توفي في القاهرة الثلثاء 22 الجاري القاص والروائي المصري خيري عبدالجواد عن 47 عاماً، مخلفاً مؤلفات عدة في القصة والرواية، ومن أبرز كتبه:"حكايات الديب رماح"،"كتاب التوهمات"،"حرب أطاليا"،"العاشق والمعشوق"، كيد النساء"،"يومية هروب". وكان تعذر على الكاتب تلبية دعوة"مختبر السرديات في المغرب"الى لقاء بينه وبين نقاد مغاربة في 5 كانون الأول ديسمبر 2006 فارسل الورقة التالية معرفاً فيها بشخصه وفنه الكتابي: تحية عطرة أرسلها إليكم من القاهرة التي تتشوف دائماً لرؤياكم، فأنتم منها في القلب، تأكدوا من هذا، ولعل بعضكم قد لمس ذلك عند زيارته للقاهرة وعرف مدى الحب الذي نكنه نحن أدباء مصر وكتابها للمغرب والمغاربة أخوتنا وزملاء المهنة الواحدة، فلا فضل لمغاربى على مصري إلا بالفن والإبداع الجيد وها نحن نلتقي ونتجمع من طريق الفن، فوحده يجمع ما فرقته السياسة والحدود والملل والنحل المختلفة. لقد شعرت بسعادة طاغية حين علمت باجتماعكم على دراسة بعض ما اجتهدت في كتابته على مدى ربع قرن من روايات وقصص، وأني على أمل ألا يخيب ظنكم في ما كتبت، وأن تجدوا فيه ما يستحق عناء بحثكم، وألا تكونوا قد أضعتم وقتكم في ما لا يستحق. بدأت الكتابة في فترة مبكرة جداً من حياتي، كان ذلك في بداية السبعينات من القرن الماضي، وكان عندي وقتها عشر سنوات، فقد ولدت في 24/7/1960 وكانت أول قصة كتبتها آنذاك هي قصة بوليسية تشبه تماماً القصص البوليسية والألغاز التي أدمنت قراءتها في تلك الفترة وما زلت حتى الآن - لكن البداية الحقيقية جاءت مع نشر أول قصة قصيرة لي في مجلة"الجديد"والتي كان يشرف عليها الناقد والمسرحي رشاد رشدي، كان ذلك في تشرين الأول أكتوبر 1980، منذ ذلك التاريخ وحتى ظهور أول مجموعة قصصية لي وهي"حكايات الديب رماح"عام 1987، كنت نشرت أكثر من ثلاثين قصة في الصحف والمجلات المصرية والعربية، والغريب أنني لم أختر من بين هذه القصص التي نشرتها ما يكون مجموعتي الأولى، بل كتبتها كلها خصيصاً كي تكون كتابي الأول. ولدت في أحد الأحياء الشعبية الموجودة في قلب العاصمة القاهرة، وهو حي بولاق الدكرور، وقد يحدثكم الدكتور شعيب حليفي عن بعض انطباعاته عن هذا الحي، فقد شاهده معي، وقد أطلق عليه البعض اسم"الصين الشعبية"نظراً لازدحامه الشديد. في هذا الحي عشت كل عمري وتشبعت بهذا الخليط من البشر بما يحمله من ثقافات شعبية مختلفة بعضها ينتمي الى الجنوب، والآخر ينتمي الى الشمال ودلتا النيل، وبينهما ثقافة العاصمة، لقد رضعت من تلك الثقافة - العشوائية - وعبرت عنها في كل كتاباتي. كانت"حكايات الديب رماح"هي حجر الزاوية في كل ما سأكتبه بعد ذلك، ولقد تساءل الروائي والناقد الكبير ادوار الخراط في دراسته التي قدم بها كتابي الأول: هل هذه الكتابة حكايات شعبية أم قصص حداثية؟ وخلص في نهاية الدراسة إلى أنها قصص حداثية تمتح من بئر الخرافة الشعبية. لن أقول بالطبع، أو أدعي، أنني كنت على وعي كامل بما أكتبه في تلك الفترة، بل على العكس من ذلك، لم أكن منتبهاً لذلك الكنز الذي بين يدي والذي نبهتني إليه كتابات ادوار الخراط والكثير من النقاد الذين تناولوا أعمالي في ما بعد. كتبت هذه المجموعة بالفطرة وحدها وبوعي ضئيل بأنني أريد أن أكتب هذه الكتابة بالذات والتي تحمل ثقافتي الوحيدة التي أعرفها آنذاك، فأنا ابن لهذه الطبقة الشعبية ولست ذلك المثقف الذي يكتب عنها، بل منها وفيها. بهذا التصور كتبت مجموعتي الثانية"حرب أطاليا"على ان الوعي كان تطور قليلاً وبدأ ينظر إلى أبعد من ذلك. كانت ألف ليلة وليلة، والسير الشعبية، وحكايات الجان، وكتب السحر، وأهازيج الأطفال، وكتب الأخبار والرحالة العرب، والأساطير، سواء كانت شفهية أم كتابية، وتراث المحكي العربي على اتساعه وامتداده، هي مجال تجوالي في ما بعد بحثاً عن أشكال عربية للقصة والرواية، وبالفعل وجدت بعض الأشكال والتقنيات التراثية القديمة والتي تصلح لإثارة الدهشة الآن، فمثلاً بهرني استخدام"الحارث المحاسبي"وهو متصوف من القرن الثالث الهجري لشكل التوهم للجنّة والنار وللحياة الأخروية، وقد قررت استخدام هذا الشكل، أي شكل التوهم، في روايتي الأولى"كتاب التوهمات"التي صدرت عام 1992، وفيها طوعت هذا الشكل التراثي القديم لشروط الحداثة كما أفهمها، بعد ذلك جاءت رواية"العاشق والمعشوق"والتي أحدثت بعض التفاعل الإيجابي في الأوساط الأدبية المصرية والعربية على السواء، ولفتت الانتباه - وبشدة الى كتاباتي . لا أريد الإطالة، لكنني فقط أردت استجلاء بعض الخطوط العريضة لحياتي وكتابتي والتي تحركت من خلالها عبر عملي خلال ربع قرن في محاولة لكتابة جادة لا تقلد كتابة أخرى، لكنها كتابة مسكونة بما وبمن سبقها، ومرة أخرى فإن اجتماعكم من أجل النظر في ما كتبت هو في حد ذاته شرف لي وتاج أضعه فوق رأسي. أشكركم مرة أخرى على ما قدمتموه من أجلي".