مساء غد، وبعد أحد عشر يوماً بدت قصيرة جداً، يعلن مهرجان "كان"، بعد اختتام عروضه الرسمية وغير الرسمية، في حفلة يتوقع أن تكون صاخبة، يحضرها النجوم ومليئة بضروب التشوق والتوقع، اسماء الأفلام والفائزين بجوائزه، في فئات متنوعة أهمها، طبعاً، المسابقة الرسمية. غريب أمر هذه الدورة الستين من"كان"... إذ كانت جرت العادة ان تشتد حمى التوقعات، خلال الأيام الأخيرة وتبدأ المراهنات والسجالات. لكن هذا لم يحدث هذه السنة، خصوصاً ان ليس ثمة بعد، وقبل يوم واحد من كتابة هذه السطور، أي فيلم صاخب يمكن القول انه شكل مفاجأة حقيقية، اذا استثنينا فيلماً لتارانتينو، وآخر للأخوين كون، أو فيلماً مجرياً وآخر من رومانيا. ويمكن أن يكون فيلم أمير كوستوريتسا الجديد، الذي لم يشاهد بعد، إذ يعرض صباح اليوم السبت، فلتة الشوط. المهم، التوقعات ليست حامية والحال ان ثمة ثلاث فئات من المهتمين يبدو واضحاً ان لكل منها تفضيلاتها: الجمهور العادي الذي يعبر، عادة، بالتصفيق أو بالصفير، والنقاد والصحافيون الذين يعبرون بالكتابة وبالعلامات التي يعطونها الى كل فيلم، ولجنة التحكيم التي يقودها ستيفن فريرز. هذه المرة، ليس ثمة، كما هو واضح، اجماع كبير بين الفئات الثلاث. ومع هذا تمكن المجازفة بالحديث عن أفلام محددة:"لا وطن للرجل العجوز"و"4 أشهر، 3 أسابيع ويومان"و"رجل لندن"و"عصية على الموت"من دون نسيان ان الأخير قسم النقاد والصحافيين بين من رآه سيئاً جداً، ومن أعطاه قيمة مثلى. وأن"رجل لندن"رآه بعض أكثر الأفلام إثارة للسأم في تاريخ السينما، فيما اعتبره آخرون تحفة سينمائية نادرة. أما"لا وطن للرجل العجوز"و"4 أشهر..."فربما يصح اعتبارهما، إيجابياً، من خارج هذه الانقسامات. لكن هذا كله لا يبدو قادراً على حسم التوقعات. فنحن اذا كنا نملك فكرة ما عن آراء الجمهور والنقاد، تظل الكلمة الفصل للجنة التحكيم. ولجان التحكيم تفاجئ عادة، وعادة ما يكون ثمة إجماع غضب ضدها بعد اعلان النتائج. فما الذي يخبئه لنا ستيفن فريرز ورفاقه؟ مفاجأة سيئة كأن يعطوا السعفة أو غيرها لفيلم خرج الناس في منتصف عرضه "رجل لندن"؟ أو لفيلم تدعو الى تتويجه أسباب سياسية خالصة، للاخوين كون، فيحصلان على السعفة الذهبية مرة ثانية في تاريخ كان، ام لكوستوريتسا، فيكون حصل عليها للمرة الثالثة. ام ل"ألكسندرا"الكسندرسوكوروف بفضل نظرته الانسانية الرافضة لحرب الشيشان ولكل حرب على الاطلاق. أو أخيراً - وهذا اسوأ ما قد يحدث - للفرنسية كاترين بريا، ومكافأة لها على تعقلها وعدم تقديمها هذه المرة في"العشيقة القديمة"فيلماً إباحياً؟ اسئلة حائرة بالطبع. ولكن في مكان آخر، لا بد أن نتوقع، وهذا على أي حال أقرب الى الأمنية، أن تعطى جائزة"العمل الأول"- وهي الوحيدة المالية - للفيلم اللبناني"سكر بنات"لنادين لبكي. أما الأسوأ هنا فهو أن تعطى مناصفة للبكي مع الفيلم الاسرائيلي - المنتقد وليس المنقذ للايديولوجية الصهيونية كما جاء، كخطأ مطبعي في"الحياة"أمس! -"زيارة الفرقة الموسيقية". لو حدث سيكون ثمة إشكال ديبلوماسي، إذ أن السلطات اللبنانية الرقابية ستكون طبعاً في المرصاد غير قابلة أن يظهر مواطن لبناني الى جانب اسرائيلي، حتى ولو كان هذا الأخير معادياً لايديولوجية بلده، ومناصراً لحق الانسان في الحياة مهما كان لونه ودينه وجنسه، ولحق البشر في أن يتفاهموا في ما بينهم.