نائب أمير منطقة جازان يقدّم التعازي لأسرة معافا    بيئة جازان تنظم ورشة عمل حول الإستفادة من الموارد الزراعية الطبيعية    المملكة تدين ما يسمى «رؤية إسرائيل الكبرى»    رابطةُ العالم الإسلامي تُدين تصريحات رئيس وزراء حكومة الاحتلال الإسرائيلي بشأن "رؤية إسرائيل الكبرى"    ولي العهد يبحث مع الرئيس الكوري فرص التعاون    تنظيم محدث للّوحات الدعائية والإعلانية    وطن يقوده الشغف    نتنياهو: مرتبط بشدة برؤية «إسرائيل الكبرى»    الذهب يرتفع مع ترقب خفض الفائدة.. والأسهم العالمية إلى مستويات قياسية    سان جيرمان «يجحفل» توتنهام ويحقق كأس السوبر الأوروبي    الصاعدي رئيساً لأحد    البارالمبية الآسيوية تكرّم الأمير فهد بن جلوي بوسام آسيا 2025    "الشلهوب"مدرباً للهلال تحت 21 عاماً    إطلاق مشروع تجريبي لاستخدام أعمدة مصنوعة من البوليمر المدعّم بالألياف الزجاجية في خطوط توزيع الكهرباء    إزالة الحواجز الخرسانية بالرياض    ارتفاع مبيعات الإسمنت يعكس مواصلة نمو قطاع البناء والتشييد    متحدثون.. لا يتحدثون    الأمن يحث زوار المسجد الحرام على عدم الجلوس في الممرات    (ولا تتبدلوا الخبيثَ بالطَّيب)    نجاح زراعة 10 كلى تبادلية خلال 48 ساعة في التخصصي    ناصر بن محمد: شباب الوطن المستقبل الواعد والحاضر المجيد    سعود بن نايف يطلع على مستجدات أعمال "تطوير الشرقية"    فهد بن سلطان يكرم الفائزين بمسابقة إمارة تبوك للابتكار 2025    أوروبا تلوح بإعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة على إيران    نتنياهو يفتح ملف التهجير مجددا وسط تفاقم الجوع في غزة    مسار خطاب ترمب السياسي تجاه أوكرانيا وروسيا    ولي العهد ورئيس كوريا يبحثان العلاقات الثنائية وسبل دعمها    رسمياً .. روان البتيري رئيساً تنفيذياً للاتحاد السعودي للرياضات الإلكترونية    نجاح عملية دقيقة لأول مرة بجازان    إحباط تهريب (50) كجم "حشيش" في عسير    أمانة منطقة القصيم تنفذ مشروع ميدان المعلم ضمن جهود تحسين المشهد الحضري بمحافظة عيون الجواء    "الكشافة السعودية" تُنظم ورشة عن فنون كتابة القصة القصيرة الملهمة    بدء الدراسة المتقدمة للشارة الخشبية في الباحر بمنطقة جازان    أمير تبوك يكرم الفائزين بمسابقة إماره المنطقة للابتكار 2025    وزير التعليم: آلية جديدة لاختيار المعلمين العام المقبل    صندوق الاستثمارات العامة يحقق 19% نموا في أصوله المدارة    تنظيم المملكة للمسابقات القرآنية احترافي يجسد مكانتها في قلوب المسلمين    "سدايا" تضع الشباب في صدارة أولوياتها لقيادة حاضر ومستقبل الذكاء الاصطناعي بالمملكة    إنجاز سعودي.. أول زراعة قوقعة ذكية بالشرق الأوسط وأفريقيا    استخراج هاتف من معدة مريض    قبيل زيارة لاريجاني لبيروت.. الرئيس اللبناني: الاستقواء بالخارج مرفوض    «هن» مبادرة لدعم المواهب النسائية في الموسيقى    «مزرعة إنجليزية» تشارك في مزاد الصقور الدولي    «تنظيم الإعلام» توضح 6 سمات للإعلامي الناجح    الدفاع المدني: حالة مطرية بعدة مناطق حتى السبت    عودة المشرفين والإداريين في 11 منطقة للمدارس    مجلس الوزراء برئاسة ولي العهد: ندين جرائم وقرار إسرائيل باحتلال غزة    العمل