انخفاض أسعار النفط    "الأونروا": يجب أن يستمر وقف إطلاق النار في غزة    بدء المرحلة الأولى من توطين مهن المحاسبة    28 مليار دولار صفقات ب «مستقبل الاستثمار»    وفد غرفة جازان يزور الصين    استقبل وزير الحج والعمرة.. نائب أمير مكة: العمل التكاملي يعزز جودة خدمات ضيوف الرحمن    نائب ترمب: وقف إطلاق النار أمام تحديات كبيرة    أطول اسم في العالم يحتاج لعدة صفحات    تحديث إنستغرام يفجر غضب المستخدمين    الأهلي يضرب الغرافة برباعية ويتصدر نخبة آسيا    وزير الخارجية وغوتيريش يبحثان المستجدات الإقليمية والدولية    بين جائزة القارة واستفتاء مجلة    تسجيل 184 موقعاً أثرياً جديداً في السعودية    تستهدف تصحيح أوضاع العاملين في هذه الأنشطة.. إطلاق اشتراطات أنشطة المياه غير الشبكية    «أغنية مسربة» لمحمد فؤاد تثير المشاكل    إبداع عربي في عرض «الريشة» بسويسرا    المساعدة القهرية    استقبل الفائز بالمركز الأول بمسابقة تلاوة القرآن بكازاخستان.. آل الشيخ: دعم القيادة لحفظة كتاب الله يحقق الإنجازات    علماء يطورون ذكاء اصطناعياً لتشخيص ورم الدماغ    هرمون الكورتيزول خدعة من العيار الثقيل    متلازمة المبيض متعدد الكييسات (2)    الوحدة يكسب الدحيل بثلاثية    إنزاغي: هدفنا مواصلة الصدارة    مارسيلينو: سنتحلى بالثقة أمام السيتي    1214 مصنعا سعوديا تعزز منظومة الأمن الغذائي    تداول يتراجع ويغلق عند 11644 نقطة    اعتدال أسعار الغاز الطبيعي عالميا    أمير القصيم يدشن مشروعي "التاريخ الشفوي" و"تاريخنا قصة"    الوقت في المدن الكبرى: السباق مع الزمن    «خيرية القطيف» تشارك الأمل ب«التبكيرة خيرة»    غزة: استئناف إدخال المساعدات ووفود دولية لمتابعة وقف إطلاق النار    الذهب يرتفع.. وتوقعات بخفض أسعار الفائدة    محمد بن عبدالرحمن يشيد بالعفو والصفح عند المقدرة    فيصل بن خالد: الممارسات التطوعية دعم للمنظومة الصحية وإنقاذ للأرواح    الهلال والسد في قمة الزعماء    سماء المملكة تشهد ذروة زخة شهب «الجباريات»    أبها يواجه خطر الوحدة    خطر بطاريات ألعاب الأطفال    هياط المناسبات الاجتماعية    خامنئي لترمب: تدمير البرنامج النووي الإيراني وهم    منتدى الأفلام السعودي.. نحو العالمية    زيلينسكي: اقتربنا من نهاية الحرب    عندما يتكلم غير المختص في غير مجاله    أمين منطقة جازان يتفقد المشاريع والخدمات البلدية في محافظة أبو عريش    منصة "مُعين" الرقمية تشهد أكثر من 23 مليون زيارة و1.3 مليون جلسة قضائية رقمية    "إثراء" يطلق "موسم الشتاء" بأكثر من 130 برنامجًا ثقافيًا    «التعاون الإسلامي» تُرحّب باتفاق وقف إطلاق النار بين باكستان وأفغانستان    جمعية شفيعًا تنظم رحلة تكريمية لطلاب الحلقات الحافظين لكتاب الله من ذوي الإعاقة للمدينة المنورة ومكة المكرمة    تخصصي الملك فهد بالدمام يطلق مؤتمر "الابتكارات المتقدمة في الطب المخبري"    جمعية رعاية الأيتام بنجران تواصل ‏برامجها ‏التوعوية    نائب أمير مكة يترأس اجتماع محافظي المنطقة لمتابعة مشاريع التنمية وتحقيق مستهدفات رؤية 2030    تكريم الكلية التقنية للبنات بشرورة لمشاركتها في اليوم الوطني 95    نائب أمير نجران يُدشِّن أسبوع مكافحة العدوى    ولي العهد يعزي رئيس وزراء اليابان في وفاة توميتشي موراياما    «المساحة» : زلزال الخليج العربي بعيد عن أراضي السعودية    سعود بن بندر يستقبل مشرف البعثة التعليمية في البحرين ومدير تعليم الشرقية    نائب أمير جازان يزور الأديب إبراهيم مفتاح للاطمئنان على صحته    لا مال بعد الموت    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كتاب عفيف فراج "ثنائية - شرق - غرب" . استعادة نقدية لجذور الإستشراق
