خرج طرفا اتفاق مكةالمكرمة رابحين لكن عقبات عديدة ما تزال ماثلة في الطريق. حركة "حماس" ربحت اعترافا من المملكة العربية السعودية، الدولة المهمة في المعادلة الاقليمية، وربحت ايضا قبول الرئيس محمود عباس وحركة "فتح" للتعبير السياسي الذي أصرت على استخدامه لتوصيف موقفها من الاتفاقات الموقعة مع اسرائيل طيلة حوالي عام من الحوارات، وهو تعبير"احترام"تلك الاتفاقات وليس"الالتزام"بها. وربحت"حماس"ايضاً مشاركة وطنية واسعة في مواجهة الحصار المفروض على حكومتها والذي يشكَّل خطرا جديا على استمرارها في الحكم. حركة"فتح"ربحت هي الاخرى. ربحت العودة للمشاركة في الحكم بقوة المنقذ. وفي حال نجاح الحكومة المقبلة في فك الحصار، فإن الكثيرين سينظرون الى حركة"فتح"باعتبارها صاحبة الفضل والتأثير الأكبر في رفعه نظرا للقبول الذي تحظى به على الصعيد الدولي شخصيات الحركة وتلك المتحالفة معها مثل وزيري المالية والخارجية القادمين. ورغم تردد الولاياتالمتحدة واسرائيل في الاعتراف باتفاق مكة، الا ان كثيرين يتوقعون ان تضطر الدولتان اللتان تقفان خلف هذا الحصار الى القبول بنتائجه الواقعية، والانفتاح تدريجا على حكومة الوحدة التي تمثل الشعب الفلسطيني وليس فقط حركة"حماس". وقال مسؤول رفيع في حركة"فتح":"لدي شكوك في إقدام الولاياتالمتحدة على مقاطعة وزيري المالية سلام فياض والخارجية زياد ابو عمرو". يذكر ان فياض وابو عمرو يحملان الجنسية الاميركية ولديهما علاقات تاريخية مع دوائر صنع القرار في الغرب. وينظر كثيرون الى فياض باعتباره منقذا من الحصار نظرا لخبرته الطويلة في التعامل مع الدول المانحة والمؤسسات المالية الدولية والمحلية، ما مكنه من توفير رواتب موظفي السلطة لسنوات طويلة رغم التضخم الوظيفي والشكاوى المتكررة للمانحين من هذا التضخم. وتقول مصادر مقربة من فياض انه قبل ما يسميه"المهمة الوطنية"وهي تولي حقيبة المال في حكومة يقودها رئيس وزراء من حركة"حماس"الا انه اشترط اعطاءه صلاحيات كاملة في ادارة هذه الوزارة. وقالت هذه المصادر ان فياض الذي يتولى ادارة لجنة الموازنة في المجلس الشريعي يعارض بشده طريقة ادارة الحكومة الحالية للملف المالي، وانه سيصر على صلاحيات كاملة في ادارته. وكانت"حماس"عارضت مطولا تولي فياض حقيبة المال متهمة اياه ب"سوء الادارة"في عهد الحكومات السابقة، لكنها عادت وقبلت به تحت اصرار الرئيس محمود عباس. اما المملكة العربية السعودية فقد فازت بالشكر والتقدير من الفلسطينيين وغيرهم على الصعيدين العربي والدولي لجهودها الناجحة في تهيئة الاجواء للاتفاق. فطيلة حوالي عام من الازمة الفلسطينية التي ترافقت مع تشكيل حكومة"حماس"مُدَّت أياد كثيرة لمساعدة الفلسطينيين في الخروج من محنتهم لكنها كانت تصطدم بالكثير من الصخور. وان كان الوسطاء السابقون حققوا كثيرا من الانجازات التي قام عليها اتفاق مكة، الا ان هذا الاتفاق يُحسب انجازا للسعودية وملكها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز. واتفاق مكة مؤلف من ثلاثة عناصر اولها تشكيل الحكومة، والثاني الشراكة السياسية، والثالث اعادة بناء منظمة التحرير. وباستثناء العنصر الاول الذي اشتمل على تفاصيل كثيرة لبناء حكومة وحدة وطنية، بما في ذلك البرنامج السياسي رسالة التكليف، فان العنصرين الثاني والثالث يحتاجان الى كثير من الجهود لاتمام الاتفاق بشأنهما وخصوصاً في ما يتعلق بحصة كل من"فتح"و"حماس"في منظمة التحرير ومؤسساتها، وتحديداً اللجنة التنفيذية والمجلس الوطني، وفي السلطة ومؤسساتها، خصوصاً اجهزة الامن والمحافظين والسفراء. وبينما اصرت"فتح"على تفكيك جهاز القوة التنفيذية الذي شكلته حكومة"حماس"، اشترطت الاخيرة دمج هذه القوة مع باقي الاجهزة باصلاح تلك الاجهزة وإعادة تشكيل قيادتها على نحو يعكس الواقع، اي حصولها على حصة في قيادة تلك الاجهزة، الامر الذي يضفي صعويات ليست سهلة على فرص الاتفاق النهائي. وحتى في تشكيل الحكومة ثمة عقبات عديدة ما زالت قائمة في الطريق في مقدمها الاتفاق على شخصيتي نائب رئيس الوزراء ووزير المالية. فالاول يرشحه الرئيس وتوافق عليه"حماس"والثاني ترشحه حماس"ويوافق عليه الرئيس، وهو امر قد يستوجب الكثير من المساومات.