على إيجاد حل شامل للأزمة.. مجموعة ثلاثية لتعزيز وقف إطلاق النار في السويداء    23.61 مليار ريال تسهيلات للصادرات السعودية    الإعلان عن مواعيد مباريات دور ال32 لكأس خادم الحرمين الشريفين    «الغذاء» تسجيل مستحضر «الريكسيفيو» لعلاج الورم النقوي    أدبي الطائف تصدر الأعمال المسرحية الكاملة للدكتور سامي الجمعان    أمير جازان يعزي في وفاة معافا    وكيل إمارة جازان يلتقي "محافظي" المنطقة    الإدارة الروحية لمسلمي روسيا تحدد شروط تعدد الزوجات    المفتي يستعرض أعمال «الصاعقة» في إدارة الأزمات    الشعب السعودي.. تلاحم لا يهزم    مباهاة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تحدث في سيرته "الذكريات الصغيرة" عن جده العربي . جوزي ساراماغو "صانع الأقفال" الذي طالما خاف الكلاب
نشر في الحياة يوم 14 - 07 - 2008

لا يمكن القول إن جوزيه ساراماغو لم يفاجئ قراءه في كتابه "الذكريات الصغيرة" الذي يسرد فيه سيرته الذاتية منذ مولده وحتى تخرجه في مدرسة ألفونسو دومنغيس الصناعية، التي قضى فيها خمس سنوات ليتخرج صانع أقفال، فهذا الكتاب الذي صدر أخيراً في ترجمة أحمد عبد اللطيف عن سلسلة الجوائز الهيئة المصرية العامة للكتاب والذي لا يتعدى مئة وسبعين صفحة، جاء محملاً بكثير من الدهشة، ربما ليس للقارئ فقط ولكن لساراماغو أيضاً. فهو يروي فيه سيرته بدءاً من مولده في قرية على ضفاف نهر يتقاطع مع نهر آخر، مروراً بانتقال عائلته للإقامة في مساكن متواضعة في بعض أشهر شوارع العاصمة لشبونة، وانتهاء بخوفه الدائم من الكلاب وحبه الجم للخيل. لكنه يعد نفسه الوحيد في العالم الذي منح والده وعائلته لقباً لم يكن في حسبانهم يوماً ما.
تكمن أهمية الكتاب في تفاصيله الصغيرة عن حياة الكاتب الحائز جائزة نوبل للآداب عام 1998، ليس لما تحتويه من معلومات ولكن لطريقة ساراماغو في السرد. فصاحب"العمى"و"كل الأسماء"، و"تاريخ حصار لشبونة"، وسواها من الروايات المهمة، كتب هذه الذكريات كمحاولة للتعرف على نفسه بعيداً من سطوة الشهرة وأساطير الميديا، فهو يحاول أن يقدم اعترافاته الصغيرة بشروره الكبيرة وأوهامه التي حكمت منطق تصرفه في الحياة منذ لحظة المولد حتى تاريخ الكتابة.
ومن ثم فإننا نفاجأ بكاتب يتعرى ليس لأجل التطهر ولا التواضع أو السخرية من لعبة القدر، ولكن للتفكير مع قارئه من أجل أن يتعرف كل منهما على ذاته. فهو حين يذكر علاقته بالخيل يتذكر جارته في القرية التي كانت رفيقة تاجر في المدينة وأنجبت منه طفلة تشبهها. ولأن خاله ضئيل الحجم كان يبالغ في كرمه ازاء الضيوف إلى حد كان يشعر سارماغو معه أنه تزلف وليس تواضعاً. فقد وضع هذا الخال دينيس الطفلة بحبور شديد على ظهر حصانه كأميرة وأخذها في جولة في القرية.
ويبدو أن هذا الفعل لم يحدث لجوزيه على الإطلاق، فظل ينظر إلى الطفلة بحسرة وحزن شديدين، حتى واتته الفرصة وهو في نهاية أعوام مدرسة الصنائع أن يمتطي جواداً يعوض به ما فاته في طفولته من بهجة امتطاء الخيل كتلك"الأميرة الصغيرة". لكنه على ما يبدو، كان حصاناً بليداً فلم ينفعل ولم يجر ولم ينتبه الى توسلات راكبه، بل إنه لم ينظر خلفه ليلقي نظرة وداع على هذا الذي سقط عن ظهره، وظل يتابع طريقه على هواه كما بدأ.
