توطين الصناعة خارطة طريق اقتصادي واعد    هلال جدة يتوج بلقب الغربية في دوري الحواري    "المنافذ الجمركية" تسجّل 1165 حالة ضبط خلال أسبوع    وزير الصحة يكرم تجمع الرياض الصحي الأول نظير إنجازاته في الابتكار والجاهزية    رقم سلبي لياسين بونو مع الهلال    استمرار ارتفاع درجات الحرارة ونشاط الرياح المثيرة للأتربة على عدة مناطق في المملكة    استشهاد 13 فلسطينيًا في قصف الاحتلال الإسرائيلي لقطاع غزة    أكثر من 6000 حاجاً يتلقون الخدمات الصحية بمدينة الحجاج بمركز الشقيق خلال يومين    القاسم يقدم ورشة بعنوان "بين فصول الثقافة والصحافة"    جمعية نماء تنفذ برنامجًا شبابيًا توعويًا في بيت الثقافة بجازان    إطلاق النسخة التجريبية لأكبر مشروع للذكاء الاصطناعي في المسجد النبوي    اتفاقية تعاون بين قدرة للصناعات الدفاعية وفيلر الدفاعية لتعزيز الصناعات العسكرية بالمملكة    الفريدي يحصل على الماجستير في الإعلام الرقمي    المملكة تحتل المركز الثاني عالميًا بعد الولايات المتحدة في جوائز "آيسف الكبرى"    محافظ الزلفي يدشن ملتقى الباب للتمكين التقني    تشلسي يفوز على مانشستر يونايتد في الجولة ال (37) من الدوري الإنجليزي    صدور موافقة خادم الحرمين الشريفين على منح وسام الملك عبدالعزيز    النفط يتجه لثاني أسبوع من المكاسب    النصر يتعادل إيجابياً مع التعاون في دوري روشن للمحترفين    النصر يتعادل أمام التعاون ويفقد فرصة اللعب في دوري أبطال أسيا للنخبة    الRH هل يعيق الإنجاب؟    الرياض عاصمة القرار    المنتخب السعودي للعلوم والهندسة يحصد 23 جائزة في مسابقة آيسف 2025    سلام نجد وقمة تاريخيّة    سيرة الطموح وإقدام العزيمة    ارتفاع عدد الشهداء الفلسطينيين في العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة إلى 53,119 شهيدًا    سمو الأمير سلطان بن سلمان يدشن "برنامج الشراكات العلمية العالمية مع أعلى 100 جامعة " مع جامعة كاوست    إمام وخطيب المسجد النبوي: تقرّبوا إلى الله بالفرائض والنوافل.. ولا وسائط بين العبد وربه    الدوسري في خطبة الجمعة: الدعاء مفتاح الفرج والحج لا يتم إلا بالتصريح والالتزام    جمعية تعظيم لعمارة المساجد بمكة تشارك في معرض "نسك هدايا الحاج"    أمانة القصيم تطرح فرصة استثمارية لإنشاء وتشغيل وصيانة لوحات إعلانية على المركبات بمدينة بريدة    نائب رئيس جمعية الكشافة يشارك في احتفالية اليوبيل الذهبي للشراكة مع الكشافة الأمريكية في أورلاندو    أمانة القصيم تقيم حملة صحية لفحص النظر لمنسوبيها    أمين الطائف" يطلق مبادرةً الطائف ترحب بضيوف الرحمن    زمزم الصحية تشارك في فرضية الطوارئ والكوارث    46٪ لا يعلمون بإصابتهم.. ضغط الدم المرتفع يهدد حياة الملايين    مبادرة طريق مكة والتقدير الدولي        "الصحة" تُصدر الحقيبة الصحية التوعوية ب 8 لغات لموسم حج 1446ه    الرياض تعيد تشكيل مستقبل العالم    برشلونة بطلاً للدوري الإسباني للمرة 28 في تاريخه    ضبط مصري نقل 4 مقيمين لا يحملون تصريح حج ومحاولة إيصالهم إلى مكة    الاتحاد السعودي يختتم برنامجه الرياضي في مخيم الزعتري بالأردن    لجنة التراخيص : 13 نادياً في روشن يحصلون على الرخصة المحلية والآسيوية    مُحافظ الطائف يستقبل مدير فرع هيئة التراث بالمحافظة    نائب أمير الرياض يطّلع على برامج وخطط جائزة حريملاء    أمير منطقة تبوك يرعى حفل تخريج الدفعة ال 19 من طلاب وطالبات جامعة تبوك    تحذيرات فلسطينية من كارثة مائية وصحية.. «أونروا» تتهم الاحتلال باستخدام الغذاء كسلاح في غزة    جناح سعودي يستعرض تطور