الأهلي يكشف شعاره الجديد ويدشّن تطبيقه ومنتجاته    911 يستقبل 2.8 مليون اتصال في يونيو    القبول في الكليات العسكرية للجامعيين.. الأحد المقبل    الإطاحة بمشعل النار في محمية طويق الطبيعية    إحالة محاسبين غير مرخصين إلى النيابة العامة    عقب تصريحات وزير العدل الإسرائيلي بأهمية ضم «الضفة».. تحذيرات أممية من مشروع «استيطاني استعماري»    شدد على أهمية الانخراط في تسوية سياسية عادلة.. المبعوث الأممي يدعو اليمنيين لإنهاء الحرب    وسط توترات إقليمية متصاعدة.. إيران تعلق التعاون مع وكالة الطاقة الذرية    ترأسا الاجتماع الأول لمجلس التنسيق الأعلى المشترك.. ولي العهد ورئيس إندونيسيا يبحثان تعزيز التعاون    في أولى مواجهات دور ال 8 لكأس العالم للأندية.. الهلال يواجه فلومينينسي بآمال التأهل نصف النهائي    صراع قوي في ربع نهائي مونديال الأندية.. نهائي مبكر بين بايرن وباريس.. وريال مدريد يواجه دورتموند    غندورة يحتفل بقران «حسام» و«حنين»    جامعة الملك سعود تحذر من خدمات القبول المزيفة    أمطار على جنوب وغرب المملكة الأسبوع المقبل    أنغام: لست مسؤولة عما يحدث للفنانة شيرين عبد الوهاب    "الغذاء والدواء": جميع المنتجات تخضع للرقابة    محافظة شقراء والأمن الغذائي    وزارة الرياضة تعلن انتقال أعمال لجنة الاستدامة المالية إلى رابطة الدوري السعودي للمحترفين    تكريم عائلة المشجع المكمل ل«المليونين» في المونديال    منتخب الصالات يقيم معسكراً في البوسنة    أخضر السيدات يخسر أمام هونغ كونغ في التصفيات الآسيوية    واشنطن تعلق إرسال شحنات أسلحة لأوكرانيا    لبنان يؤكّد الالتزام بالقرار 1701    مجلس الشيوخ يقرّ مشروع قانون ترمب للموازنة    نائب أمير الرياض يرعى الحفل السنوي لجمعية تيسير لمساعدة ذوي الإعاقة على الزواج    المخدرات الموت البطيء    الوهيبي ل«الرياض»: أتمنى استضافة المملكة للمخيم الكشفي العالمي    رؤيتنا الوطنيّة 2030 تبني مناهجنا    اللقاءات الثقافية في المملكة.. جسور وعيٍ مستدام    «الكتابات العربية القديمة».. أحدث إصدارات مركز الملك فيصل    باب البنط بجدة التاريخية.. ذاكرة الأصالة والتراث    الإنجاز والمشككون فيه    الجامعات السعودية تنظم ملتقى خريجيها من البلقان    المؤسسات العلمية في عالم المتغيرات    «تسكيائي» اليابانية.. وحوار الأجيال    الشكوى هدية    عبدالعزيز بن سعد يطلع على خطط «شرطة حائل» ومشروعات التطوير    محمد بن عبدالرحمن يفتتح ورشة الوضع الراهن في إمارة الرياض    اتحاد القدم السعودي يوافق على تقديم فترة تسجيل اللاعبين    ملتقى "مشروع مجتمع الذوق" يجمع قادة المؤسسات في المنطقة الشرقية    مجمع إرادة والصحة النفسية بالدمام ينظم فعاليات اليوم العالمي لمكافحة المخدرات    الأمير جلوي بن عبدالعزيز يرعى حفل انطلاق فعاليات صيف نجران    الشؤون الإسلامية في جازان تنفذ عدة مناشط دعوية في الجوامع والمساجد    أمير منطقة جازان يشهد توقيع اتفاقيات انضمام مدينة جيزان وثلاث محافظات لبرنامج المدن الصحية    الأمير محمد بن عبدالعزيز يتسلّم تقرير غرفة جازان السنوي 2024    الأمير ناصر بن محمد يستقبل رئيس غرفة جازان    مركز الأمير سلطان للقلب بالقصيم ضمن الأفضل عالميًا    العراق يؤكد استعادة أكثر من 40 ألف قطعة أثرية مهرب    ترامب يهدد بترحيل ماسك إلى جنوب إفريقيا    بلدية المذنب تطلق مهرجان صيف المذنب 1447ه