ومع أن ساق ساراماغو شفيت من كسرها، غير أن لحظة الحزن أو لحظة التعويض التي لم تكتمل جعلته يشعر طوال عمره أنه عاش بروح عرجاء. فهل كانت هذه واحدة من ذكرياته أم ذكرياتنا نحن؟ وهل كان يتذكر أم أنه يبحث في أعماقه عن تلك اللحظات التي شكلت ذاته المنكسرة في أعماقها، وإن حاول تعويضها بالكتابة عنها أو جعل بيته يبدو قاعة لعرض لوحات وصور للخيول من كل عصر وجنس.
هكذا تأتينا ذكريات صاحب"كل الأسماء"عن بيت جده في مسقط رأسه قرية ازنهاغا، وانتقال والده الشرطي للعمل والإقامة في لشبونة، وإقامته في شوارع لشبونة الشهيرة والمهمة ليكون جاراً لطبقة الأثرياء التي لا ينتمي إليها، إلا في عنوان السكن، حيث الطابق الأخير لأنه الأرخص في المدينة.
ولأن علاقته وأسرته بهؤلاء الجيران الأثرياء شبه منعدمة، فإنها لا تظهر إلا في مشهد مأسوي ظل يطارده طيلة حياته، وهو مشهد الكلب الكبير الذي كمن في مدخل العمارة، وما إن اقترب منه حتى راح يجأر فيه ويطارده من مكان الى آخر حتى نزل أصحابه لينقذوه، وعلى رغم أن الكلب لم يعضه بأسنانه، غير أنه خلق له مع كل أنواع الكلاب علاقة غير سوية ظهرت بعض آثارها في أحد مشاهد روايته"تاريخ حصار لشبونة".
ومن ثم انحصرت علاقاته بأبناء الأسر التي تشبههم على سطوح البيوت العالية، حيث الحمامات المشتركة، والمنضدة التي قيل إنها المطبخ. ومن بين هؤلاء أسرة باراتا التي كان أحد أفرادها شرطياً كوالده، بينما راودت الشكوك أمه حول وجود علاقة بين زوجها وزوجة الشرطي الآخر، في حين تعلم ساراماغو لذة الجسد واكتشاف الأنثى عبر ابنة هذا الشرطي الذي كانت تلعب معه على السرير لعبة الخطيبين.
ويفاجئنا ساراماغو بأن جده لأمه كان عربياً، لكنه لا يعرف عنه أكثر مما حكته جدته جوزيفا عنه، من أنه كان قصيراً وشهيراً بتحطيم القلوب. ويفاجئنا بأن شقيقاً له يسمى فرنسيسكو توفي في الرابعة من عمره بالتهاب رئوي، وأنه كان السبب في تأليفه روايته الشهيرة"كل الأسماء"، فأراد أن يعرف كيف مات ومتى، فأخذ يراسل ويتردد على السجل المدني والمستشفى الذي توفي فيه، فاكتشف أن لا تاريخ لوفاته في المستشفى، وأن الاسم المدون لديهم هو جوزيه ساراماغو، ولكن بعد أربع سنوات من وفاة أخيه. واكتشف أيضاً أنه أصيب بالالتهاب الرئوي نفسه ودخل المستشفى نفسه. طبقاً لهذه البيانات فإن أخاه مازال حياً، لكنه بالبحث في ملفات المقابر توصل إلى اليوم الذي دفن فيه فرانسيسكو، فاستلهم من رحلة البحث في الملفات ونظامها البيروقراطي فكرة رواية.
لكن كبرى المفاجآت جاءت مع ذكرياته عن اسمه، فوالده اسمه جوزيه دي سوسا، وحين ذهب لتسجيل نجله بعد يومين من ميلاده كان الموظف في حالة من السكر، فأضاف من عنده كلمة ساراماغو. ولم ينتبه الوالد لهذه الإضافة إلا مع تقديم أوراق ابنه للالتحاق بالمدرسة. وهناك وقع في طيات المفاجأة التي جعلته في موطئ المزور، فكيف يكون اسمه دي سوسا بينما اسم ابنه جوزيه دي سوسا ساراماغو، وبقليل من المرونة، حسب قوله، قام الأب بإضافة ساراماغو إلى اسمه، لكنه ظل يلعن الموظف وسكره من دون أن يعترف في أي شكل من الأشكال بلقب العائلة الجديد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.