أصرت إسرائيل على غسل يديها الآثمتين من دماء شهداء مجزرة بيت حانون أول من أمس، بينهم أم وأطفالها الأربعة، وحمّل أركانها المسؤولية عنها لحركة"حماس"رافضين تقديم الاعتذار. واكتفى رئيس الحكومة إيهود أولمرت بإبداء"بالغ الأسف"، فيما أعلن وزير الدفاع إيهود باراك أن الوقت الآن هو للمواجهة مع"حماس"أكثر منه وقت تهدئة. وأعرب أولمرت في مستهل جلسة الحكومة الأسبوعية أمس عن"أسفه"لمقتل مدنيين فلسطينيين في قطاع غزة،"ولقيام حركة حماس بتحويل مراكز مأهولة بالسكان جزءاً لا يتجزأ من حربها ضد إسرائيل". وقال إن الدولة العبرية وحكومتها"تأسفان بالغ الأسف لأي أذى يلحق بمواطن غير ضالع في عمليات مسلحة وبالتأكيد بأم وبأطفالها الأربعة الذين قتلوا... هذا يؤسفنا جداً". وأضاف:"مازلنا لا نعرف الظروف الدقيقة لهذا الحادث المأسوي الذي نأسف عليه جداً. أسفنا على مقتل العائلة صادق أكثر من الأسف المصطنع لمنظمات الإرهاب التي تعرض المواطنين إلى مثل هذه الإصابات". وأكد أن الجيش يقوم بالتحقيق وسينشر النتائج الدقيقة لهذا الحادث. وألمح إلى موقفه من احتمال إعلان تهدئة مع"حماس"قائلاً:"أرجو أن تتوقف هذه الحرب الوحشية التي تشنها منظمات الإرهاب على مواطني إسرائيل، وطالما تواصلت فسنضطر إلى مواصلة الحرب على هذه المنظمات". وتابع أن إطلاق القذائف على جنوب إسرائيل يتواصل منذ أيام"ويؤسفنا أن مواطني إسرائيل يصابون منذ سنوات كثيرة، وفقط بأعجوبة لم يُقتل مواطنون من سديروت... يؤلمنا الطفل الذي بترت رجله قبل أسابيع جراء قذيفة قسام... في هذه الحال، سنضطر إلى مواصلة الحرب على المنظمات الإرهابية، وهي حرب لا بد منها من أجل حماية المواطنين الإسرائيليين". من جهتها، قالت وزيرة الخارجية تسيبي ليفني إنه"طالما يدّعي الجيش أن هناك احتمالاً بأن العائلة أصيبت جراء تفجّر حقائب محشوة بالذخيرة لمسلحين فلسطينيين فلا ينبغي تقديم الاعتذار". وحمّل وزير الدفاع إيهود باراك مجدداً حركة"حماس"المسؤولية عن"كل العنف والإرهاب في القطاع". وقال إن الأساليب التي تتبعها الحركة تؤدي في نهاية الأمر إلى إصابة المدنيين الفلسطينيين الأبرياء، في إشارة إلى مقتل الأم وأولادها الأربعة. ورداً على سؤال عن احتمال التهدئة في القطاع، قال باراك الذي كان يتحدث أثناء جولة له في أحد مقاطع الجدار العازل في الضفة الغربية، إن"الوقت الراهن هو لاستمرار المواجهة مع حماس أكثر منه وقت تهدئة". وأضاف أن الجيش الإسرائيلي يتحرك"وسيواصل التحرك المكثف ضد جميع الإرهابيين في غزة". ولم تختلف تعقيبات سائر الوزراء عن المجزرة عن تصريحات أركانها الرئيسيين وحاول بعض الوزراء تحميل المدنيين المسؤولية عن مقتلهم"من خلال تعاونهم مع الإرهابيين وقبولهم أن يكونوا درعاً بشرية"، كما قال الوزير زئيف بويم، فيما دعا الوزير المحسوب"حمائمياً"مئير شيتريت الحكومة إلى رفض التهدئة مع"حماس"بحجة أن الأخيرة ستستغلها لمواصلة تهريب الوسائل القتالية إلى القطاع. وشهدت