بفعاليات متنوعة في منتزه خرطم    أمير تبوك يدشن مبادرة جادة 30 ويرعى توقيع اتفاقيات تعاون بين عدد من الجهات والهيئات    أمير تبوك يطلع على تقرير فرع وزارة النقل والخدمات اللوجستية بالمنطقة    صدقيني.. أنا وزوجتي منفصلان    تأهيل الطلاب السعوديين لأولمبياد المواصفات    انطلاق النسخة الثامنة لتأهيل الشباب للتواصل الحضاري.. تعزيز تطلعات السعودية لبناء جسور مع العالم والشعوب    المفتي يتسلم تقرير العلاقات العامة بالإفتاء    سعود بن بندر يلتقي العقيد المطيري    العثمان.. الرحيل المر..!!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أضواء على فيلم "سوداء اليمامة"

بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فقد اطلعت على فيلم كانت قد أعدته وبثته قناة BBC البريطانية الثانية منذ فترةٍ طويلة، ثم دبلجته وترجمته وأعدت تعليقاته والدعاية له والتبشير به قناة"الجزيرة"القطرية وبثته بتاريخ 11 /3/ 2007 21 /2/ 1428ه وعنوانه"سوداء اليمامة"ويتناول صفقة أسلحة للحكومة السعودية مع الحكومة البريطانية وبعض شركات السلاح فيها.
والذي هدف إليه الفيلم ضمن رسالته السياسية: الإساءة والتشويه للحكومة السعودية ولعدد من أفراد الأسرة المالكة بإظهار أن عدداً منهم تلقى رشاوى تمثل عمولات محددة من الصفقة المشار إليها.
وحيث إنني مواطن سعودي أستشعر مكانة دولتي وقيادتها ويهمني كل شأنٍ لوطني ولحكومتي، إضافةً لما أحمله من التقدير نحو عموم أفراد الأسرة المالكة السعودية، لما لهم من سجل جليل في خدمة الإسلام والمسلمين في القديم والحديث، فلي انطباع وموقفٌ مفصَّل حول هذا الفيلم ومراميه، آمل أن يحيط به مواطنو هذه المملكة الأبية وأن يحيط به من أعدَّ هذا الفيلم أو أعاد دبلجته من موجهي برامج قناة"الجزيرة"أو غيرهم من الناس.
وهذا الفيلم سوداء اليمامة يعبِّر عن اتجاه الدولة الحاضنة للقناة في تعاملها مع قضايا المملكة العربية السعودية، حكومتها وشعبها، ضمن قائمة تتجاوز أفق جيراننا في قطر.
ولدى تقييم الفيلم وقيام إدارة قناة"الجزيرة"بدبلجته وتوقيتها لعرضه وما يحمله من رسائل ضمنية، فإن المتابع لا يملك إلا أن يستقبح هذا الصنيع وأن يدرك تهافته، لاعتبارات عدة: من جهة السياسة الشرعية والأعراف الديبلوماسية والأخلاقيات المهنية الإعلامية. وسوف أجمل عرض المآخذ في الاعتبارين الأولين السياسة الشرعية والعرف الديبلوماسي ثم أفصل في الاعتبار الثالث وهو الجانب الإعلامي.
أما باعتبار السياسة الشرعية: فمن ذلك ما أذكِّر به مواطني هذه البلاد الكرام في السعودية وإخواننا في قطر وغيرهم من الشعوب الإسلامية بما قرره أهل السنة والجماعة بما لقيادة المسلمين ولولاة الأمر منهم من المكانة والرعاية ما ينبغي أن يلاحظ فيهما المنهج الشرعي، ومن ذلك أن لا يُقبل فيهم ما يشوش على سلطتهم وسياستهم وتدبيرهم الأمور، ولا يكون لوم الولاة علانيةً ولا بالإقذاع، ولا أن يكون مبنياً على تقارير يعدها أعداؤنا في دولهم وفي غيرها ثم تبثها قنواتٌ أظهرت كيدها بطرق غير خافية: روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ثلاثةٌ لا يكلِّمُهم اللهُ يومَ القيامة ولا يزكِّيهم ولهم عذابٌ أليم: رَجُلٌ على فَضْلِ ماءٍ بالطريق يمنع منه ابنَ السَّبيل، ورَجُلٌ بايعَ إماماً لا يبايعُه إلا لدنياه، إنْ أعطاهُ ما يريد وفَّى له، وإلا لم يَفِ له... الحديث... فالعلاقة مع الحاكم منضبطة بقواعد منها ما تقدم.
