هناك ثغرة مهمة في قوانين حقوق التأليف والنشر في العالم العربي تجعل من القانون، الذي يفترض أن يحافظ على حقوق المؤلف المادية والمعنوية، حبراً على ورق. وهذه الثغرة قائمة خارج القانون لا في مواده، أي في تفعيل القانون وتطبيق مادته ليصبح رادعاً لمن تسول له نفسه الاعتداء على الحقوق المعنوية والمادية لكل مؤلف يكتب كتاباً أو يصنع فيلماً أو ينتج شريطاً. وإذا كان الكتاب مأكولي الحقوق من الناشر وتاجر الكتب، والجهات التي تقتبس دون إذن المؤلف أو مشورته أو دفع حقوقه، فإن سوق الأشرطة والأفلام السينمائية تشهد كل لحظة سرقات لا عد لها ولا حصر. الذنب لا يقع بالطبع على عاتق السارق والمعتدي فقط بل يقع أولاً على عاتق صاحب الحق الذي لا يبادر إلى الدفاع عن حقه أمام الجهات القضائية المسؤولة، ولا يصر منذ البداية على تسجيل حقه من خلال اتفاق موثق مع الناشر أو المنتج. وأنا أعرف حالات كثيرة من السرقة والسطو على أعمال كتاب ومنتجين ثقافيين يعملون في التأليف، بألوانه المتعددة، أكلت حقوقهم وهم ينتظرون حلاً من السماء يعيد إليهم هذه الحقوق. فهم أساساً يعملون من دون عقود مع مؤسسات الإنتاج التلفزيوني ودور النشر ودور إنتاج الاسطوانات، ولذلك لا تحتسب لهم هذه المؤسسات أي نسب في الأرباح عندما تقوم بتسويق المادة الثقافية المنتجة. وهم راضون، كما يبدو، لأسباب تتعلق بعدم شيوع التنافس على المادة الثقافية، وانحسار عدد المؤسسات التي تشتري المنتج الثقافي، وعدم تدخل الدولة في حماية حق المؤلفين والمنتجين الثقافيين أمام جشع رأس المال وتوحشه. وهكذا فإن المشكلة تبدو في جزء منها ناشئة عن تساهل المؤلف في الدفاع عن حقه. والمدهش في الأمر أن بعض الجهات التي تسطو على إنتاج الكتاب هي جهات حكومية تتمثل في وزارات ثقافة وتربية وتعليم عربية تعامل المؤلفين والكتاب بصفتهم ملكاً قومياً يمكن استخدام ما يكتبونه دون استشارة أو دفع حقوق. ولكننا جميعاً لا نحرك ساكنا ونكتفي بالشكوى من الحال المائل الذي وصلنا إليه، فعقلية التساهل في الحقوق تتحكم في الكتاب والمنتجين الثقافيين العرب، وتجعل لصوص الملكية الفكرية وحقوق التأليف يقومون بالسطو وهم خليو البال نائمون على مخدات من ريش النعام. يحدث عكس هذا تماماً في الجزء الغربي من الكرة، حيث يدافع أصحاب حقوق الملكية الفكرية عن مؤلفاتهم بشراسة، ما يدل على تأصل فكرة حقوق الإنسان في المجتمعات الغربية حيث لا يهمل المرء حقه ولا يهبه لسارقيه. ولنتذكر ما حصل قبل أشهر قليلة لكاتبة في مقتبل العمر تدعى كافيا فيسواناثان، وهي طالبة في جامعة هارفارد تبلغ من العمر 19سنة، وقد سرقت تسعاً وعشرين فقرة من رواية لكاتبة شابة تقاربها سنا تدعى ميغان ماك كافيرتي، فاعتذرت دار ليتل براون التي نشرت رواية فيسواناثان ووعدت بحذف الفقرات المسروقة من الطبعة التالية من الرواية، غير آخذة بأقوال فيسواناثان وادعائها امتلاك ذاكرة فوتوغرافية، تنسى فتنسب ما هو لغيرها لنفسها، وتصور الكلام بحرفيته وتعيد بثه في رواياتها. إن حق المؤلف شيء مقدس في الغرب لا يجوز الاعتداء عليه، وعلينا أن نحذو حذوهم في ذلك. ونحن في حاجة إلى تأصيل فكرة الحقوق قبل سن القوانين، وإشاعة مبدأ تطبيق القانون بعد وضعه. ولعل قوانين الحقوق الفكرية وملكية المؤلفات في حاجة إلى إلزام الأطراف المتعاقدة على تنفيذ البنود الواردة فيها، وإلا فإن الاعتداء على حقوق التأليف سيظل أمراً عادياً في غياب إصرار المؤلفين والمنتجين الثقافيين على الدفاع عن حقوقهم التي يسطو عليها القراصنة ولصوص السوق الثقافية.