وسائل الإعلام العبرية سجالاً شديداً بين مؤيد لرفض الحكومة والجيش الاعتراف بمسؤولية إسرائيل عن مجزرة بيت حانون والاعتذار من الفلسطينيين، وبين مؤيد لهذا الموقف بحجة أن الفلسطينيين هم المسؤولون عما آل إليه وضعهم. وتهكم المنتقدون لوزير الدفاع على تحميله"حماس"مسؤولية المجزرة ومقتل الأم وأطفالها، ولجوء باراك إلى مصطلح جديد هو"غير الضالعين"، في إشارة إلى المدنيين الفلسطينيين،"وكأن لا اسم ولا هوية للقتلى"، كما كتبت عنات ميدان في"يديعوت أحرونوت"، مضيفة أن الغرض من مصطلحات كهذه هو التنصل من أي مسؤولية عن العملية العسكرية وعن نتائجها، فضلاً عن عدم التعاطف مع القتلى. وتساءل معلقون آخرون عن عجز الجيش الإسرائيلي عن تدعيم ادعاءاته بأن الأم وأطفالها قتلوا جراء انفجار ذخيرة كانت في حوزة مسلحين فلسطينيين، بأدلة قاطعة كان من شأنها فعلاً أن تبرئ ساحة الجيش. وكتب المعلق البارز في"يديعوت أحرنوت"ايتان هابر أن يوم المجزرة"كان أحد الأيام التي يمكن التهرب منها بدخول الفراش والتحاف البطانية إلى أعلى الرأس أو الاختفاء تحت طاولة والانتظار بصبر والصلاة بأن يحتل خبر آخر العناوين خلال ساعة أو يوم". وكتب المعلق اليميني اوري اورباخ أن مقتل العائلة في بيت حانون هو"خلل عملياتي وليس أبداً خللاً أخلاقيا"ً. ورأى أن الشعب الفلسطيني يرفض التسليم بالواقع،"بواقع أن يكتفوا بالقليل من الأرض لأن البديل هو أن يكون لديهم أقل من القليل". وأضاف:"نحن لا نجاري الفلسطينيين... لكن إذا قُدَّر لنا أن نعاني فليعانوا هم أكثر. لا ينبغي علينا أن نتلفع بمسحة من الحزن المزيّف". من جهته، كتب المعلق في"هآرتس"عاموس هارئيل أن حادثة بيت حانون لن تؤثر في المساعي الفلسطينية - المصرية للتوصل إلى تهدئة"لأن المستوى السياسي في حماس غزة متلهف لها". وأضاف أن"حماس"قد تكتفي بالرد على عملية بيت حانون برشقات القذائف التي أطلقتها أول من أمس على جنوب إسرائيل. واستغرب سلوك إسرائيل"التي ما زالت تتصرف كأن لا هدنة في الأفق وتواصل هجماتها على القطاع بحجة أن وقف النار ليس حقيقة ناجزة بعد". وأضاف أن"إسرائيل تبدو منجرة وراء ضغط مصري لقبول الهدنة، ووراء مخاوف حكومتها من خسائر فادحة في الأرواح في صفوف الجيش في حال أعاد احتلال القطاع، وعليه فإنها لا تتجه إلى الهدنة عن قناعة تامة". إلى ذلك، أفادت مصادر في وزارة الخارجية الإسرائيلية أن ليفني ستلتقي بعد غد في لندن نظيرها المصري أحمد أبو الغيط في"لقاء مصالحة"بعد أن فترت العلاقات بينهما على خلفية ادعاءات ليفني ضد مصر بأنها لا تفعل شيئاً جدياً لوقف تهريب الأسلحة من سيناء إلى قطاع غزة. ورد أبو الغيط في حينه على ليفني بأن نصحها بالانشغال في أمور تفقهها لا في مسائل أمنية. وقال مصدر سياسي إسرائيلي إن الوزيرين سيبحثان في مسألة تهريب السلاح وفي إمكانات إعادة فتح معبر رفح وفي العملية السياسية بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية.