صنع في مصر بالكامل.. جامعة القاهرة تعلن حصول أول جهاز تنفس صناعي على الترخيص التجاري    رحلات جوية مباشرة تربط هايكو جنوبي الصين بجدة السعودية    المملكة تستعرض تجربتها في بناء منظومة الذكاء الاصطناعي    د عبد الله الاحمري مساعد وزير الصناعة: قيمة الثروات المعدنية في منطقة نجران ارتفعت إلى 227 مليار ريال    بعثة الهلال تصل أورلاندو تحضيرًا لمواجهة مانشستر ستي في دور ال16 من كأس العالم للأندية    رينارد.. المدرب الأكثر تعرضًا للهزائم في تاريخ المنتخب السعودي    انخفاض البطالة في المملكة انخفاضا بمقدار 0.7٪    المملكة تحقق 6 ميداليات عالمية في أولمبياد البلقان للرياضيات للناشئين    ترحيب خليجي باتفاق السلام بين رواندا والكونغو الديمقراطية    اليابان تطلق قمرًا اصطناعيًا لمراقبة تغير المناخ    "رونالدو": الدوري السعودي من الأقوى بالعالم وستنظم أجمل مونديال    متمسكة بمشروعها التوسعي.. إسرائيل تشترط الاحتفاظ بالجولان للتطبيع مع سوريا    بوتين: مستعدون لجولة مفاوضات جديدة مع كييف    مشيداً بجهود الحكومة وتسارع النمو..صندوق النقد: الاقتصاد السعودي واجه الصدمات العالمية بمرونة عالية وتنوع الاستثمارات    موجز    انطلاقة عام 1447    فنربخشه وجهته المقبلة.. " دوران" يقترب من مغادرة النصر    في دور ال 16 من كأس العالم للأندية.. سان جيرمان يصطدم بميسي.. وبايرن ميونيخ يواجه فلامنغو    تقديراً لجهود المملكة في تعزيز تجربة ضيوف الرحمن.. ملك ماليزيا يمنح وزير الحج وسام "شخصية العام الهجري"    أكدت أهمية التحقق من صلاحية السيارة.. المرور: ضبط"2027″ مركبة لوقوفها في أماكن ذوي الإعاقة    1587 حالة ضبط في المنافذ الجمركية خلال أسبوع    الثلاثاء.. بدء التطبيق الإلزامي لخدمة "تصريح التوصيل المنزلي"    بتخريج 63 متدربًا من برامج الدبلوم العالي بأكاديمية الأمير نايف بن عبدالعزيز    ضغوط أمريكية ومطالب مصرية بخطة واضحة.. تحركات دبلوماسية مكثفة لوقف حرب في غزة    521 طالبا يشاركون في برنامج موهبة بجامعة المؤسس    «درجة الغليان» بين منة شلبي وعمرو سعد    استمرار المسار الإثرائي الذكي لتعزيز التجربة .. السديس: الخطة التشغيلية لموسم العمرة تستغرق 8 أشهر    «سلمان للإغاثة» يوزع (3.220) كرتون تمر في مديرية الوادي بمحافظة مأرب    وزير الدفاع يتلقى اتصالًا هاتفيًا من رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية    «الملك سعود» و«المنتجين».. تعاون فني وثقافي    الاكتتابات في السوق المالية بين تضخم الأسعار وتخمة المعروض    تخريج 63 متدربًا من أكاديمية نايف بن عبدالعزيز لمكافحة المخدرات    «السجون» تحتفل بالاعتماد الأكاديمي العسكري    تدريب منتسبي الجهات الحكومية والخاصة على الإنعاش والإسعافات الأولية    المملكة تحارب السموم.. وطن بلا مخدرات    «الإسلامية» تُنفذ زيارات رقابية في الزلفي ونجران    الترويج للطلاق.. جريمة أمنية    مستشفى الدكتور سليمان الحبيب بالتخصصي ينهي معاناة «ثلاثينية» مع نوبات صرع يومية بجراحة نادرة ودقيقة    تجديد اعتماد «سباهي» لمركزي المربع وشبرا    إطلاق مبادرة «توازن وعطاء» في بيئة العمل    اختتام منافسات الجولة الأولى من بطولة السعودية لصعود الهضبة 2025    في ثالث أيامه.. معرض حرس الحدود التوعوي يواصل فعالياته في عسير    وكالة الشؤون النسائية بالمسجد النبوي تُطلق فرصًا تطوعية لتعزيز تجربة الزائرات    ولي العهد صانع المجد وافي الوعد    "الخط السعودي" يتزين في نادي جدة الأدبي    ولي العهد.. الجانب الآخر    موجة حارّة تلفح أوروبا    "الغروي" مديرًا لإدارة جودة الخدمات بتعليم جازان    تكليف الدكتور مشعل الجريبي مديرًا لمستشفى الملك فهد المركزي بجازان    بلدية فرسان تكرم الاعلامي "الحُمق"    نائب أمير جازان يستقبل رئيس محكمة الاستئناف بالمنطقة    محافظ صبيا يرأس اجتماع المجلس المحلي، ويناقش تحسين الخدمات والمشاريع التنموية    مفوض الإفتاء بمنطقة جازان يشارك في افتتاح المؤتمر العلمي الثاني    لوحات تستلهم جمال الطبيعة الصينية لفنان صيني بمعرض بالرياض واميرات سعوديات يثنين    ترامب يحث الكونغرس على "قتل" إذاعة (صوت أمريكا)    وزير الداخلية يعزي الشريف في وفاة والدته    استشاري: المورينجا لا تعالج الضغط ولا الكوليسترول    أقوى كاميرا تكتشف الكون    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



استعادة مقدمات "تنوير العقل الجديد" لابن عاشور
نشر في الحياة يوم 11 - 08 - 2007

لا يزال تحديث مناهج التفسير وإعادة قراءة القرآن يشكلان اهتماماً استثنائياً لدارسي العلوم الإسلامية ومراكز الاستشراق الحديث. وعلى رغم اختلاف سبب اهتمام الطرفين بهذه القضية، إلا أن اجتماعهما عليها يكسب الأمر أهمية استثنائية من الناحية العلمية والفكرية في ما يتعلق بالقرآن، خصوصاً أن تحديث مناهج التفسير وإعادة قراءة القرآن كانا موضوع أهم السجالات الفكرية في القرن الماضي، والتي شغلت الرأي العام، بدءاً من"تاريخ القرآن"لتيودور نولدكه، مروراً ب"الشعر الجاهلي"لطه حسين، وصولاً إلى محمد أركون ونصر حامد أبو زيد ومحمد شحرور، وربما كان يتوقع ذلك محمد عابد الجابري في كتابه الأخير عن القرآن.
ويشكل تنوير العقل الإسلامي وعصرنته هدفاً مشتركاً بين مختلف المعنيين بإنجاز هذا التحديث لمناهج التفسير والقراءة الخاصة بالقرآن، بغض النظر عن اختلافهم العميق في مفهوم"التنوير"و"العصرنة"أو"التحديث". وربما في هذا السياق أُعيد نشر مقدمات تفسير العلامة محمد الطاهر بن عاشور في شكل مستقل بعناية: محمد الطاهر الميساوي، دار التجديد، 2006 المعروف ب"التحرير والتنوير""ذلك أن ابن عاشور هو سليل المدرسة الإصلاحية في تونس، والتي كانت متأثرة إلى حد كبير بآراء الشيخ عبده، بل إن الشيخ ابن عاشور كان كُلف من جانب شيخه عمر ابن الشيخ بإلقاء كلمة احتفالية بحضور الشيخ محمد عبده بمناسبة استقالبه، وذلك في رحلته الأخيرة إلى تونس قبيل وفاته عام 1905، ولقبه الشيخ محمد عبده وقتها ب"سفير الدعوة والإصلاح في الزيتونة".
والواقع أن تفسير محمد الطاهر بن عاشور لم يحظ باهتمام واسع إلا بدءاً من التسعينات المنصرمة، على رغم ان ابن عاشور كان معروفاً في المشرق العربي منذ وقت مبكر، ويعود ذلك لأسباب عدة، أهمها مشكلة النشر المزمنة في المغرب العربي، وتونس على وجه الخصوص، ولسوء حظ الشيخ ابن عاشور أن الكتاب لم ينتشر في شكل واسع إلا عبر طبعة غير شرعية قامت بها إحدى دور النشر المشرقية.
وباعتبار أن ابن عاشور ينتمي إلى الإصلاحيين، فقد كان شأنه شأن كل الإصلاحيين الإسلاميين السالفين، إذ حمل تفسيره عنواناً إصلاحياً دالاً للغاية:"تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من تفسير الكتاب المجيد"، ويمكن المرء أن يفهم بوضوح من هذا العنوان تصور ابن عاشور لدور تفسيره في مشروعه الإصلاحي، ويبدو أن ثمة علاقة وثيقة في العنوان تربط بين تفسير شيخ الإصلاحية محمد عبده"المنار"، وتفسير سفير الإصلاحية ابن عاشور"التحرير والتنوير"، فكلاهما اشتق اسمه من"النور".
