في الثالث من الشهر الجاري، نزع المجند الروسي ايفان شينكاريوف حلقة الأمان في بندقيته، وأطلق النار على نفسه. كان حادثاً محزناً، ذلك ان ألف مجند على الأقل يموتون في روسيا كل سنة، في حوادث خارج ميادين القتال. وما جعل حادث الانتحار بارزاً، أن شينكاريوف كان مجنداً في وحدة حراسة منشأة تنتج بلوتونيوم يستخدم في صنع الأسلحة، ولتخزين أطنان من النفايات المشعة. وخلال السنوات الثماني الماضية، قتل 17 مجنداً في الوحدة التابعة لوزارة الداخلية التي كان يعمل فيها شينكاريوف، معظمهم انتحر فيما قتل الباقون بأيدي زملاء لهم من المجندين، أو في حوادث أسلحة أو نتيجة ضرب. والقصص عن الحياة داخل الوحدة الرقم 3377، تدور حول استعراض المجندين القدامى قوتهم أمام المجندين الجدد لترويعهم، في ممارسة تعرف ب"سيطرة القدامى"، كما تدور حول الظروف المعيشية البائسة، ومجندين يعانون اضطرابات نفسية وضباط عاجزين عن المساعدة. وفي وقت ينفي المسؤولون وجود أخطار أمنية، فإن ناشطين مناهضين للانتشار النووي، قلقون من أن أفراد وحدة يعانون هذا المقدار من الاضطرابات، غير مؤهلين لحراسة منشأة من هذا النوع قد تكون هدفاً للإرهابيين. فلاديمير تشوبروف رئيس وحدة الطاقة في منظمة"غرينبيس"الروسية المدافعة عن البيئة، قال ان ذلك"المجمع لا يتمتع بالحماية". ورأى ان"المجندين الذين يفترض أن يتولوا حمايتها المنشأة، مشغولون بقدامى المجندين وحوادث الانتحار". وتقع المنشأة النووية في غيلزنويورسك في عمق الغابة الجليد في سيبيريا. والبلدة التي أنشئت عام 1960، احدى"المدن المغلقة"الروسية التي لم تُعرف لسنوات الا برمزها:"كراسنويارسك 26"لأن السلطات أرادت جعلها سرية. وهي محاطة بأسوار، ويفرض على سكانها البالغ عددهم مئة ألف، المرور عبر نقاط تفتيش عند دخولهم وخروجهم. ويستحيل مبدئياً على الغرباء الوصول الى المفاعل النووي الذي ينتج البلوتونيوم المخفي في جبل يشرف على البلدة. وذكر تشوبروف ان النفايات المشعة مخزنة في مبانٍ فوق الأرض. وكشف ان ناشطي المنظمة خرجوا عام 2002 في مسيرة في بلدة غيلزنويورسك وتسلقوا الى سطح أحد المباني في المجمع، حيث يُخزن الوقود النووي، من دون أن يعترضهم أحد. على الأثر بنت السلطات سوراً من الخرسانة، يقول تشوبروف ان"من الغباء الاعتقاد بأنه سيمنع أحداً من نسف ملايين من الوحدات المشعة المخزنة هناك". في الوقت ذاته، يبدو ان مشكلات الوحدة الرقم 3377 متفشية لدى القوات المسلحة الروسية"، اذ وجه المدعون اتهامات الى العديد من الجنود، بالاعتداء على زملائهم المجندين وتحقيرهم. وترتبط ثماني وفيات منذ العام 1998 بممارسة"سيطرة القدامى"، وهي ممارسة وحشية احتلت العناوين الرئيسية هذه السنة، بعدما اضطر أطباء الى بتر ساقي مجند وأعضائه التناسلية إثر تعرضه لاعتداء على أيدي زملائه في اكاديمية الدبابات في جبال الأورال. وبعد خمسة أيام على الحادث، ألقى مجند آخر بنفسه من نافذة، فأصيب في عموده الفقري، وعلمت"لجنة أمهات المجندين"ان سبب الحادث زميلٌ للمجند كان يطالبه بدفع ثلاثة آلاف روبية 112 دولاراً. ويقول ناشطون ان جذور المشكلة تكمن في الطريقة التي يُجند بها الأصغر سناً في القوات المسلحة الروسية. ويدفع معظم العائلات رشوة قد تصل الى آلاف الدولارات، كي يُعفى أبناؤها من التجنيد الإجباري ومدته سنتان. وبعض العائلات يقترض من الأقارب أو يبيع متعلقات لتأمين المبلغ. والرجال الذين يجندون في النهاية يأتون عادة من قاع المجتمع، ولا يتمتعون بصحة جيدة وتعليمهم سيئ، والأرجح أنهم نشأوا في عائلات تعاني مشكلات إدمان المخدرات أو الكحول. ناتالي ديغراف التي تدير لجنة أمهات الجنود في كارسونيارسك، اعتبرت ان حل مشكلات الوحدة هناك، بسيط:"يجب عدم إرسال الصبية الذين يعانون اضطرابات نفسية الى الخدمة في منشأة ذات أهمية استراتيجية".