ليس سهلاً امساك العصا من الوسط في الوضع اللبناني الحالي والمحافظة على علاقات متوازنة مع كل الاطراف. ومع ذلك فهذا ما يحاول أن يفعله الرئيس ميشال سليمان، سواء من خلال طبيعة العلاقات التي تربطه بأهل الداخل، او الزيارات التي يقوم بها الى الخارج، والتي يحرص على ان تعكس الطابع التقليدي للسياسة الخارجية اللبنانية، والمتمثل في الابتعاد عن صراعات المحاور العربية وعن الانحياز في المواجهات بين القوى الدولية. ويفعل الرئيس اللبناني ذلك، من غير ان يتوقف طويلاً عند ردود الافعال المتوقعة من قبل هذا الطرف او ذاك، وهي ردود غالباً ما تكون معروفة سلفاً، نظراً إلى ارتباطات هذه الاطراف ومصالحها المباشرة. فهو ينتظر ان يكون قياس نجاح المبادرات الرئاسية بالنتائج، انطلاقاً من ان المصلحة اللبنانية تقضي في هذه الظروف فتح كل الابواب المغلقة بحثاً عن مخارج للمأزق الاقليمي الذي لا يزال يعطل الثقة الكاملة في نجاح الحل اللبناني. والى جانب التوازنات التي يحرص عليها سليمان من خلال زياراته العربية، والتي تتميز بالزيارة التي يقوم بها الى المملكة العربية السعودية، بعد أن سبقتها زيارته الى سورية التي تقرر بنتيجتها قيام العلاقات الديبلوماسية بين البلدين، فهو يحاول اعادة انفتاح لبنان على الساحة الدولية، وبشكل خاص على الولاياتالمتحدة، بعد مرحلة الانقطاع التي شهدتها هذه العلاقات في ظل العهد السابق للرئيس اميل لحود، الذي تميزت سياساته الداخلية والخارجية بانحياز كامل الى فريق من اطراف الصراع الداخلي والاقليمي، مما شل دور الرئاسة الاولى آنذاك، وعطل قدرتها على رعاية التسويات الداخلية، وعلى اقامة علاقات مقبولة مع دول لها دورها الاساسي في المنطقة. ولعل الترجمة العملية الاولى لسياسة الانفتاح هذه، هي الاتصالات العائدة بين المؤسسات العسكرية في لبنانوالولاياتالمتحدة، بعد ان افصح الرئيس سليمان خلال زيارته الى واشنطن عن رغبته في الحصول على مساعدات اميركية للجيش اللبناني، تتمثل في مزيد من الاسلحة المتطورة لمواجهة النشاطات الارهابية وحماية الاستقرار الداخلي. والحقيقة ان سليمان لم يكن يتردد، منذ كان قائداً للجيش، في الشكوى من غياب الدعم العسكري الاميركي للجيش اللبناني، على رغم المهمات الصعبة المطلوبة منه في الداخل، وقد عبر بوضوح عن هذه الشكوى خلال المعارك القاسية التي خاضها الجيش ضد المسلحين الذين قاتلوا الجيش في مخيم نهر البارد في العام الماضي. واشنطن ألحقت الرغبة الاخيرة التي عبر عنها سليمان بزيارة نائب مساعد وزيرة الخارجية لشؤون الشرق الاوسط ديفيد هيل ومساعدة وزير الدفاع ماري بتلنغ الى بيروت. وحظيت الزيارتان باهتمام سياسي واعلامي واسع، وكان لافتاً لقاء هيل بمعظم قادة قوى فريق 14 آذار، بينما تجنب لقاء اي مسؤول من الجهة الاخرى، باستثناء رئيس المجلس النيابي نبيه بري والنائب السابق لرئيس المجلس ايلي الفرزلي. وأكد هيل في تعليقه على التعاون الجديد بين وزارة الدفاع الاميركية والجيش اللبناني ان هذا التعاون يتخذ هذا الشكل"للمرة الاولى"، وان الشراكة العسكرية بين البلدين ترتكز على مواجهة التحديات المشتركة لإزالة الإرهاب الذي يهدد الاستقرار في لبنان ولتطبيق القرار 1701. وعلى رغم من الحجم المتواضع للمساعدات العسكرية الاميركية، فقد لقيت انتقادات من اطراف في الداخل، مما يشير الى صعوبة الدور الذي ينتظر من الجيش ان يلعبه في حفظ الامن والتوازن الداخلي، وإلى مدى التشكيك في وجهة استخدام الاسلحة الاميركية المرسلة اليه. فإعلام"حزب الله"مثلاً، اعتبر هذه المساعدات من دون قيمة حقيقية من الناحية العسكرية، متسائلاً عن الاسباب التي تحول دون تعزيز قدرة الجيش الفعلية في مواجهة اسرائيل. ولم يخف مسؤولون في الحزب في الوقت ذاته قلقهم حيال تركيز الجهات الاميركية على"مواجهة الارهاب"كهدف لمساعداتهم للبنان، بينما لا يزال"حزب الله"مصنفاً بين التنظيمات الارهابية على اللوائح الاميركية. اما اسرائيل، فقد ابدت كذلك تحفظاتها على تسليح الجيش اللبناني، معتبرة أنه لا يستطيع التدخل لحسم اي نزاع داخلي، بسبب تأثير الخلافات الطائفية على تماسكه، الى جانب ما نقله مسؤولون اسرائيليون الى واشنطن من تخوفهم من"تسرب"الاسلحة الاميركية الى"حزب الله"! ولأن الثقة معدومة بين اطراف الداخل والخارج، تصبح الثقة في قرارات ميشال سليمان هي المحطة الوحيدة التي ينتظر ان يلتقي عندها الجميع. لكنّ في هذا تحميلاً للقرارات والمبادرات الرئاسية أكثر بكثير مما تستطيع ان تحمل.