قطاع الأفلام في" كان"    أكد أن كثيرين يتابعون الفرص بالمنطقة… ترامب لقادة الخليج: دول التعاون مزدهرة.. ومحل إعجاب العالم    أسرتا إسماعيل وكتوعة تستقبلان المعزين في يوسف    رؤيةٌ واثقةُ الخطوةِ    الحدود الشمالية.. تنوع جغرافي وفرص سياحية واعدة    عظيم الشرق الذي لا ينام    الهيئة الملكية لمحافظة العلا وصندوق النمر العربي يعلنان عن اتفاقية تعاون مع مؤسسة سميثسونيان لحماية النمر العربي    نائب أمير منطقة تبوك يشهد حفل تخريج متدربي ومتدربات التقني بالمنطقة    مُحافظ الطائف يشهد استعداد صحة الطائف لاستقبال موسم الحج    ولي العهد والرئيس الأمريكي والرئيس السوري يعقدون لقاءً حول مستقبل الأوضاع في سوريا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كتاب بسمة قضماني نتاج تجربة متنوعة الخلاف الإيراني - العراقي على القواعد الأميركية والمعاهدة الأمنية بين بغداد وواشنطن . حوض الخليج بين الضفتين العربية والإيرانية صدع استراتيجي غير متكافئ ولا علاج إقليمياً
نشر في الحياة يوم 11 - 06 - 2008

يستعجل الجانبان، العراقي والأميركي، بلوغ مفاوضاتهما على التفويض العسكري الذي يخلف تفويض الأمم المتحدة الحالي لقوات التحالف ونواتها الأميركية، بنوداً واضحة ونهائية قبل إقرارها في أواخر تموز يوليو الوشيك. وإلى اليوم، أي قبل نحو ستة أسابيع من الموعد المقدر، لم ترتسم معالم اتفاق بين القوى السياسية العراقية البارزة على"معاهدة أمنية"بين حكومة العراق القاصر وبين المفاوضين الأميركيين الذين يمثلون فعلاً قوة وصاية، وطوق نجاة من انفجار حروب أهلية، قومية ومذهبية، لا تزال تتهدد العراق على رغم ابتعاد طيفها القاتم. والعراق القاصر والمختلف لا يقرر وحده مصير أمنه وسياسته الدفاعية، الحالية والقادمة. فالمسألتان جزء من"نظام"إقليمي ودولي قيد التبلور البطيء والمتعثر. وتتردد أصداء البطء والتعثر هذين في زيارة نوري المالكي الى طهران، علناً وعلى نحو صاخب، وفي تضارب مواقف وزير الخارجية العراقي، هوشيار زيباري، والمتحدث باسم الحكومة. فذهب الأول الى ان العراق هو المحتاج الى الاتفاق في انتظار بلوغ قوات الأمن الوطنية"اكتفاء ذاتياً"، وإلى ان المفاوضات أنجزت"تقدماً كبيراً"في الشأنين الأمني والديبلوماسي. وقال الثاني ان المفاوضات لا تزال في طور مبكر، وأن الخلافات بين الجهتين كثيرة.
وما كشفت عنه المصادر العراقية من بنود ومواد متنازعة "الحياة"في 3 حزيران/ يونيو الجاري يتناول أركان السيادة الوطنية على الأرض والفضاء والمياه، وأسس رعاية السلطة حقوق المواطنين وتمثيلها هذه الحقوق ولو في حال الحرب. وإلى المسائل المبدئية والأساسية هذه، يتطاول الخلاف الى مسائل ظرفية قد لا تتفق للوهلة الأولى مع الآراء الأميركية الصارمة في موضوعي السيادة والحقوق. فالمصدر العراقي الرسمي"الرفيع"الذي تنقل عنه"الحياة"يقول أن الدولة الأميركية تريد حرمان الدولة العراقية ضمانات حمايتها من العدوان الخارجي ما لم تقتنع الأولى"بنوعية هذا الاعتداء". وهذا قول، في الإطار الفعلي للعراق والعلاقات الإقليمية القائمة، غامض على أضعف تقدير، ويخالف مجرى العمليات السياسية والعسكرية معاً. وينكر المصدر على مشروع المعاهدة إحجامه عن ضمان حماية النظام الديموقراطي العراقي من انقلاب عسكري يطيح نتائج الانتخابات. والدعوة العراقية الى ضمان من هذا الصنف لا يتفق تماماً مع المطالبة الملحة بالسيادتين الوطنية والإقليمية. وتخالف من وجه آخر، القول ان مشروع المعاهدة يسلب العراقيين حقوقاً كثيرة"حصلوا عليها في أثناء السنوات الأربع الماضية"، وهي عمر الاحتلال الأميركي.