نشر في الحياة يوم 17 - 02 - 2008

تغطي إشكالية شرق - غرب حيّزاً واسعاً من الفكر العربي الحديث والمعاصر، لكن قلّما تمّ الحفر في خلفياتها الايديولوجية والفلسفية المؤسسة لأوهام الاستعلاء الغربي والنظرة الاستشراقية الجائرة والمتحيزة. الأمر الذي انكبّ عليه عفيف فراج في"ثنائية شرق - غرب"دار الآداب - بيروت، 2008، بشكل تميّز بالموضوعية والرصانة الأكاديمية، على عكس المواقف السائدة، سواء الانهزامية التي مارست جلد الذات، أو الدفاعية الاعتذارية التي واجهت العقل الاستشراقي باستشراق معكوس"الاستغراب"وردّت على استعلاء الغرب باستعلاء مضاد، قوامه ادعاء تفوّق الأنا - الشرق - ودونية الآخر - الغرب.
بدأ فراج من الألماني اللوثري هيغل، فرأى ان مصطلحي شرق - غرب يتعديان في فلسفته مدلولهما الجغرافي البحت ويشحنان بجواهر عنصرية. فهيغل بين أوائل الذين اسسوا التأقطب الثقافي ? العرقي، بين شرق جوهره حسّي، وغرب عقلاني الجوهر، بتأكيده على الحسية الشرقية وعلى ان الحضارات الشرقية هي بمثابة عالم الغربة بالنسبة للعقل. الشرق في فلسفة هيغل هو أرض سفر الروح في رحلة الذهاب أي رحلة الغربة والاغتراب عن الذات، أما الغرب فهو رحلة الإياب وعودة الوعي الى مصدره والروح الى حقيقته التي لم يدركها في الشرق وأدركها في الغرب الذي هو مستقرّ الشمس الآيبة من الوجود الى الماهية، من الخارج الى الداخل، على عكس الشرق المنخطف أبداً بالشمس الخارجية، وبنورها الذي يعميه عن شمسه الداخلية، شمس الوعي.
وتواصل فرضيات هيغل العنصرية العصب، الغربية التمركز، في فكر البريطاني الوضعي"رسل"، على رغم تخالف رؤية الفيلسوفين الى العالم، وإختلاف منهج المقاربة وأدوات المعرفة، وعلى رغم الفاصل الزمني الشاسع الممتد بين عام 1831 حيث استكمل هيغل صياغة محاضرات فلسفة التاريخ، والعامين 1943 و1949 حيث اصدر"رسل""تاريخ الفلسفة الغربية"وپ"حكمة الغرب"ذاهباً الى ان الشرق لم يعرف في تاريخه إلا حكم الملوك المستبدين، وأن الشرقي لا يدرك القانون إلا في صيغته الخارجية المحسوسة ولا يستجيب لمتطلباته إلا لأنها تأتيه في صيغة أمرية.
أما الأميركي الليبرالي"بول كينيدي"فقد افترض ان النسق الثقافي الغربي هو النمط الإنسانوي الوحيد المؤهل للعالمية، ودعا دول العالم الثالث الى مفارقة ثقافاتها ودياناتها التقليدية، والى تمثّل قيم الحداثة البورجوازية الغربية كما تجلّت في تقليد ثقافي غربي مزعوم يبدأ بپ"اليونان الكلاسيكية"وينتهي بپ"الليبرالية الأميركية المعاصرة". وفي نظره ان الحضارات الشرقية قد افتقرت الى نمط القيم الفردية البروتستانتية، وأن القوانين المادية الجدلية لا تنطبق إلا على المجتمعات الغربية، وأن الموروث الثقافي والديني في الشرق ينطوي على أسباب الاستبداد الشرقي. وهكذا ارتقى كنيدي بالنمط الثقافي الغربي الى مرتبة المقال العالمي الأوحد.
