مازالت أصداء آخر معارك الشاعر المصري محمد عفيفي مطر الذي رحل الأسبوع الماضي بعد معاناة مع تداعيات تليف الكبد ضد المحاولات المستميتة من الشاعر أحمد عبدالمعطي حجازي للهيمنة على الحياة الشعرية بمصر ماثلة في الأذهان، بدءا من وزارة الثقافة ولجنة الشعر بالمجلس الأعلى للثقافة إلى ملتقى القاهرة الدولي للإبداع الشعري إلى جائزة الدورة الثانية للملتقى والتي أشرف عليها حجازي بنفسه وفاز بها أيضاً، مما دفع مطر لإعلان استقالته من لجنة الشعر بالمجلس الأعلى للثقافة في عام 2008، وخاض معركة كبيرة للحيلولة دون سيطرة حجازي على بيت الشعر الذي افتتح في بيت الست وسيلة الأثري بمنطقة القاهرة التاريخية في الثلاثين من مايو الماضي، وبسبب حالة مطر الصحية وقوة العلاقة بين حجازي ووزير الثقافة فاروق حسني؛ تمكن حجازي من الهيمنة على بيت الشعر متجاهلاً دعوة مطر لحضور حفل الافتتاح. استقال مطر استقالة صامتة وهادئة من لجنة الشعر عقب فوز حجازي بجائزة ملتقى القاهرة للإبداع الشعري حسبما قال قبل رحيله لأمر متعلق بالشفافية ونزاهة الضمير، والرغبة الزائدة في التسلط لدى رئيس لجنة الشعر، ورصد مطر معالم هيمنة حجازي على كل شيء، وقال "هو رئيس بيت الشعر، و يكتب في أكثر من عشر جرائد باسم الشعر، وهو عضو في عدد من المجالس باسم الشعر، بالإضافة إلى رئاسة لجنة الشعر، رغم أنه متوقف منذ عشرين عاماً عن كتابة الشعر، وتساءل مطر: هل هناك رغبة في التسلط وحب الامتلاك أكبر من ذلك؟". ولم يتوقف مطر عند حجازي بل هاجم المجموعة المحيطة به، وقال: الأمرلا يتوقف فقط عند حجازي وحده، فهم جميعاً يتحدثون عن التعددية والليبرالية وتداول السلطة وترك الفرصة للأجيال الجديدة، لكن حقيقة الأمر أن كلاً منهم ديكتاتور، وليس لديه مانع من احتكار كل الأشياء لنفسه، وإن لم يستطع، فعلى الأقل يحافظ على كونه في كل الأشياء. كانت آخر مشاركة لمطر في السعودية في أغسطس 2008 عندما تحدث عن تجربته الشعرية وعن حياته في الدورة الثانية لمهرجان سوق عكاظ بالطائف، معترفاً بأنه من بيئة فقيرة ذات أثر في تركيبته النفسية والشعرية لكونه من الريف. وقال "وعيت على 20 رجلا لم يلبسوا أحذية ولم يتزينوا بملابس غير ما بحوزتهم من اللون الأسود والأزرق وكأننا بمأتم، وهنا يجعلك الفقر أسيراً لما تلبس وتأكل، كان الفقر فقر المأكل والمشرب، ولكن روح الريفي وابن القرية تكون غنية بالبساطة والسماحة والإقبال والحميمية بين أهل القرية الواحدة". وعن تجربته الشعرية قال عفيفي: "وعيت اللغة الشعرية عندما كانت أمي تهدهدني وتغني على رأسي لتقطع بغنائها الليل الطويل ولتسلي الطفل المريض، حيث كنت تحت مطرقة "حمى المتنبي" إثر إصابتي بالملاريا، وكان ما تردده أمي مغايراً للغتنا الريفية". و"من هنا انطلقت أتقصى أخبار الشعر، فقرأت للشاعر الإسباني (لوركا) ووجدته من قريتنا، لأن شعره يحكي تفاصيل القرية التي عشتها وأعيشها، حيث النفس الشعري واللغة ونبرة الكلام والأمثال، وهنا تكمن دلالة المثل ومدى فهمه، حيث يسرع فهمه عند سماعه لا قراءته". وكشف عن تأثره بلوركا واستدرك قائلاً "تأثرت بالشاعر الإسباني لوركا، ولكن القرآن كان أكثر تأثيرا". وأكد أن الشعر حالة نفسية اجتماعية، قائلاً "لعل الدراسات النفسية تكشف لنا أكثر عن الشاعر وما ينمو معه من لغة شاعرية قادرة على بلورة الحال لحالة أكثر دلالة وتعبيرية، ولكن الشاعر لن يستطيع أن يتحدث عن تجربته، والناقد وحده من يستطيع إلى ذلك سبيلا، لأنه متسلح بالحيادية وبنقد النص لا الشخص وهنا تكمن دلالة النقد الصادق".