يبدو أن سنوات الإصلاح آتت أكلها بالنسبة الى أثرياء روسيا أكثر من غيرهم. فالبلد الذي نهض من غيبوبته بسرعة أدهشت كثيرين، بات يشغل الموقع الثاني بعد الولاياتالمتحدة في عدد أصحاب البلايين. إذ شهد العام الأخير وحده"ثورة"على هذا الصعيد نقلت عشرات من رجال الأعمال والمال في روسيا إلى لائحة أغنى أغنياء العالم. وبحسب معطيات نشرتها مجلة"فينانس"الروسية أخيراً، دخل أربعون بليونيراً روسياً الى نادي الأغنياء خلال العام 2008 وحده، ليبلغ مجموع المصنفين كأغنى رجال العالم مئة وروسياً واحداً مقارنة مع 61 العام الماضي. ورغم أن الولاياتالمتحدة ما زالت تشغل المقدمة على اللائحة، تخطو روسيا التي استفادت من ازدهار اقتصادها بسرعة للمنافسة في هذا المجال أيضا. وأظهر أحدث تصنيف للاغنياء في روسيا أن امبراطور الألومنيوم الروسي اوليغ ديريباسكا أصبح أغنى رجل في روسيا بحيازته ثروة قدرها 40 بليون دولار، متفوقا على منافسه رومان ابراموفيتش. وساعدت الزيادة في أسعار المعادن ديريباسكا 40 عاما على مضاعفة ثروته الصافية خلال العام الأخير وحده بنحو عشرين بليونا. ويملك ديريباسكا الذي ربّاه جده في مزرعة صغيرة في جنوبروسيا 66 في المئة من شركة صناعة الالومنيوم العملاقة"روسال"، ويسيطر على المجموعة الصناعية"بيزيك ايليمنت"وعلى 30 في المئة من الاسهم في شركة الانشاءات النمسوية"ستراباج". وبحسب التقويم الجديد، تخطى ديريباسكا، ثراء، ابراموفيتش مالك نادي"تشيلسي"لكرة القدم والذي بلغت ثروته حوالي 23 بليونا في العام الأخير. وحل رجلا الأعمال المعروفان سيرغي بروخوروف وفلاديمير بوتانين ثالثا ورابعا على لائحة أغنى الأغنياء، بعدما كانا الثامن والتاسع في العام الماضي، وهما يعملان في مجال الطاقة. وبحسب معطيات"فينانس"فإن أغنى 500 رجل في روسيا يملكون ثروات تعادل 715 بليون دولار، أي ما يزيد قليلا عن نصف مجموع الدخل الوطني للبلاد. ولا تخلو اللائحة من الأسماء النسائية التي تتصدرهن يلينا باتورينا زوجة يوري لوجكوف رئيس بلدية موسكو بثروة تبلغ سبعة بلايين دولار راكمتها من النشاط في قطاع البناء. لكن أثرياء روسيا الآن من طراز جديد، فهم لا يشبهون كثيرا أصحاب البلايين الذين راكموا ثروات خرافية خلال عهد الرئيس بوريس يلتسن، ثم هربوا من البلاد ببلايينهم بعدما بدأ بوتين حملة قوية للقضاء على سلطة"الأوليغارشية"التي حكمت البلاد خلال عهد سلفه. ولا يقتصر وجه الاختلاف على حجم الثروات ذاتها، رغم أن الطفرة التي رافقت ارتفاع أسعار النفط والغاز سمحت لأثرياء اليوم بمراكمة ثروات لم يكن يحلم بها أسلافهم، لكن الاختلاف الأبرز أن"حيتان المال"في روسيا بعد ولايتين للرئيس بوتين باتوا"من دون أنياب"، كما يقول البعض. وهذا بلغة السياسة الروسية المعاصرة يعني التزامهم باتفاق غير معلن مع الكرملين، مفاده: انشغلوا بأموالكم وأعمالكم واتركوا أمور السياسة لأصحابها! في إشارة إلى مصير السابقين على هذا الطريق، مثل بوريس بيريزوفسكي وفلاديمير غوسينسكي اللذين فرا من روسيا مع عشرات"الحيتان"السابقين هربا من محاكمات بتهم الفساد والسرقة، او المالك السابق للعملاق النفطي"يوكوس"ميخائيل خودوركوفسكي الذي يقضي عقوبة السجن حاليا للتهم ذاتها. وأكثر من ذلك فإن أصحاب البلايين في روسيا العائدة إلى الساحة الدولية بقوة، يدعمون سياسات الكرملين ولا يخفون ولاءهم الكامل. وكثير منهم يشغل مناصب قيادية في الاقاليم الروسية وتربطهم صداقات وثيقة مع الرئيس فلاديمير بوتين، حتى أن ديريباسكا صرح ذات يوم بأنه على استعداد أن يُسلِّم كل ثروته إلى الدولة لو طُلب منه ذلك! ولم تضمن لائحة المجلة أسماء مسؤولين حكوميين لكنها سمت 12 بليونيرا هم أعضاء في مجلس الدوما. يبقى أن إسم الرئيس بوتين ذاته غاب عن لائحة أصحاب البلايين، رغم تأكيد البعض أنه يملك ثروة تصل إلى نحو أربعين بليون دولار، وهو أمر نفاه بوتين بقوة، واتهم المروجين له بالكذب، لكنه أكد أنه"أغنى رجل في روسيا والعالم كله، بحب الشعب الذي منحه الثقة مرتين".