لبنان غداً على موعد مع بدء عهد جديد، عهد فخامة الرئيس العماد ميشال سليمان، إلا اذا أصرت المعارضة على استقالة حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، ولو قبل ساعة من انتخاب العماد، لتحرمها من أي إنجاز في تمرير الاستحقاق لإنهاء الفراغ في قمة الهرم السياسي للدولة. ولأن مجرى الرياح الإقليمية - الدولية يرجح انتقال فخامة الرئيس الى قصر بعبدا هذا الأسبوع، لن تتمسك المعارضة بالممانعة في ربع الساعة الأخير، من دون ان تتراجع عن تمديد معركتها مع قرارات"الحكومة غير الشرعية"، في عهد العماد سليمان والحكومة الأولى خلال ولايته. بديهي ان فخامة الرئيس لا يطمح الى ان يكون رئيساً لإدارة الأزمة، حتى بافتراض عدم نشوب"داحس والغبراء"التي يتوقعها الدكتور سمير جعجع لتشكيل الحكومة الجديدة. فوقائع الأيام الأخيرة والوساطات العسيرة، خصوصاً الوساطة الفرنسية، تظهر ان المعارضة تتكيف مع تفاهمات اقليمية - دولية لكنها تستجيب بالتقسيط لموجبات الضغوط، على خطين: - الشروط الداخلية لأي صفقة، بعدما انكفأ حديث الغالبية عن مصير سلاح المقاومة، وبقي للمعارضة الدفاع عن مطلب"الشراكة"وحصصها في التركيبة السياسية. - الشروط الخارجية المرتبطة بحصة كل من دمشقوطهران في هذه التركيبة، ضمن إطار التأثير في القرار، إلى ان تحين ساعة التسويات الكبرى في المنطقة، ومن دون إلغاء حقيقة ارتباك المعارضة في احتواء تقاطع الحسابات السورية والإيرانية... خصوصاً في مرحلة ما بات يسمى ما بعد أنابوليس، إقليمياً. وبتعبير مبسط، لن ترفع المعارضة الراية البيضاء لمجرد خروج الرئيس السنيورة من السرايا الحكومية، بعدما أحبط آمالها بإسقاطه في الشارع، وتعايش سنة مع اعتصامها في قلب بيروت، ومع حملاتها التي تعتبر سابقة في الحياة السياسية اللبنانية. لن ترفع الراية البيضاء حتى لتسهيل مهمة فخامة العماد سليمان، وإلا بدت خاسرة في الشارع الذي تكبد اعباء شلل كامل ونكبة اقتصادية، لمجرد الإصرار على تعطيل الحكومة حتى اللحظة الأخيرة، ورمقها الأخير. لم يخطئ من تحدى القوى السياسية التي رفعت شعار"المشاركة"، ان تعلن صراحة ما اذا كان هدفها النهائي هو الانقضاض على اتفاق الطائف ودستوره، كما حاولت مجدداً لدى البحث في تذليل عقدة التعديل الدستوري لانتخاب العماد سليمان رئيساً. وربما لا يشذ عن ذلك الهدف، احياء مطالبات ب"حقوق المسيحيين"بما يتعدى القول ب"تهميشهم"خلال حقبة الوجود السوري في لبنان. فإذا كان جوهر المعضلة اللبنانية، على مدى السنوات الأخيرة، هو السعي الى تعديل حقوق الطوائف كما ثبتت في الطائف، يصعب التفاؤل بربيع قريب في بلد كنزه التعددية، وشقاؤه يتجدد كل عقد أو نحوه. إن كانت تلك هي المعضلة الآن، هل يمكن توقع سحب المعارضة كل شعاراتها كما ستطوي خيم الاعتصام، لمجرد ان توافقاً إقليمياً - دولياً يلزمها بالتكيف مع مقتضيات التهدئة في صراع المحاور، ومع مصالح أطراف في الخارج كرّست تعدديتها في لبنان؟ أتملك المعارضة القدرة على التعايش مع نقيضين: الانفتاح السوري - الفرنسي والتأزم الإيراني - الفرنسي الى الحد الذي يدفع طهران الى ربط تسهيلها تنصيب الرئيس اللبناني الجديد بوقف اندفاعة باريس في تشبثها بوقف تخصيب اليورانيوم الملف النووي الإيراني؟ لا تُحسد المعارضة على مثل هذا الاختبار الذي يكاد ان يعادل امتحاناً صعباً واجهته قوى 14 آذار"ففيما كان المطلوب الضغط على دمشق لوقف التعطيل في لبنان، أصبح الضغط على 14 آذار لتقديم الثمن تلو الثمن، والتراجع". العبارة لأحد رموز تكتل الزعيم وليد جنبلاط الذي كان سبّاقاً في استشراف خريطة جديدة لتوازن المصالح في المنطقة، تقتضي تراجعاً"لئلا يدفع اللبنانيون الثمن"، ولم ير عيباً في لحظة التحول. ... ولا عيب، لكن غالبية اللبنانيين بين 8 آذار و14 آذار وما حولهما تسأل لماذا دُفعت دماء الشهداء، كل الشهداء، من الجنوب الى الشمال والبقاع والمتن وبيروت؟ بعد انتخاب فخامة الرئيس، خريطة تحالفات جديدة، معارك أخرى على الحكومة وبيانها الوزاري والتعيينات، وربما هوية اسرائيل ومصير الممانعة. هي معضلة مناعة لبنان. ما فات ولّى، والمنطقة تتغيّر. الرئيس ساركوزي آتٍ الى بيروت ليحتفل بالتسوية. بوش لماذا لا؟