والحق ان ترجحاً شديداً يشوب مواقف القوى السياسية العراقية من مصير القوات الأجنبية ووضعها في المستقبل. ويذكر الترجح هذا بسابقه ومثيله في مؤتمر الأحزاب والقوى العراقية بلندن، عشية حملة التحالف على صدام حسين، وعلى الأراضي العراقية. فليس في مستطاع الأحزاب والقوى هذه، يومها شأنها الآن، الإقرار بأنها تدين بخلاص العراق والعراقيين من الكابوس الصدامي البعثي الى قوات أجنبية. فمعظم العراقيين، ومعظم القوى المجاورة وشعوبها وفي صدارتها الحكم الإيراني"الشيعي"والحكم السوري"القومي"، يصمون القوات الأجنبية هذه بالاحتلال والاستعمار والتسلط. ولكن معظم العراقيين، وربما معظم القوى المجاورة، يتبرأون من الكابوس الصدامي. وهم على يقين من ان الخلاص منه بقوى ذاتية، عراقية وإقليمية، كان مستحيلاً. فهم يريدون الجمع بين الخلاص من"نظام"صدام حسين، وبين استبعاد تدخل القوات الأجنبية الأميركية ومقاومتها وطردها من الأراضي العراقية، والمنطقة كلها، بالقوة والمقاومة الوطنيتين والإقليميتين. وتريد قوى إقليمية، إيرانية وسورية، الجمع بين مساندة منظمات عراقية أو"جهادية"تتولى اعتراض التمكين للدولة الناشئة في كنف الاحتلال ورعايته، وتخريب النشأة المتعثرة هذه باسم وطنيتين مذهبيتين سنية وشيعية متقاتلتين ? وبين الدعوة الى دولة وطنية عراقية ناجزة تضطلع بالاستقرار والسيادة الداخليين وبدور إقليمي مستقل ومتوازن. ويرى أكراد كردستان العراق استحالة اضطلاع قوى سياسية وطنية بضمان استقرار داخلي متوازن، على مدى متوسط، على نحو ما يتوجسون من تنطح الدول الإقليمية، تركيا أو سورية أو إيران، الى"ضمان"ما يشبه نظاماً إقليمياً من أي صنف أو مثال. وليست أحوال الكرد في البلدان الثلاثة حجتهم الوحيدة.
وما صدر من آراء وبيانات عن رئيس الوزراء العراقي في زيارته الثانية، هذا العام، الى طهران ليس أقل تنازعاً من الآراء العراقية في المعاهدة الأمنية المزمعة. وما سربته المراجع الحكومية"الرفيعة"، وعارضت به رأي وزير الخارجية العراقي الكردي، يماشي، من بعض الوجوه، الشروط الإيرانية على السياسات العراقية المحتملة، ولكنه يعارض الشروط هذه كذلك معارضة رأسية وحادة. فالعدوان الخارجي الذي قد يتعرض له العراق، وتدعو ملاحظات المرجع"الرفيع"الى ضمان التصدي له، مصدره بلدان لا ثالث لهما هما الجار الشمالي التركي والجار الشرقي الإيراني. وتقيد الجار الشمالي قيود سياسية وقانونية، أوروبية وأطلسية وبرلمانية وداخلية، لا"يحرره"منها إلا انقلاب تام على الأتاتوركية والدولة الدستورية والديموقراطية التي تحاول قوى سياسية داخلية إرساءها على أركان ثابتة في جوار إقليمي متقلب. وعلى خلاف الجار الشمالي، يشكو الجار الشرقي اضطراباً عاصفاً لعل في رأس أسبابه ضعف مزاولته علاقات الجوار وهشاشة هويته الإقليمية، وعسر رسو الائتلاف الداخلي وكتله الكثيرة والمتناحرة على ميزان واضح ومستقر.