ثم إن الحكومة القطرية التي تدير وتشرف على قناة"الجزيرة"دأبت على أسلوب الترصد والتشهير والتهجم على المملكة العربية السعودية، وقد تمثل بعضُ ذلك في تسقُّطها لكل ما يسيء للمملكة في أمنها أو اقتصادها أو سياستها أو غير هذا، من خلال اختلاق الأخبار التي لا أساس لها، أو بثِّ الأراجيف والإشاعات، أو تضخيم الوقائع والأحداث، أو تحريف الكلام، أو الافتراء على المسؤولين، أو من خلال استقطاب المعارضين والمنبوذين الخارجين عن الشعب السعودي ممن يتبنون الأفكار المنحرفة، أو بغير ذلك من الأساليب التي تخرق مبادئ الأخوة والترابط الديني والجغرافي وأسس الجوار، ولا يخفى أن الواجب على جميع الحكومات الإسلامية أن ترسخ تقاربها وتحافظ على توحدها. وهذا ما نلحظه في منهج ولاتنا الكرام في المملكة من الصفح والحلم والرفق مع مثل هذه التداعيات، حرصاً على تهدئة الأمور وعدم تشعيب الخلاف في الأمة.
أما باعتبار الأعراف الديبلوماسية: فإن ما حواه فيلم"سوداء اليمامة" من اتهامات رددتها قناة"الجزيرة"وكانت مسيئة غاية الإساءة للحكومة السعودية لم يكن مرتكزها إلا تقارير صحافية خاضعة لاتجاهات الأحزاب البريطانية، وهذا من إدارة قناة"الجزيرة"والدولة الحاضنة لها في تخطِّي الأعراف الديبلوماسية المعتادة، من جهة المزايدة بالإقذاع وترديد الاتهام، بلا بينات، ولا مصلحة لها في ذلك.
ومن الأعراف الديبلوماسية التي لم تراعها إدارة قناة"الجزيرة"ما يتعلق بالتعامل بين الأسر المالكة أو الحاكمة، فالمتبع في ذلك تباعدهم عن المساس بأشخاصهم بأي تجريح أو ازدراء.
وأما الجانب الإعلامي فمؤدَّاه أن فيلم"سوداء اليمامة"لا يرتقي لأضعف درجة في أن يتم اعتماده لإقامة تهمة بهذا القدر في حجمها وأشخاصها، وبيان ذلك فيما يأتي:
أولاً: يدرك كل متابع أن قناة"الجزيرة"حققت أنواعاً من السبق الإعلامي بالنظر للمهارة العالية التي يتم بها إعداد وإنتاج البرامج والأفلام وكذلك المتابعة الحثيثة للوقائع والأحداث. وهذا حقق لها قبولاً ومتابعة كبيرة في مناطق شتى من العالم، بغض النظر عن موثوقية أو صدق طرحها. ومع ذلك فينبغي للمتابع الحصيف أن يحذر من الاختراق الإعلامي لقناعاته وثوابته، سواء من هذه القناة أو غيرها.
ومن المهم أن يحيط القارئ بالتكوين الإداري لقناة"الجزيرة"، فبحسب تقريرٍ لمجلة"فوربس"المتخصصة، فإن قناة"الجزيرة"القطرية ذات تمويل حكومي، وتدار بأسلوب القطاع الخاص، وهي بهذا مملوكة للحكومة القطرية، وتشرف عليها وزارة الخارجية، ويديرها مجلس برئاسة الشيخ حمد بن ثامر آل ثاني.
وتقول المجلة: إن قناة"الجزيرة"القطرية تأسست في 1996 بموازنة مقطوعة من الحكومة القطرية تبلغ 150 مليون دولار لمدة 5 سنوات، ولكنها لم تقدر على تأمين تمويلها الذاتي. وتبلغ موازنتها التشغيلية رسمياً حوالي 30 مليون دولار سنوياً، ولكن من المؤكد أن موازنة تشغيل قناة"الجزيرة"القطرية السنوية 100 مليون دولار، جزءٌ كبيرٌ منها يذهب لمكاتبها في لندن وتركيا وواشنطن وغيرها... انتهى ما ذكرته المجلة ملخصاً.