يرد فراج على هذه الأطروحات بأن كنيدي لا يُبرز الوجه الايجابي لتطور أوروبا التقني والاقتصادي إلا ليخفي الشر الذي طاولت نتائجه شعوب آسيا وأفريقيا وأميركا الوسطى والجنوبية، وهو يضرب صفحاً عن ارتكابات العنف والنهب الذي مارسته القوى الامبراطورية الغربية بدءاً بعصر النهضة وانتهاء بحرب الخليج، معللاً مشكلة دول الشرق بأسباب ثقافية أساساً تستتبع نتائج اقتصادية وسياسية سلبية، متجاهلاً العلاقة السببية والشرطية بين الرأسمالية والاستعمار، وما يترتب عليه من جوانب مأسوية تستدعي ردوداً أصولية.
وفي موقف متناقض لفكر الاستعلاء الاستشراقي الغربي ذهب الفرنسي الماركسي روجيه غارودي، الى ان نمط التطور الرأسمالي الغربي يفتقد المعنى والهدف، واصفاً حضارة الغرب بپ"العَرَض الطارئ"، والغرب بپ"المصادفة التاريخية والحدث الاستثنائي الضئيل في تاريخ الملحمة الانسانية التي دامت ثلاثة ملايين سنة". وعلى عكس كنيدي الذي اعتبر عصر النهضة بداية الزمن الحضاري الحديث، رأى غارودي في هذا العصر، عصر اللعنة، مشخصاً في انسان يتعالى بالفكر عن الطبيعة، وبالعقل عن الجسد، وبإرادة القوة عن الله والانسان، ما تمثّل من تسخير الثقافة والمذهب العقلي لادارة الربح والسيطرة التي تميّز الرأسمالية الناشئة والاستعمار اللذين هدّما حضارات أسمى من حضارة الغرب، اذا قيست الحضارة بوعية العلاقات التي تربط الانسان بالطبيعة والمجتمع والله. إن اعتقاد الغربي بأن الطبيعة ملكه وأنه سيدها جعله لا يرى في الارض إلا احتياطاً للمواد الأولية ومستودعاً لفضلاته الصناعية يتلاعب بها بلا رادع بواسطة تقانات منحته سلطة تدمير الأرض ومن عليها. وفي رأي غارودي ان الغرب هو أم الأصوليات كلها، باعتبار الاصولية الأولى هي النزعة الاستعمارية الغربية.
وفي رأي ادوارد سعيد ان الشرقي حين يرى الى صورته في مرايا الاستشراق فإنه لا يتعرف الى ذاته بل يُنكر ما يرى من ملامحه العربية الاسلامية الشرقية، لأن المستشرق الغربي صاغ"الشرق"، تخيّله، ابتدعه أنتجه، على الصورة التي تتلاءم مع مصالحه ورغائبه ودوافعه، في ظل واقع القوة المادية التي يمارسها الغرب على الشرق. فما كان يمكن للاستشراق ان يخترع هذه الصورة الثابتة للشرق الدوني - البربري، العنفي، الاستبدادي، الغيبي، الخرافي، لو لم يكن الشرق قابلاً"لأن يُخضع"، ولهذا فأي تغيير في الرؤية الى الشرق يبقى مرهوناً بتعديل علاقة القوة القائمة بين الغرب والشرق. الا ان الحرب على الاستشراق، في رأي سعيد، ليس الاستغراب، كما ان الأصولية الاسلامية ليست جواباً على المعرفة التي أنتجها الغرب عبر التاريخ عن الاسلام
أما جيلبير الاشقر فقد رأى ان ثمة أفقاً للحوار بين الغرب الذي أنتج كل الأنساق الفكرية والعقائدية والعلمانية، والشرق الذي أنتج كل الأديان، يجب ان يبدأ بوقف حوار النار بين أصولية بن لادن وأصولية البروتستانتي المتهوّر جورج بوش.
في نظرة إجمالية يمكن القول ان فراج قدّم عرضاً رصيناً لفكر الاستشراق من خلال بعض رموز الفكر الفلسفي والايديولوجي الغربي ونقاده العرب، هو أحوج ما تكون اليه المكتبة العربية مع احتدام السجال في المرحلة الراهنة بين الأصوليين والحداثيين، واتجاهه منحىً يغيّب كثيراً من الحقائق، ويضيّع بوصلة التعامل الايجابي الفاعل مع حداثة الغرب، كما الرؤية العقلانية الضرورية لمقاومة مطامعه وغطرسته واستعلائه، الا ان ذلك لا يعفي المؤلف من بعض الثغرات المنهجية وأكبرها عدم اتساق كتابه وبنيته الفضفاضة وغير المتماسكة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.