وإلى الأسباب والملابسات الظرفية والراهنة، تحاول السياستان العراقية على قدر جواز الكلام على"سياسة"عراقية متماسكة والإيرانية وتصح فيها الملاحظة الاعتراضية نفسها وإن على قدر أقل تجاوز الالتباسات العميقة التي تحف علاقات البلدين واحدهما بالآخر، قبل النظام الإيراني الحالي بكثير، وفي أثناء العقود الثلاثة التي مضت على النظام الخميني"الإمامي". فالبلدان، إيران وبلاد الرافدين، يشاطئان حوضاً مائياً هو الخليج، يبلغ طوله 800 كلم، بين أبعد موضعين متقابلين منه. ومن بعد ان كان الحوض هذا طريقاً تجارية من أوروبا الى آسيا الوسطى وپ"الهند"وشرق آسيا، نافست البحر الأحمر،"العربي"في معظمه، امسى أحد ركني خزين الطاقة العالمي 4/3 مخزون الموارد في وقت تتجاذبه حاجات متعاظمة ليس أقلها تموين الأسواق النامية الجديدة. والخليج هذا دائرة إقليمية"معتلة"منذ القدم. فهو جبهة صراع متجدد الأطوار. فكان خط حروب بين الرومان وبين البارثيين والميديين والفرس، المتحدر بعضهم من بعض بلدانياً وسياسياً إن لم يكن"عرقياً". وكان خط حروب من الصنف نفسه، ثم من أصناف أخرى، بين العرب وبين الفرس، على رغم"وحدة"المعتقد وألوان المعتقد هذا. واستأنف الصراع العثماني الصفوي، فالقاجاري، الحروب القومية والمذهبية الدينية والبلدانية الجغرافية طوال ثلاثة قرون. وناب الصراع الروسي ? البريطاني، طوال شطر كبير من القرن التاسع عشر وجزء من القرن العشرين، عن سلفه الصفوي ? العثماني، قبل ان يخلفه، صراع روسي سوفياتي - اميركي.
وفي حلقات الصراعات هذه وأطوارها كلها، عدا الطور العربي والإسلامي الأول، لم تكن عوامل المجابهة متكافئة. فالكتلتان، العربية والفارسية الإيرانية، كانتا، تحت سيطرة القوتين الامبراطوريتين المتنافستين، شديدتي التفاوت. وتمتعت الكتلة الفارسية الإيرانية على الدوام تقريباً بتكاتف وتماسك سياسيين وقوميين ودينيين، وبإدارة عسكرية وامبراطورية"مركزية"، لم تبلغ"الكتلة"العربية شيئاً منها، ولو على وجه التقريب. وفي يومنا، وغداة نيف و30 سنة على الجلاء البريطاني، يتصل الساحل الإيراني من الكويت شمالاً وغرباً الى هرمز جنوباً، من غير انقطاع ولا تخلل، الى حدود باكستان على المحيط الهندي. ونظير الساحل المتصل هذا تقوم 10 إمارات الإمارات المتحدة الى الكويت والبحرين وقطر، وسلطنة عمان والمملكة العربية السعودية والعراق. وهي 13 كياناً سياسياً. ويحظى العراق، وهو أرجح البلدان هذه ثقلاً سكانياً، وأرضاً معمورة، ومصادر مياه إلى مصادر اقتصادية غنية، بمنفذ ساحلي، بين الكويت وإيران، يقتصر طوله على 19 كلم خطاً مباشراً. وهذا لقاء فوق ال1000 كلم التي تتمتع بها إيران وحدها بين شط العرب والحدود الإيرانية - الباكستانية.
فالكفتان الإيرانية والعربية في الميزان البحري والنفطي، مختلتان اختلالاً شديداً. ووسع العراق في حربه الطويلة 1980 - 1988 على إيران الصمود على طول جبهة برية، معظمها جبلي، طولها 1300 كلم. فكانت ثغرته، وهي كادت تودي به وبدفاعاته وجيشه لولا المساندة الغربية والعربية القوية، جنوبه الساحلي والجزري المائي والشيعي. وقد تكافئ مَواطن ضعف إيران العسكرية البرية، هي التي تحوطها 7 دول برية يبلغ طول حدودها المشتركة معها نحو 7 آلاف كلم، الى الفسيفساء القومية والأهلية التي تتقاسمها، قد تكافئ القوة الساحلية. ولكن المكافأة أو الموازنة تفترض حلفاً عربياً وتركياً وأرمنياً وأذرياً وتركمانياً، الخ.، على ايران. وهذا بعيد، على أضعف التقدير. فيبقى، حقيقة وفعلاً، كتلة إيرانية متراصة، من جهة، ونثار عربي يزيده الاستدخال المذهبي، والمنازعات الأهلية القديمة والمستحدثة، والتشرذم السيادي والعسكري، وتعهد القوى الكبيرة والامبراطورية المهمات العسكرية والدفاعية منذ عقود طويلة ? تزيد هذه كلها النثار العربي ضعفاً على ضعف. ويزيد الطين بلة وتراخياً وانحلالاً سعي إيران الخمينية في امتلاك برنامج نووي مشتبه على أضعف تقدير، واختراقها الكتلة السياسية العربية في أكثر مواضعها قابلية للضعضعة والخلل، أي الموضع الفلسطيني، ووراءه سورية ولبنان، الى اختراقها العراق طبعاً، وتهديدها الضفة العربية من خليج نُسب طويلاً الى عجم ضفته الأخرى، المتصلة والمتماسكة.