ثانياً: لدى متابعتي لفيلم"سوداء اليمامة"وجدت أن إدارة قناة"الجزيرة"خرجت عن مهنيتها التي يتطلبها العمل الإعلامي الحرّ والنَّزيه، حيث أن المتابع المنصف لهذا الفيلم يخرج بانطباع يدرك أن المغزى منه هو الحمل على أفراد محددين من المسؤولين من الأسرة المالكة والسعي للنيل منهم وتشويه سمعتهم، وهذا خارجٌ عن الموضوعية، فرسالة الإعلام الحر والذي يعرض الرأي والرأي الآخر تحتم عليه البعد عن تجريح الأشخاص، خصوصاً أن القناة ليست مستقلةً تماماً بل هي في كنف الحكومة القطرية، ولها انتقائية معهودة في طرح الموضوعات كعدد من القضايا المتصلة بالشأن القطري، ولست بحاجة لسردها.
ثم انَّ مسمى الفيلم لا ينبئ عن التجرد المهني، بل فيه ما يؤكد البعد عن الموضوعية في الطرح، فقد كان بإمكان القناة أن تقول مثلاً:"أضواء على صفقة اليمامة"أو"أسرار صفقة اليمامة"أو نحو ذلك، أما الوصف بالأبيض أو الأسود أو العنابي فهذا مرده للمتابع. وبهذا فهي كبوة معيبة من كبوات قناة"الجزيرة"في ترديدها الاتهامات بلا بينة، ومن براهين ذلك ما أذكره في البنود التالية أيضاً.
ثالثاً: ان مدة الفيلم لا تجعله مصنفاً في قائمة الأفلام الوثائقية، من جهة قلة الأفراد والوثائق والمستندات التي بُنيت عليها معلوماته، وكذلك من جهة مدته، فإن موضوعاً كهذا - وبحسب التخصص الإعلامي - لا يصلح أن يقل عن تسعين دقيقة، لكن مدة الفيلم القصيرة نسبياً وكذلك محدودية عدد المتحدثين والوثائق المطلوبة توضح شُحَّ المعلومات وابتسارها، ومحاولة إلزام ما لا يلزم بإيراد وقائع لا ترتقي لأن تكون دليلاً ولا برهاناً ولا قرينة مرضياً عنها، وغاية ما هنالك أنها لقاءات ومقابلات ومفاوضات سارت وفق الأطر المعتادة في التعاملات التجارية، وبالأخص أن عدداً من المشاهد كان متكلفاً كتصوير المباني والشوارع لأجل أن يزيد وقت الفيلم ويصاحبه الوهج الإعلامي.
رابعاً: حرص معدو سيناريو الفيلم على إضفاء الطابع الرسمي والحكومي عليه بتصوير عدد من الوثائق والمستندات واستغلال بعض مضامينها مجردة عن مجملها، ومثله إظهار جانب من تحقيقات الحكومة البريطانية والتي لا غرابة فيها في واقع الأمر، فمن يعرف منهجية الحكومة البريطانية لا يلحظ أي غرابة في سير التحقيقات، فالتحقيق هناك متاح على كل شيء متى تبناه أحد ينتمي للسلطات التشريعية، وبخاصة إذا كان مدفوعاً بشيء من المؤثرات أو اللوبي المتغلغل لديهم، وهذه التحقيقات قد تكون في صفقات الجبن أو السلاح أو جنون البقر أو غيرها.
خامساً: خُتم الفيلم بأن من أعدُّوه وجَّهوا دعوات لبعض الجهات كالسفارة السعودية في لندن ومكاتب لندنية متخصصة للمشاركة في الفيلم وأنهم لم يجيبوهم، وهذه المعلومات من جملة سيناريو استدرار قابلية المشاهد للبرنامج والتأثير الإيحائي النفسي عليه، ولكن عند التقويم لهذه المعلومة فإنها لا تكفي لإثبات مصداقية معلومات الفيلم، كما لو أنَّ شخصاً استُدعي للشهادة ضد شخص آخر فامتنع، فامتناعه هذا لا يثبت حقيقة ما دُعي للشهادة به، بل قد تكون القضية التي دُعي إليها باطلة ومفتعلة فلم يشأ أن يشارك في الكذب. ولذلك فإن امتناع الجهات المذكورة آخر الفيلم وخاصة البريطانية منها ليعطي قرينة قوية على أن معلوماته مشكوك فيها ويراد بها تحقيق أغراض شخصية بعيداً عن النَّزاهة وإظهار الحقائق.
