أمير منطقة جازان يستقبل مواطنًا لتنازله عن قاتل والده لوجه الله تعالى    جيروم باول: خفض الفائدة في ديسمبر ليس مؤكداً    أمانة الشرقية تنظم ملتقى «الإعلام الإنمائي» الأحد المقبل    300 طالبٍ وطالبة موهوبين يشاركون في معرض الأولمبياد الوطني للإبداع العلمي في الدمام    فريق قانوني عربي لملاحقة إسرائيل أمام القضاء الدولي    السعودية ترحب بإعلان سوريا اعترافها بجمهورية كوسوفا    تدشين نظام اعتماد الأنظمة الرقمية الصحية    "GFEX 2025" تستعرض أحدث تقنيات الطب الشرعي    هيئة الأمر بالمعروف بجازان تفعّل معرض "ولاء" التوعوي بمركز شرطة شمال جازان    «هيئة الأوقاف» تنظم ندوة فقهية لمناقشة تحديات العمل بشروط الواقفين    أمير منطقة تبوك يستقبل مدير الأحوال المدنية بالمنطقة    سوريا تعلن الاعتراف بكوسوفو بعد اجتماع ثلاثي في الرياض    «إنفيديا» تتجاوز 5 تريليونات دولار بفضل الطلب على الذكاء الاصطناعي    الفالح ينوه بالخدمات المقدمة للشركات العائلية في المملكة    الرميان:"الصندوق "يستهدف الوصول ألى تريليون دولار من الأصول بنهاية العام    قرعة ربع نهائي كأس الملك تضع الاتحاد في مواجهة الشباب    "رهاني على شعبي" إجابة للشرع يتفاعل معها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان    إكسبو الرياض 2030 يدعو العالم ليكون جزءا من الحدث العالمي    أمير منطقة جازان يستقبل رئيس محكمة الاستئناف بالمنطقة    نائب أمير الشرقية يستقبل الرئيس التنفيذي لهيئة تطوير محمية الإمام عبدالعزيز بن محمد الملكية    أمير منطقة الرياض يستقبل مدير عام قناة الإخبارية    أمير جازان ونائبه يقدمان واجب العزاء للدكتور حسن الحازمي في وفاة نجله    الأفواج الأمنية بجازان تقبض على مخالف لنظام أمن الحدود لتهريبه 84 كيلو جرامًا من نبات القات المخدر    المنكوتة والمعيني ينثران قصائدهم في سماء جدة    عطارد يزين الليلة سماء السعودية    القيادة تهنئ رئيس الجمهورية التركية بذكرى يوم الجمهورية لبلاده    العويران: نصف الرياضيين يعزفون عن الزواج.. "يبحثون عن الحرية بعيدًا عن المسؤوليات"    روائع الأوركسترا السعودية تعود إلى الرياض في نوفمبر    بإشراف وزارة الطاقة ..السعودية للكهرباء و إي دي إف باور سلوشنز تفوزان بمشروع صامطة للطاقة الشمسية    ارتفاع الوفيات المرتبطة بالحرارة عالميا 23٪ منذ التسعينيات    رئيس وزراء جمهورية باكستان الإسلامية يغادر الرياض وفي مقدمة مودعيه نائب أمير المنطقة    أوكرانيا تستهدف موسكو بمسيرات لليلة الثالثة    أكد أن الاتفاق مع باكستان امتداد لترسيخ العلاقات الأخوية.. مجلس الوزراء: مؤتمر مبادرة مستقبل الاستثمار يدفع نحو التنمية والازدهار    بدء التقديم على برنامج ابتعاث لتدريس اللغة الصينية    التعلم وأزمة المعايير الجاهزة    إدانة دولية لقتل المدنيين.. مجلس السيادة السوداني: سقوط الفاشر لا يعني النهاية    أشادت بدعم السعودية للبرنامج الإصلاحي.. فلسطين تطالب «حماس» بتوضيح موقفها من السلاح    الاتحاد يقصي النصر من كأس خادم الحرمين الشريفين    تحاكي الواقع وتقيس الكفاءة والدقة.. مسابقات بطولة العالم لرياضة الإطفاء والإنقاذ.. إثارة وتشويق    غضب من مقارنته بكونسيساو.. خيسوس: رحلة الهند سبب الخسارة    أطلقها نائب وزير البيئة لدعم الابتكار.. 10 آلاف مصدر علمي بمنصة «نبراس»    الاحتلال يشن غارة جوية على الضفة الغربية    "وثيقة تاريخية" تبرز اهتمام المملكة بالإرشاد التعليمي    تبوك تستعد للأمطار بفرضيات لمخاطر السيول    سعود بن بندر يطلع على أعمال "آفاق"    المناطيد تكشف أسرار العلا    مستشفى الدكتور سليمان الحبيب بالمحمدية في جدة يستأصل بنجاح ورماً ضخماً من البنكرياس ويعيد بناء الوريد البابي    مستشفى الدكتور سليمان الحبيب بالتخصصي يُجري الفحوصات الطبية للملاكمين المشاركين بنزالات موسم الرياض    منتديات نوعية ترسم ملامح مستقبل الصحة العالمية    الهلال يكسب الأخدود ويبلغ ربع نهائي كأس الملك    صحة المرأة بين الوعي والموروثات الثقافية    فترة الإنذار يالضمان الاجتماعي    فيصل المحمدي من بيت امتلأ بالصور إلى قلب يسكنه التصوير    ولادة توأم من بويضات متجمدة    العلماء يحذرون من الموز في العصائر    54 مليون قاصد للحرمين خلال شهر    مفتي عام المملكة يستقبل وزير الشؤون الإسلامية    كباشي: شكراً صحيفة «البلاد»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



غرابة الغريب في غير بلده وأهله
نشر في الحياة يوم 10 - 05 - 2006

لا تمثل البشرية على شاكلة جسم سياسي واحد. فهي جماعات كثيرة ومتفرقة. وبعض الناس أو البشر، دون غيرهم، هم من هذه الجماعة أو تلك. ومن ليسوا من الجماعة، كلهم غرباء أو أجانب. ولا يستوي التمييز هذا وحداً وتفريق الصديق من العدو. فالتفريق هو من فروع مسألة الحرب والسلم. ويسبق الفرق بين الانتساب الى جماعة تاريخية وبين الانتفاء منها، المسألة هذه. ويعرف الغريب بنفيه من جماعة المتكلم:"ليس منا". وعلى هذا، فهو لا يعرّف في نفسه، ولا من يكون بمنأى من علاقته"بنا"، ومن رابطة الحلف أو الحياد أو العداوة التي قد تربطنا به وتربطه بنا. ونحن، قبل أن نعرف من نكون، يفترض بنا أن نعرف نسبتنا أو الجماعة التي تضوينا وتجمعنا. ونسبتنا لا نتقاسمها بيننا على مثال تقاسم الخيرات التي تقضي العدالة التوزيعية بتقاسمها حصصاً ومقادير. فهي جزء لا يتجزأ من جماعتنا وأصرتنا.