فليس غريباً، ولا مفاجئاً، انتشار المعسكرات والتسهيلات العسكرية من معسكر ضحى شمالاً وغرباً، الى عريفجان فعلي السالم فأحمد الجابر فقيادة الأسطول الخامس فالعُدَيْد فالسيلية فجبل علي فالظرفة فالسيب ومصيرة وثمريت، جنوباً. وفي العراق نفسه نحو 40 معسكراً وقاعدة ينتشر معظمها بين كركوك وبيجي شمالاً وبغداد وسطاً. ومعظم هذا المعظم يقوم في تكريت وبلد وبعقوبة، غير بعيد من الحدود العراقية - الإيرانية. ومعظمه الآخر يولي وجهه الرمادي والأنبار، غرباً الأردن وسورية. وغداة نحو ثلاثة أعوام على احتلال العراق، في كانون الثاني يناير 2006، ذهبت وزيرة خارجية جورج بوش في ولايته الثانية، الى ان التهديد الأول، اليوم، إنما مصدره"داخل الدول"نفسه وليس علاقاتها الخارجية، على ما كانت عليه الحال في أثناء الحرب الباردة. فطبيعة الأنظمة على مثالات انظمة كيم جونغ - إيل وصدام حسين والتكتل الخميني والتكتل الأسدي... الجوهرية يتقدم تهديدها"توزيعَ القوة والسلطان العالمي". ويترتب على هذا تدخل في عقر دار الدول. وإذا غلبت على هذا التدخل، في الأعوام الخمسة الأولى التي تلت أواخر 2001، صيغة سياسية وإيديولوجية، مالت الصبغة هذه الى الأمن والإعداد العسكري. فأنشأ البنتاغون"قيادة افريقية"تتولى الحرب على الجماعات الإرهابية، وسندها الداخلي الأهلي والرسمي، في شمال افريقيا وبلدان الساحل وجنوب الصحراء. وبعثت القيادة الأسطولَ الثامن في البحر الكاريبي ومياه المحيط الهادئ.
ولعل الشرق الأوسط الكبير هو ميدان الحروب غير المتكافئة التي تتوقع القيادة السياسية والعسكرية الأميركية تكاثرها، وحلولها محل الحرب التقليدية بين دول، وقوات دول. ففي أفغانستان والصومال والعراق ولبنان وسورية وفلسطين، وعلى الحدود التركية - العراقية والإيرانية - العراقية، الى أوسيتيا وأبخازيا والشيشان وبؤر بلقانية وصينية محتملة، تدور حروب من النوع هذا، أو قد تندلع مثل هذه الحروب في وقت أو آخر. وفي الحروب هذه، وبعضهم يرى انها تطوي صفحة الحرب المعروفة وتنسخها، تقاتل القوة"العدوة"والأهلية القوة التقليدية المدججة بالسلاح والمقيدة بقوانين الحرب الدولية والحريصة على أرواح مدنييها وعسكرييها، قتالاً لا تكافؤ فيه، ولا مساواة، ولا تشارك في المعايير. فالقوة الأهلية لا تبالي بالخسائر في الأرواح والممتلكات، ولا تراعي قوانين الحرب، ولا تدين بالحساب لا إلى هيئات داخلية ولا إلى هيئات خارجية، وقصارى أمانيها جر القوات النظامية الى ميدان هو الأهالي في قلب المدن، ووقوع خسائر مدنية كبيرة يلوح بها في وجه الجيش النظامي. ومعظم هذا الصنف من"الحروب"المحلية، في فلسطين ولبنان والعراق، ضلعت فيه إيران وحليفها السوري قبلها. وهما طورتا ضلوعهما فيه، مع انقلاب"حماس"، وحرب الحزب الشيعي المسلح في لبنان على إسرائيل، وانفجار العنف الطائفي في العراق. ولا تتستر دولة مثل سورية على انقلاب عقيدتها القتالية من قتال وحدات نظامية، مركز الثقل فيها القوات المدرعة الثقيلة، الى قتال مجموعات وشلل خليطة وخفيفة، مزودة الصواريخ القصيرة المدى والمحمولة على آليات مدنية أو مموهة.
