لم يكن هواء مدينة رام الله، مصيف فلسطين، عليلا كعادته ليل الاثنين - الثثاء، فقد تسمم برائحة حرب اهلية انتشرت في سماء المدينة انتشار النار في الهشيم"عشرات المسلحين يجوبون الشوراع، يوقفون الناس ويدققون في بطاقاتهم بحثا عن الخصوم. وفي موقع آخر من المدينة كان مسلحون آخرون يقتحمون البنايات بحثا عن مكاتب للطرف الخصم ليقتحموها بعد ان اقتحموا بناية المجلس التشريعي ومجلس الوزراء ودمروا محتوياتها من اثاث واجهزة حاسوب وملفات، واضرموا النار في اجزاء منها. المشهد تكرر بصور اخرى أقل حدة في مدن نابلس والخليل وسلفيت. وفي جميع هذه الهجمات كانت الرسالة التي حملها مسلحو حركة"فتح"الى قادة حركة"حماس"واعضائها واضحة لا لبس فيها:"اي اعتداء على احد من حركتهم في غزة سيقابله اعتداء على شخص من حماس في الضفة"، وفق ما قال احد عناصر"كتائب شهداء الأقصى"ل"الحياة"وهو يطلق النار بكثافة من بندقية رشاشة على مبنى مجلس الوزراء الذي تشغله حكومة"حماس". والقت احداث العنف التي شهدتها الضفة للمرة الأولى ليل الاثنين - الثلثاء بظلالها الكثيفة والكئيبة على المجلس التشريعي الذي جمّد جدول اعماله ليبحث قضية انتقال الصراع على السلطة بين"فتح"و"حماس"من قطاع غزة المكتظ بكل اسباب الانفجار الى الضفة التي لا تملك فكاكاً عن شطرها المكلوم. لكن اعضاء المجلس التشريعي الذين ربما تطلع الكثيرون اليهم لايجاد حل للأزمة لم يكونوا سوى جزء منها. فنواب"حماس"هاجموا بشدة الاعتداءات على مقرات الحكومة والتشريعي ومكاتب حركتهم في الضفة، فيما هاجم نواب"فتح"بشدة مماثلة الاعتداءات على مقار الامن الوقائي في غزة. وربما كان النائب الفتحاوي محمد دحلان الذي تتهمه"حماس"بقيادة انقلاب على حكومتها ووصفه رئيس المجلس التشريعي في مؤتمر صحافي منفصل ب"المندوب السامي"، الاكثر وضوحا ودقة في وصف الحالة اذ قال:"ما يجري هو بداية حرب اهلية". واضاف:"هذه ازمة سياسية كبرى لا تصلح الكلمات والشعارات لمعالجتها، والقول ان الحرب الاهلية بعيدة غير صحيح، فالمجانين يجروننا الى الحب الاهلية، ونحن ننزلق رويدا رويدا". وقدم دحلان روايته عن الهجوم الذي تعرض له مقر الامن الوقائي في غزة، قائلا ان الهجوم استمر اربع ساعات اصيب خلاها المقر ب 70 قذيفة مدفع"بي 7". ورد عليه نواب من"حماس"باتهام الامن الوقائي والاجهزة الامنية بالوقوف وراء الهجمات التي تعرضت لها المكاتب الحكومية والبرلمانية ومكاتب"حماس"في الضفة. وقال النائب فضل حمدان انه وزملاءه شاهدوا بأم اعينهم رجال الامن يقتحمون تلك المكاتب ويضرمون فيها النار. وبسبب سعة الهوة بين مواقف الطرفين، اكتفيا بتشكيل لجنة تقصي حقائق رأى فيها الكثيرون وسيلة لتغطية العجز اكثر منها لحل الازمة. الربعي يروي عملية خطفه وروى النائب خليل الربعي كيف تعرض للخطف والضرب على ايدي اعضاء"فتح"، مشيرا الى ان المسلحين تعرفوا عليه بعد فحص بطاقته الشخصية، وانهم انهالوا عليه بالضرب المبرح في الشارع العام وسط المدينة قبل ان ينقلوه في سيارة الى جبل مهجور قرب مدينة رام الله بعد ان غطوا رأسه بسترته كي لا يتعرف على الموقع. وقال الربعي ان المسلحين الذين خطفوه حمّلوه رسالة لحركة"حماس"مفادها ان اي اعتداء على احد من"فتح"في غزة سيقابل باعتداء على اعضاء"حماس"في الضفة. ولمح الى تورط امن الرئاسة في الاعتداء عليه حينما اشار الى ان قوة من امن الرئاسة تسلمته بصورة غير مباشرة من خاطفيه في احد الشوارع بعد اطلاقه.