدة ومنافسات كبيرة مع أمم أخرى، في البحث عن الأصول الحضارية والتاريخية والتراثية. ومن هنا فإن البحث والتنقيب عن الآثار جانب مهم تماماً مثلما هو البحث في متطلبات المستقبل".