ولا يزال"مقتل"الدول كونها دولاً تسأل عن مدنييها ومرافقها وتجهيزاتها. وكانت سورية نفسها ابتكرت"المسارح الاحتياطية"، ومثالها المسرح اللبناني، رداً على ضعفها العسكري التقليدي، وقصورها عن بلوغ"التوازن الاستراتيجي". وابتكرت السياسة المناسبة، وهي"اللبننة"، على معنى الشرذمة، وتحطيم الدولة الوطنية، واستتباع الجماعات المتحاربة، وتضييع المسؤولية عن الأعمال الحربية الداخلية والخارجية وتوكيلها بتركيب"الرسائل"المعقدة الى الأطراف الدولية والإقليمية المتفرقة. وتتولى ايران أحمدي نجاد ? وقبله وبعده على الأرجح إيران الحرس الثوري ومكتب حركات التحرر في العالم ومكاتب مدبري ونظار المؤسسات الوقفية والإمامية الكبيرة ? تدريب اللبنانيين والعراقيين والفلسطينيين وبعض الجماعات المذهبية بجوارها القريب، على مثال"الحرب"التي خاضها"حزب الله"في تموز يوليو - آب اغسطس 2006.
وجلي ان الصنف هذا من الاشتباكات لا يخاض على مثال حرب حلف منظمة شمال الأطلسي على صربيا في شتاء 1999. واضطر دان حالوتس وعمير بيريتس، وربما يضطر ايهود أولمرت، الى تسديد ثمن خوضها على المثال هذا. وكان دونالد رامسفيلد من ضحايا الخطأ نفسه. ورمت خطة رامسفيلد وتحديثه الجيش الأميركي، الى"إخراج"القوات المقاتلة من ميدان المعركة، والسيطرة على الميدان من فوق وخارج بواسطة تجهيز إلكتروني دقيق ومركب، وإلى تقليص عديد القوات وإلغاء عدد كبير من القواعد العسكرية. وها أن مزيج الانتشار النووي، واللبننة أو العرقنة، والحرب غير المتكافئة، يطيح خطة رامسفيلد. وسعى انعطاف بترايوس، اذا صدقت التسمية، الى خلاف ما سعت فيه حملة احتلال العراق وخلع صدام حسين. ومشروع المعاهدة الأمنية تمثيل على الانعطاف في قلب"الصدع"الخليجي. فالحرب غير المتكافئة، ينبغي للقوات النظامية خوضها في قلب الجماعات الأهلية ومدنها. ويقتضي هذا انتشار قوات ميدانية في المسرح نفسه، ومخالطتها جماعاته، وتوسلها بوسائل"كولونيالية"، على قول خبير ماركسي فرنسي. ومحاولة العراقيين، وربما الإيرانيين، الاستنجاد بالمثال التركي، والمعاهدة التركية ?- الأميركية، تخطئ المقارنة. فمن دواعي السياسة الأميركية اليوم في العراق، وطلبها القواعد العسكرية، اضطرارها، في شتاء 2003، الى دخول العراق من محور واحد، جنوبي، هو طريق الكويت - البصرة. ومكن هذا للقاعدةَ الصدامية وپ"الإسلامية"الجهادية السنية والكردية المتحالفة مع ايران، من الالتجاء الى الشمال الذي منعته الحكومة التركية على التحالف، ولا يزال الشمال معقل"القواعد"هذه. وعملية"أم الربيعين"فصل من فصول القضاء عليها. وهذا ما يبعد أن تكرره القوات الأميركية، ومعها القوات والدولة العراقية، إذا شاءت هذه التمكن من أراضيها الوطنية، والاضطلاع بدورها الإقليمي على الضفة الغربية من"صدع"الخليج غداة رحيل القوات الأميركية آجلاً.
* كاتب لبناني


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.