متحف اللوفر في أبو ظبي هو سابقة لا نظير لها في عالم الفن. فمسؤولون سياسيون بادروا الى تبني مشروع إنشاء فرع لمتحف اللوفر الفرنسي العريق في أبو ظبي، ولم يستشيروا خبراء المتاحف أو المسؤولين عن الحفاظ على الإرث الفني الفرنسي في قرارهم هذا. ولفّ غموض ديبلوماسي المفاوضات بين فرنسا وأبو ظبي. والردود العنيفة على المشروع هي صحوة ضمير متأخّرة. فنحن حذّرنا من عواقب إقرار هذا المشروع، قبل أشهر من توقيعه. ويجب المحافظة على الإرث الوطني وعدم التفريط به. ولا يجوز مكافأة شريك ما على ابرامه صفقة تجارية بالتفريط بهذا الارث. فهذا النوع من المكافآت يخالف مبادئ المتاحف الأخلاقية. وينص الاتفاق المبرم بين أبو ظبي وفرنسا، في 6 آذار مارس المنصرم، على السماح لمتحف يشيّد على جزيرة السعديات الإماراتية باستعمال اسم متحف"اللوفر"لثلاثين عاماً وستة أشهر مقابل 400 ألف يورو. وهذا العقد يُجدد كل عامين، وتبلغ قيمته 195 مليون يورو. ويخول هذا العقد متحف لوفر أبو ظبي استئجار 300 لوحة أو تحفة من متحف اللوفر بفرنسا وغيره من المتاحف الفرنسية المحلية. ومن المفترض ان ينظّم متحف ابو ظبي أربعة معارض سنوياً. ويترتب على هذا التنظيم غياب أكثر من 500 لوحة من المتاحف الفرنسية في كل عام، ومساعدة خبراء متحف اللوفر في تأهيل موظفي المتحف الجديد، وفي إرساء معايير شراء الأعمال الفنية. وهذه الصفقة تدرّ نحو بليون يورو طوال 3 عقود على الخزينة الفرنسية. وزعمت الحكومة الفرنسية أنها أبرمت هذه الصفقة في سبيل نشر الإرث الفرنسي في العالم. ومن المتوقع ان يزور نحو 150 مليون خليجي وثلاثة ملايين سائح متحف أبو ظبي. ولكنني أزعم أن احتمال مسارعة الخليجيين إلى زيارة"لوفر الرمال"ضئيل. فعدد السياح المتوقّع ينطوي على مبالغة كبيرة. فمتحفا غوغنهايم وسانت بيترسبورغ في لاس فيغاس الاميركية نظّما معارض كبيرة، ولكنهما فشلا في استقطاب اعداد كبيرة من الناس. وأصحاب متحف أبو ظبي يحذون حذو هذين المتحفين. وعليه، ليس التذرع ب"نشر ثقافة فرنسا"لتسويغ انشاء متحف في الخليج، سوى حجة واهية. ومن المفترض ان تنتخب الأعمال التي ستعرض في أبو ظبي من مجموعات المتاحف الفرنسية. ويعود أمر البت في هذه المسألة الى المسؤولين الفرنسيين المحليين. ولكن البلديات الفرنسية ترزح تحت عبء ديون كبيرة، وقد يسعى أي محافظ الى زيادة دخل بلديته من دون استشارة خبراء المتاحف. فينفرد في اختيار التحف المعروضة للإيجار. ولا شك في أن التفريط بمحتويات المتاحف مقابل عقد صفقة طائرات وأسلحة يبعث على القلق. فصحيفة"هيرالد تريبيون"الدولية نشرت معلومات تفيد أن فرنسا باعت الإمارات 40 طائرة"أرباص 380"، وأسلحة قيمتها 8 بلايين يورو، في العقد الماضي. وهذه الصفقة تحملنا على الطعن في شرعية قرارات السياسيين في مجال الفن والتحف الوطنية. فالسياسيون لم يستشيروا المسؤولين عن