من مفارقات خريطة رمضان التلفزيونية ما تتداوله الصحف المصرية وتنشره في إطار تقويمها للمسلسلات وترتيب النجوم. ذلك ان التقويم يستند إلى عدد الدقائق الإعلانية التي يحققها ظهور نجم ما على الشاشة او في عمل درامي، بدلاً من ان يكون المقياس قيمة العمل او حبكته الدرامية او الصورة البصرية التي يحملها او اداء ممثليه. وهكذا، ومنذ بداية الشهر الفضيل، والتقويمات تتوالى، والمراكز الثلاثة الاولى تتبدل ما بين يسرا ويحيى الفخراني ونور الشريف... فبعدما كان الفخراني يحتل المرتبة الاولى في النصف الاول من رمضان، تبدلت المسألة وأصبح نور الشريف يحتل المقدمة من خلال مسلسله"الدالي"بنسبة تتراوح من 20 الى 25 دقيقة اعلانية عن الحلقة الواحدة. تليه يسرا بمسلسلها"قضية رأي عام"بنسبة من 15 الى 20 دقيقة، والفخراني بنسبة من 10 الى 15 دقيقة، لتنخفض الدقائق الاعلانية في مسلسلات"من اطلق الرصاص على هند علام"من بطولة نادية الجندي 4 الى 5 دقائق، ثم"حنان وحنين"للنجم عمر الشريف 3 دقائق. ويأتي في المرتبة الاخيرة مسلسلا"حق مشروع"لحسين فهمي وعبلة كامل، وپ"قلب امرأة"لإلهام شاهين وماجد المصري. امام هذه"الإحصاءات"لا يعود جائزاً السؤال عن مستوى الدراما المصرية، او كيف نرتقي بها ونبتعد من امراضها المزمنة من المط والتطويل، خصوصاً ان المعيار التقويمي لم يعد فنياً بالدرجة الاولى بل اعلانياً، إذ يقاس بمدى اقبال الوكالات على هذا النجم او إحجامها. واللافت ان الامر لم يقف عند هذا الحد، بل في احيان كثيرة يتحول الى حال من المفاخرة، إذ يردد بعض النجوم في تقويمهم لأعمالهم عبارة"نحن الاكثر جذباً للاعلانات"، حتى أن بعضهم لا يتقبل التقويم النقدي أو أوجه القصور التي يحملها العمل بدعوى أنه صاحب الدقائق الاعلى اعلانياً. في هذا السياق يؤكد الكاتب اسامة انور عكاشة"أن تحكم الوكالات الاعلانية في النتاجات الفنية هو أسوأ ما تشهده الدراما المصرية"، ويعتبره"سبباً اصيلاً في ازمة المط والتطويل، بمعنى أن هناك قماشة درامية قد لا تتحمل سوى 15 حلقة فقط فيضطر المؤلف لجعلها 30 حلقة". ويضيف:"ليس هذا فقط، لا بل أكثر، اثناء الكتابة اصبحنا نسأل اين سيتم عرض الاعلان حتى نتمكن من قطع المشهد في شكل اكثر سلاسة، وهو ما لم يتحقق حتى الآن. من هنا اصبح من الطبيعي جداً أن تفاجأ بمشهد لم يكتمل يُقطع لمصلحة بث اعلان". ويؤكد المؤلف محسن الجلاد صاحب مسلسل"قضية رأي عام"هذا الكلام، ويراهن على"ان المستقبل سيجعل الوكالات الاعلانية تحدد نوعية المواضيع التي تطرح في الدراما لتكون اكثر جذباً للمعلنين". ولا ينفي الكاتب محمد صفاء عامر أن هذا ما ستشهده الدراما مستقبلاً، فهو"احتمال وارد جداً وبنسبة كبيرة". ويتساءل:"اين مؤتمر الدراما المصرية الذي اجتمعنا من اجله مع وزير الاعلام المصري أنس الفقي بهدف حل مشكلات الدراما المصرية وتحديد العلاقة بين المادة الدرامية والإعلانية، مع مطالبتنا بالحد من تحكم الوكالات الاعلانية؟". ولا ينحصر هذا الموضوع في الدراما، إنما يتعداها الى البرامج، اذ يتصدر برنامج حسين فهمي"الناس وأنا"قائمة البرامج الاكثر جذباً للاعلانات في مصر، ب 16 دقيقة، ثم يليه برنامج"المانع والممنوع"الذي تقدمه لميس الحديدي ب 11 الى 12 دقيقة. وفي ظل هذا التقويم اهدر حق مسلسل كارتون للاطفال موقّع باسم"سوبر هنيدي"لانه لم يحقق الدقائق المطلوبة اعلانياً، ما يوحي بأن المسألة ستتجه الى برامج الاطفال بصرف النظر عما تبثه من قيم، وهذا يجعلنا نردد انه لا صوت يعلو فوق صوت الإعلانات.