في المعرض الذي ينظمه متحف الفنون الأولى الجديد متحف كيه براملي بباريس، والموسوم بوسم"ما هو الجسد؟"، أوكل الى الأشياء المجتمعة والمنضدة أو الموزعة، ان تقارن بين مثالات ثقافية وحضارية أربعة. ويجيب كل مثال من هذه المثالات عن السؤال، على طريقته أو طريقة الثقافة التي يمثل عليها. والمثالات الأربعة هي الغرب الأوروبي وافريقيا الغربية وبلاد الأمازون جنوب اميركا وغينيا الجديدة بابو آسيا. وتعرّف أوروبا الغربية أو هي عرفت في حقبتها المسيحية الطويلة الجسد البشري او الإنسي على مثال الشبه. فجسد الإنسان الأوروبي الغربي والمسيحي إنما هو على صور الخالق، على نحو ما المسيح، في المعتقد المسيحي، هو"الصورة المرئية للخالق الذي لا يُرى"، على قول بولس الرسول. وعلى هذا، فالجسد هو أداة علاقة الشبه. فهو، في آن، الشبيه ومحل التشبه أو التقليد والمحاكاة. وعلى الجسد الإنسي أن يحذو حذو الصورة المرئية عما لا صورة له ولا يتصور. وهو يحذو حذوها اذا قدم الروح على الجسد، أي على نفسه، وأعلى شأن الروح عليه. وحين اخلى الغرب محل الروح، وخرج من الاعتقاد والإيمان، احل في المحل الخالي مثالاً سامياً داخلياً هو مثال الجمال. وعلى خلاف الشبه الغربي، يندرج الجسد الإنسي في غرب افريقيا الفولتا العليا ومناطق مانديه القريبة في رابطة تنسب الأحياء الى الأموات. وتمثل الرابطة هذه على اتصال الأجيال بعضها ببعض، وعلى تسويتها من مادة واحدة. ويتصور الأجداد والآباء في صورة مناضد تقام عليها الشعائر. ولكن هذه المناضد ليست تشكيلية، ولا شبه بينها وبين المناضد السائدة والمعروفة. فهي اجزاء ونتف من مواد مختلطة تنقل الى المولودين لتوهم العناصر الأولى التي يفترض فيها ان تكون مكوناتهم الحيوية. وتتولى التمثيل على رابطة المولودين والأحياء عموماً بآباء القرية المؤسسين والأسطوريين، تماثيل تشبه خلقاتها خلقات إنسية وإلى الصورتين هاتين عن الجسد، ثمة ثالثة عصية على التمثيل التصويري او الرمزي، هي صورة جني البر أو البرية. وهذا يخلف في الوليد الجديد أثر أو دمغة خلقته مقلوبة. فالأب، على معنى الآباء والأجداد، يدرج جسم الوليد، والولد من بعد، حلقة في تاريخ متسلسل أو أسطوري. وعلى خلافه، يتولى جني البرية إدراجه في موضع ومكان, أو بلد. وتتحدر الأجساد من توائمها. ولكل جسد توأمه، وهو سابغه قبل ان يولد، ويولد على شاكلته. وهو خالفه، ويبقى من بعد ان تذروه الريح. وجمعه بين السبق والبقاء أو الخلافة ينصبه اصلاً تصدر عنه الحياة في كونها وفسادها. ويتصور الجسد في غينيا الجديدة خليج بابو آسيا ونهر سيبيك في صورة مركّب من ذكر وأنثى، مولود من مزيج الأب الوالد والأم الوالدة. وتضطلع التنشئة، على معنى التأديب بآداب القوم، بتخليص الولد الذكر اولاً، من الخليط المركب هذا. فالولد الذكر هو من يتولى، من بعد، دوام الصلب الأبوي ونسبه. والجسد المركب الأول، على زعم القوم، تام. وتمامه يحول بينه وبين الزواج، أي استتمامه بأنثى تسد نقصه، وتكمله، وتمكنه من تجديد الجسد الأبوي. ولعل الجسد المركب الأول، المفترض، تمثيل على عسر التوالد والتناسل في مجتمعات يغلب عليها الزواج"الخارجي"، أي الزواج في قوم ليسوا قوم الرجل الذكر، وعلى رجالها نكاح نساء لسن من أهلهم ولا من قومهم. وتؤدي هذه الحال الى سؤال عسير: لمن الولد الذي تحمله امه؟ هل ينسب الى أخي المرأة ام الى زوجها رجلها؟ ويتقلب جسد الولد الذكر، منذ ولادته الى بلوغه غاية تأديبه وتنشئته فزواجه، بين آل والده وآل أخي امه. ويتقلب على صورة هذه العلاقة. فهو مختلط مركب في اول أمره، وعليه ان يتخفف من خليطه الأمومي، وما علق به من نسب امه، قبل ان يستقر على مادته الأبوية الخالصة. فهو القرينة على هذه العلاقة، وهو آلة انقلابها وتحولها. ويذهب أقوام بلاد الأمازون الى ان اصل المخلوقات الكائنات هو التباين والتفرق. وبين المخلوقات المتباينة والمتفرقة علاقة مثالها الأكل. وجسد الغير هو صيد أو فريسة للأكل، او هو مفترس يتأهب للانقضاض على فريسته. والمخلوقات غير البشرية، ابتداء، يسعها الانقلاب بأجسادها الى حال متشابهة من طريق تشاركها في طعام، أو نظام أكل، واحد. فالأجساد تتشابه، وتتأنس، إذا هي وسطت بينها وسيطاً هو نظام طعامها. وعلى هذا، ليس الجسد الإنسي، أو ليست إنسانية الجسد صفة أو حالاً يختص بها نوع من الأنواع، بل هو هي ظاهر علاقة في وسع الأنواع كلها تشاطرها واقتسامها. ولو أن المعرض أحصى صور الأجساد في زينتها وثيابها، أو عرضها على انحاء شوهها وتقطيعها، وزعم ان الصور هذه تمثيل على الثقافات أو الحضارات التي ولدتها، لكان ضحية وهم. فهو لكان توهم ان الأشكال هذه ما هي إلا تصورات متفرقة عن شيء واحد هو الجسد. وتذهب المعروضات الى معنى آخر. فهي تتناول الطريقة التي تعرّف عليها هذه الثقافة أو تلك من الثقافات الأربع العلاقة التي تعرّفها تحت صورة الجسد. فالغرب الأوروبي، على ما مر، يرسي على الجسد، ومن طريق الجسد، تعريف علاقة الشبه المفترضة بين الألوهة وبين الإنسية. ويرسي افريقيو غرب القارة على الجسد، وصورته، علاقة احيائهم بموتاهم وآبائهم الأسطوريين. وفي كل مرة يريد اهل بابو آسيا تناول نسبهم الأمومي والأنثوي، وپ"الكلام"على تخليص نسبهم الأبوي والذكوري منه، يقعون على الجسد ومعانيه. وهو شأن اهل البلاد الأمازون عندما يريدون تصنيف المخلوقات طرائد أو مفترسة أو شبيهة. ولكل ثقافة من هذه في امرها مسالك وشجون. وعليه، مثّل المسيح على صليب خشبي يرجع الى القرن الثاني عشر م على الفكرة الغربية عن علاقة الإنسان بأصله الخلاّق. ومثلت اشياء شعائرية تصاحب انقلاب الرجل من محتوى الى حاو، على بلوغ الجسد المركب مثال الذكر الوالد. فالعلاقة الجسدية المثلى هي الوضع او الولادة. عن ستيفان بروتون محاضر في مدرسة الدراسات العليا، ودارس سلالات ومخرج سينمائي، "إسبري" الفرنسية، 6\/2006