سادساً: ان سبر تخصصات وانتماءات الشخصيات المتحدثة يوضح أنها لا تحظى لا بالاستقلالية ولا بالتخصص في مجال تناول الفيلم، فمع قلتهم فقد وضح تحاملهم الشديد، وكأنما كانوا يسيرون جميعاً وفق أجندة أو سيناريو محدد ومرسوم على غرار ما يكون في الأفلام التجسيدية، ولا يخفى أن دولة مثل بريطانيا لن تخلو من عشرات الصحافيين الذين يمكن أن يقدموا خدمات مقبوضة الثمن في مقابل الحديث المبرمج عن تلك الصفقة.
سابعاً: لا أستبعد أن بعض التعاملات بين طرفي الصفقة قد شهدت ثغرات مكَّنت المتربصين أن يستغلوها، خصوصاً الطرف السعودي الذي ينطلق في تعاملاته بتلقائية، يحمل عليها ما اعتاده السعوديون من الكرم وحسن الضيافة، فقد يقبلون استضافتهم واجتماعهم مع الطرف الآخر باعتباره عملاً تلقائياً يقدمه كل مضيف لضيفه، وقد لا يدركون أن فواتير هذه اللقاءات قد تجيَّر للتسويد أو التبييض. وكم أتمنى لو أتاحت"الجزيرة"مناقشة الموضوع مع خبراء سعوديين، مع انني أستبعد الترحيب بذلك من قبل المسؤولين في السعودية، فالمعهود منهم هو تجاوز الشتائم والصبر على أذية الإخوة والجيران والترفع عن المطارحات الإعلامية المراهقة.
ثامناً: ان التوقيت الذي اختارته إدارة قناة"الجزيرة"لاجترار الفيلم وإعادة بثه والذي يتزامن مع قرب انعقاد مؤتمر القمة العربية في الرياض، وما سبقه من الإنجاز التاريخي للحكومة السعودية المتمثل في اتفاق مكة المكرمة الذي أنهى اقتتال الفلسطينيين، وقدَّرته لحكومتنا الشعوبُ الإسلامية والعربية وجعلها تتطلع لأن تتبنى حكومة السعودية مشاريع الإصلاح بين الفرقاء في دول أخرى كلبنان والصومال، كل ذلك يعطي القرائن الكبيرة على أن توقيت الفيلم لم يكن بعيداً عن دبلجته والسيناريو الذي رسم له من قبل القائمين على قناة"الجزيرة"القطرية، والذي جعله يوضح شيئاً من أجندة إدارة قناة"الجزيرة"نحو المملكة وحكومتها وشعبها. خصوصاً أن هذا الموضوع قد عادت إدارة قناة"الجزيرة"لاجتراره بعد أن مضى على تناول بعض وسائل الإعلام البريطانية له سنوات عدَّة.
تاسعاً: مما يؤكد ما تقدَّم ويبين اندفاع عرَّابي قناة"الجزيرة"لتحقيق أعلى قدر من الإساءة نحو جارتهم الكبرى ونحو بعض المسؤولين السعوديين أنهم اتبعوا هذا الفيلم - الذي أرادوا له إظهار صفقة اليمامة في قالب الفساد بلا بينات - بحلقة الصحافي محمد حسنين هيكل في سرده التاريخي لنهار الخميس 15/3/2007 الموافق 25/2/1428ه، ليكون عن صفقات سلاح ومنها صفقة اليمامة وكان مقطع حديثه الذي تم اختياره عنها ووصفها بأنه أكبر صفقة سلاح، وبدأ يفرِّع على ذلك أموراً من واقع اتجاهاته المعروفة، والمنصف يدرك أن هيكل لا يرتقي لأن يقدم رأياً أميناً حول السعودية وحكومتها لاعتبارات ليس هذا محل سردها.
مع أن ضخامة تلك الصفقة بالمنطق الواقعي ليست دليلاً على فساد ولا رشاوى بقدر ما تبيّن وفرة الخزانة السعودية والرغبة الجامحة في تطوير القوات المسلحة، علاوة على ما قد يكون خافياً من جهة التعاملات المالية الدولية والتي تلجأ إليها بعض الدول في أحوال معينة كأساليب المقاصة المالية وما يحوج إليها في ظل الأنظمة المالية لدى بعض دول أوروبا التي تمنع الدفعات العالية من الأموال لدى خروجها من تلك البلدان، والكل يعلم بضخامة الأرصدة والاستثمارات المالية للسعودية ولدول الخليج والتي يتعسر في بعض الأحوال استرداد أرباحها، فيكون الشراء بها في تلك الدول أحد المخارج لاستخلاصها، ولا ريب أن الاستفادة منها في صفقات تجارية للسلاح أو غيره خيرٌ من تجميدها لديهم، حتى ولو أدى ذلك للتنازل عن شيء منها في سبيل استخلاص معظمها.