مقدمات التفسير متأثرة إلى حد بعيد بمقدمات الشاطبي، التي حاول فيها تحديد رؤيته لعلم الأصول وتأسيس رؤية جديدة فيه لاستنباط الأحكام الفقهية الفرعية"إذ تبدو هذه المقدمات عشر مقدمات كما لو أنها نوع من المشاكلة لمقدمات كتاب الشاطبي الاثنتي عشرة، فابن عاشور كان يريد فيها"تصفية الحساب وتحقيق القول بنوع من الحسم في عدد من القضايا والإشكاليات التي لم تزل منذ نشأ علم التفسير مثار أخذ ورد وإيراد واعتراض بين العلماء"على حد تعبير الطاهر الميساوي مقدم الكتاب، وليس غريباً بعد ذلك أن يعتمد الشيخ الإصلاحي التحليل المقاصدي في تفسير القرآن وارتباط آياته، ليستكمل علاقته الحميمة بالشاطبي ومقاصده في ما بعد بكتابه الشهير"مقاصد الشريعة"، فقد"هيمن على عمل ابن عاشور في إنشاء التفسير... نوع من الهيام بفكرة المقاصد"، بحسب الميساوي، والذي يلاحظ أن ابن عاشور يذهب بفكرة المقاصد أبعد من التفسير، فهي"تمثل ما يمكن اعتباره منظوراً كلياً وجَّه مجمل إنتاجه العلمي وعمله الفكري".
ابن عاشور الذي أخذ على نفسه عهداً في مقدماته أن يسجل تفسيره"نكتاً لم أر من سبقني إليها، وأن أقف موقف الحكم بين طوائف المفسرين تارة لها وآونة عليها"، لم يتجاوز النكت كثيراً، وغلب على تفسيره التحقيق العلمي الواسع والرصين للتراث التفسيري، وبالتأكيد تضمن تفسير"التحرير والتنوير"وجهات نظر إصلاحية، لكنها تبدو أقل كماً وأقل جرأة مقارنة بتفسير المنار، وذلك على رغم أن العلامة ابن عاشور يتفق مع أطروحات الإصلاحية المصرية عموماً، خصوصاً في ما يتعلق بإصلاح التعليم الديني"إذ كتب ابن عاشور في بداية تأليفه كتاب"أليس الصبح بقريب؟: التعليم العربي الإسلامي دراسة تاريخية وآراء إصلاحية"، بل الطريف والمؤسف أيضاً في الوقت نفسه أن التهم التي ألصقت بمحمد عبده عاشور بسبب هذه الفكرة تحديداً كانت ذاتها التي ألصقت بابن عاشور للسبب نفسه.
في مقدماته لتفسير يعتبر غرضه"إصلاح الأحوال الفردية، والجماعية، العمرانية"، يؤسس ابن عاشور لأصول التفسير الإصلاحي، فهو يخصص إحدى المقدمات للدفاع عن"صحة التفسير بغير المأثور"، وفي مقدمة أخرى من هذه المقدمات العشر"فيما يجب أن يكون غرض المفسر"، ومقدمة أخرى"في أن المعاني التي تتحملها جمل القرآن تعتبر مرادة بها"، والمقدمة الأخيرة في"إعجاز القرآن"، وتشتم هذه المقدمة السالفة على أهم القواعد المنهجية المشتركة التفاسير الإصلاحية في العصر الحديث، إذ تتضمن شرعنة للتفاسير الجديدة عبر التأويل اللغوي، والإسقاط الواقعي بعد ذلك على الظرف التاريخي للمفسر بغرض الإصلاح، وإثبات إعجاز القرآن والبرهنة الدائبة لأنه مصدر الإيمان بالإسلام ومستند قبول المؤمنين بالتغيير في الوقت نفسه.
والملاحظ أن ابن عاشور لم يشر إلى المناهج الجديدة في دراسة القرآن الكريم، ولكن الأمر على ما يبدو يرجع إلى تبكير ابن عاشور في كتابة هذه المقدمات العشر، فقد سبقت تأليف هذه المقدمات كتابة التفسير نفسه، والذي استغرق تسعاً وثلاثين سنة وستة أشهر هجرية، وكان بالأساس دروساً ألقيت على طلبة الزيتونة، ثم نشرت مقالات في مجلة الزيتونة، وهذا يعني أن المقدمات ألفت قرابة عام 1920، فقد انتهى ابن عاشور من تفسيره عام 1960، أي قبل سقوط الخلافة، وقبل ظهور المناهج الحديثة في التفسير مثل: التفسير البياني والتفسير الموضوعي... التي لم تبدأ قبل الأربعينات، أي بعد أكثر من عشرين سنة على تدبيج هذه المقدمات.
على رغم النزعة التراثية الأصيلة في ابن عاشور، فإنه يحاول عبر مقدماته تأسيس أصول تفسير تجمع بين العمق التراثي والروح الإصلاحية الخلاقة، وفي زمن ما زال الخلاف والنقاش في أولهما بعد حول أصول التفسير ومناهج القراءة المعاصرة القرآن، قد يكون في إعادة نشر مقدمات"تنوير العقل الجديد"ما يسهم في هذا النقاش ويساعد على تطويره، ولكن دخول العلوم الإنسانية واللسانيات الحديثة طرفاً في الصراع المنهجي في قضية تحديث التفسير وتطوير القراءة يجعل هذه المقدمات قليلة الفائدة قياساً إلى الوقت الذي كتبت فيه.
* كاتب سوري - كوالالمبور


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.