البنت لابن العم أو ابن الخال ... طبيعة العلاقات الاجتماعية العربية لا تزال تخضع لضوابط كثيرة، نتيجة التقاليد المحافظة لبعض العائلات، على رغم أن العلاقات أصبحت أقل حدة وتشدداً في ممارستها. وفي تونس، التي تعتبر بلداً منفتحاً، يبقى زواج القربى منتشراً بكثرة، ويصل إلى 36 في المئة من مجمل الزيجات، منها 20 في المئة من أقرباء من الدرجة الأولى أي لزم. و90 في المئة من الزيجات تتم وسط بيئات محلية ضيّقة كالقرى والتجمعات المدينية المغلقة، بحسب إحصاءات"الديوان الوطني للأسرة والعمران البشري". إلاّ أن كثيرين يجهلون ما قد يؤول إليه هذا النمط من الزواج اللصيق، من أمراض وراثية قد تصيب الأبناء. وتصل نسبة الإعاقات في تونس، نتيجة زواج القربى، إلى 1.5 في المئة من مجموع السكان، أي نحو 150 ألف شخص. ومن الأمراض التي تصيب الأبناء: قصور السمع 50 المئة من الحالات بسبب عوامل وراثية، والأمراض الاستقلابية أو أمراض التمثيل الغذائي 1 من4000 من الولادات، والخلل العضلي الوراثي بين 17 و38 شخصاً لكل 100 ألف. وظهر أن نسبة حاملي الخط المرضي تبلغ 4.5 في المئة، 2.2 في المئة منهم أي نحو النصف مصابين بالتالاسيميا، و1.9 في المئة بفقر الدم المنجلي، والباقون يصابون بأمراض نادرة. وتعتبر ولايات الشمال الغربي باجة وطبرقة ونفذة من أكثر الولايات عرضة للإصابة بهذه الأمراض. وتحصل تشوهات خلقية بمعّدل حالة من بين كل 60 ولادة وبدرجات متفاوتة، منها 70 في المئة تشوهات من الولادة، و30 في المئة اختلالات في الكروموزومات لا تصبح تشوهات، ولكنها تبقى قابلة للتجلي في نسل من يحملها. ومن أبرز أسباب الأمراض الوراثية على الإطلاق عمر الأم، إذ تزداد مع تقدّمها بالعمر، وخصوصاً بعد ال 38 سنة. ويشترط في فترة الحمل لكل أم يزيد عمرها عن ذلك، تحديد الخلفية الجينية للجنين. الفحوص الطبية قبل الزواج، التي تهدف إلى تفادي الأمراض الوراثية، أصبحت إلزامية لجميع المتقدمين للزواج منذ 1995 في القانون التونسي للأحوال المدنية. وهي: الفحوص المتعلقة بالدم، اختبار الكشف عن أمراض الزهري، فصيلة الدم، صورة أشعة صدرية، حيث جاء في النص:"يكون تسليم الشهادة الطبية المنصوص عليها إجبارياً". ويمكن إجراء تلك الفحوص في المستشفيات العامة، والمستشفيات والمختبرات الخاصة شرط أن تكون هذه الأخيرة مقبولة من الدوائر الرسمية للصحة العامة، مع ضرورة أن يكون الطبيب مسجّلاً في نقابة الصحة، وإلا فالورقة لاغية. ثم تقدّم الشهادات إلى جهات متخصصة. إلاّ أن العقوبة التي تُفرض في حال الإخلال بأحد شروط الشهادة الصحية أو بنودها، تصل إلى 100 دينار تونسي، أي ما يعادل 80 دولاراً. وبعض الفحوص غير إجبارية على المتقدمين للزواج، مثل فحص الحمض الوراثي النووي د ن أ. فلا إلزام في هذا النوع من الفحوص، لكنها تجرى بناء على طلب الطرفين، إذا رغبا في التعمّق بمعرفة حالتهما الصحية، وإمكانية ظهور مرض وراثي في حال الحمل. ولا توجد طرق للوقاية من هذه الأمراض في تونس. الحل الوحيد هو القيام بعملية إجهاض، وبموافقة الطبيب. في حال كان القلب ضعيفاً أو أن الجنين مصاباً بإعاقة تامة. وبالطبع، يجب أن توافق الأم أيضاً، فمن الممكن أن تشكل العملية خطورة على حياتها. عدد الإعاقات في البلدان النامية تزيد عنها في البلدان المتقدمة، بين 135 و150 مليون، في مقابل 25 مليون طفل، بحسب تقديرات منظمة الصحة العالمية.