فهذه بعض الاحتمالات التي يمكن الردُّ بها على ما يقع من تشكيك أو تلبيس، وليس شرطاً أن يقوم أهل الحل والعقد بإطلاع قناة"الجزيرة"ولا BBC ولا الصحف البريطانية وصحافييها على أسرار هي من شأننا، وقد تؤثر على مصالح عليا لوطننا، في سبيل ألا تطرح هذه التهم التي يستفيد منها من يسوؤهم عزُّ هذه البلاد وسؤددها.
ومما عابه الصحافيون في فيلم"سوداء اليمامة"وكذلك هيكل أن السلاح لم يستخدم في القتال، وهذه في واقع الأمر محمدة وليست بعيب، فإنَّ أيَّ دولة مطلوبٌ منها الاستعداد بما تستطيع، والله يقول:"وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ"[الأنفال:60] فبذلك يبقى الردع والمهابة، لكن هذه القوة ينبغي ألا تستعمل إلا بالحق، وهذا منهج بلادنا، وأذكر أن الملك فهد رحمه الله قال إبان احتلال الكويت كلاماً معناه: إنني على استعداد لأنفق أضخم المبالغ في سبيل ألا يدخل مواطنٌ واحدٌ حرباً يمكن أن نتقي آثارها بغير خوضها حتى لا أعرض سلامة الوطن للخطر والاستِنْزاف.
كما أنَّ هذا العتاد العسكري كان في مناسبات عدة ممكِّناً للسعودية لأن تقوم بمشاريع الإغاثة الإنسانية الضخمة والعاجلة في إفريقيا وآسيا وغيرهما، عبر جسور جوية أقامتها طائرات النقل العسكرية السعودية وغيرها من قطع الدعم اللوجستي في حروب نظيفة شريفة لمدافعة البؤس والفاقة والحرمان عن ملايين البشر. حتى أمست المملكة العربية السعودية أول دولة في العالم في مجال المساعدات غير المستردَّة الخارجية مقارنة بالناتج القومي بمبلغ 254 بليون ريال دعماً لنحو 70 دولة خلال 20 عاماً فقط.
عاشراً: ان هذا الفيلم ووفق ما تقدم إيضاحه لا يرتقي لأن يكون ولو قرينة ضعيفة فيما أنتج لأجله، كيف والموضوع له أبعاد أخرى غير منظورة، وهذا الفيلم أيضاً يوضح بكل تأكيد أن القوة الإعلامية والتميز في تسييرها باتت أمراً متحتماً على من أراد خدمة قضاياه وحماية مصالحه، فهذا عصر حروب الإعلام المفتوح، فالكلمة أصبحت مكان الرصاصة، والمظفَّر هو من يملك ناصية الحقيقة بالدليل والبرهان مع خدمتها إعلامياً، ولذا فإنني أدعو الحكومات والقادة العرب والمسلمين لأن يدركوا حساسية المرحلة، وأن يبتعدوا عن الأطروحات المراهقة أياً كان لونها، وأن ترتقي وسائل الإعلام العربية إلى مستوى المسؤولية، فإن المتتبع لمعظم هذه الوسائل يجدها إما منفذة لمخططات استعمارية، أو سائرة في ركب تغريب الأمة وإفساد أخلاقها، أو قنوات تعيش في الظل والهامشية بعيداً عن اهتمامات الأمة.
أخيراً... لقد ذكر الفيلم الذي بثته بعد أن دبلجته إدارة قناة"الجزيرة"أسماء لشخصيات محددة، منهم الأمير سلطان بن عبدالعزيز، ولا أملك أن أقول حول الزج باسمه إلا كما قال الشاعر:
مَا يَضُرُّ البحرَ أمسَى زاخراً... أَن رَمَى فِيهِ صَبِيٌّ بِحَجَرْ
وفَّق الله الجميع لما فيه الخير، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
* باحث ومستشار شرعي متخصص في السياسة الشرعية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.