المتاحف، وهم في حل من رقابة النواب ومجلس النواب. ونحن لا نعترض على تشييد متحف في أبو ظبي. ولكن قادة الإمارات أثرياء، وفي جعبتهم أموال طائلة تمكنهم من شراء أعمال وتحف، قبل افتتاح متحفهم بعد أربعة أعوام. وفي وسع هؤلاء العثور على أعمال فنية مهمة تليق بمتحف عريق في أسواق الفنون العالمية. ولكن استئجار الاعمال الفنية هو أسهل من شرائها. وكان في وسع المسؤولين الفرنسيين الاقتراح على أبو ظبي مساعدة خبراء فرنسيين في المتاحف في اختيار مستشارين فنيين للعمل في متحف الإمارات. ويجب تفادي تعارض مصالح المتاحف الفرنسية مع مصلحة المتحف الإماراتي. وجرت القوانين والأعراف على إعارة متحف جديد تحفاً لإقامة معارض. ولكن نقل أعمال الإرث الفرنسي الى متحف فارغ ينطوي على مغامرة خطيرة. وهذا المتحف الفارغ يشيد في بلد هو نظير مدينة لاس فيغاس في الخليج العربي. ولا يتعدى عدد مواطني هذا البلد 700 ألف نسمة، معظمهم لا يفقه في أمور الفن. وعملية نقل اللوحات والاعمال الفنية الى متحف أبو ظبي محفوفة بالمخاطر. فقد تثير هذه الاعمال حفيظة الإرهابيين. ويصف الارهابيون التبادل الثقافي مع الخارج ب"الغزو"الغربي لأرض الإسلام. ويرى المتشددون في هذه البقعة من العالم ان اللوحات الغربية تنطوي على عدوان على تقاليدهم. ولا شك في ان حراسة"جزيرة السعادة"العتيدة تعجز عن درء المخاطر عن المتحف. والحق ان إطلاق اسم"لوفر أبو ظبي"على متحف له عواقب قانونية. فاسم اللوفر ليس علامة تجارية، مثل حقائب"لووي فويتون"، بل هو اسم مكان فرنسي يرتبط بالإرث الجمهوري. ونقل هذا الاسم الى جهة غير فرنسية هو بمثابة تأجير صفة الجمهورية الفرنسية الى بلد آخر. وثمة في فرنسا من يرى ان متاحف اللوفر وبوبورغ وأورسيه، هي سلع تجارية استهلاكية وعلامات تجارية، شأن متاجر"إيكييا"للمفروشات. وهذا أمر مهين. وعلى خلاف المتاحف، تسوّق العلامة التجارية. وعلى الدولة أن تتولى مساعدة المتاحف على تجاوز الصعوبات المالية. وترك المضي قدماً في مشروع"لوفر أبو ظبي"أثراً سلبياً في المتاحف الفرنسية. فالمتحف يحفظ ديمومة التراث. ومقتنيات المتحف هي في منأى عن السياسات الارتجالية والآنية. فقد تبدو، اليوم، بعض الاعمال الفنية مبتذلة ورديئة، ولكنها قد ترقى في ما بعد الى الثروة الوطنية. فعلى سبيل المثال، يهتم خبراء الفن، اليوم، بلوحات رسّامين من القرن الثامن عشر، كانت، الى وقت قريب، متروكة في مستودع المتحف. وعلى رغم أهمية المسائل الأخلاقية، تبدو مسألة تكامل الإرث وتواصله مصيرية. وجليّ أن الملكيات الفنية العامة موروثة من ماضٍ بعيد، وبذل الفرنسيون جهداً في تجميعها. ولا يجوز التفريط بعدد من هذه الملكيات، والتذرع بأن بريق هذه الملكية خبا. فهذه الملكيات هي جزء من الهوية الفرنسية، وهي تنتقل من جيل الى جيل. عن فرانسواز كاشين وكريستوف بوميان، "لو ديبا" الفرنسية، 5-8/2007