ولكننا، على خلاف الحال فيما بيننا، يسعنا من غير قيد،"إعطاء"هذه النسبة الى من نشاء من الغرباء أو نرتأي، وذلك على صورة التجنيس أو منع التابعية، ونصّ إعلان حقوق الإنسان، في 1948، على أن الجنسية أو التابعية، النسبة الى وطن ودولة هي حق الناس جميعاً واحداً واحداً. ونهى الإعلان كذلك عن نزع الجنسية اعتباطاً. وقبول الغريب، أو استجابة طلبه الجنسية، في الجماعة الوطنية هو حق يعود بته الى سلطات الدولة السياسية بتاً مطلقاً. ولا يعلو اطلاقٌ هذا الإطلاق. ولكن ما الذي يطلب الغريب قبوله حين يتقدم بطلب تجنيسه؟ فالقانون الدولي الخاص يعرِّف الجنسية الوطنية بأنها"انتساب امرئ انتساباً حقوقياً وقانونياً الى السكان الذين تنشأ الدولة عنهم".
والى السكان يضاف الإقليم، أي الحدود. وهذه تحدد داخلها نفاذ صلاحيات السلطات العامة، السياسية والقضائية. فالمفهومات الثلاثة هذه، الدولة والأراضي الإقليمية والسكان، متلازمة ومتماسكة. والدخول في السكان الذين تنشأ عنهم الدولة يستتبع حكماً تعريف مادة الدولة بسكانها، فيقال: الفرنسيين، البريطانيين، الخ. وعليه، فالدولة المستقلة تصدر عن تعريف سكانها، أو"أصحاب تابعيتها".
والحق ان علاقة الجنسية الوطنية بالمواطنية أو المواطنة مسألة دقيقة. فالأمران ينزعان الى أن يكونا واحداً، في التقاليد الجمهورية واليعقوبية التي تقوم الدولة منها مقام الرأس الجامع، من غير امحاء بعض الفرق بينهما. فالمواطنية قوامها الرابطة الحقوقية والقانونية. وهي تصل شخصاً فرداً بالدولة. وعلى هذه الرابطة تحمل الحقوق المدنية والسياسية، وأولها حق الاشتراك في السلطة السياسية على صفة ناخب أو مرشح لا يمتنع انتخابه. ولكن من يتمتعون بالتابعية الوطنية، أو الجنسية، مثل القصَّر الذي لم يبلغوا الرشد، والمرضى العقليين، والمدانين المحكومين في بعض الجرائم، ليسوا مواطنين، على المعنى الذي تقدم، ولا يحق لهم الاشتراك في السلطة السياسية، انتخاباً وترشحاً. وأهل التابعية أو الجنسية وحدهم مواطنون على المثال نفسه، وعلى خلاف بلدان أخرى يسع المقيمين بها، تحت بعض الشروط، الإدلاء بأصواتهم في الانتخابات البلدية.
ويستكمل اشتراط الجنسية للتمتع بالحقوق المدنية وامتلاك جزءٍ من السيادة الوطنية، تحويل الفكرة الوطنية عاملاً في استبعاد الأجانب. وما دام القانون الدولي لا يوجب على الدول الإقرار للأجانب بحقوق سياسية، بقيت عطالة الأجانب المقيمين السياسية"قاعدة مطلقة لا يقيدها استثناء"أوليفييه دوهاميلي، وعلى المنطق الحقوقي نفسه، يمسي الانتساب الوطني حالاً من أحوال المرء نفسه، شأن الاسم والنسب والجنس ومحل الولادة وتاريخها، والغريب، أو الأجنبي، على هذا، ليس من ليس منا وحسب، بل هو من ينكر عليه أن يكون منا إذا اقتصر الأمر على رغبته في ذلك أو على طلبه. وهو، في الأحوال كلها، غير مخول إلزام الدولة استجابة طلبه. وصفة الاستنساب التي يتمتع بها منح الجنسية، وارتفاع كل قيد عن سيادة فعل الاستقبال السياسي، يثبتّان على نحو جلي ميل الكفة داخل علاقة العصر الوطني بالغريب الأجنبي واختلالها.
ولكن الاقتصار على التناول الحقوقي يغفل مضمون العلاقة. فلا يسعنا أن نخطو على طريق فهم"عندنا"من غير تصور ما يعني"عنده"في ذهن الغريب. وينبغي أن نقر بأن فهمنا انتسابنا الى البلد، أو الأمة، أو الدولة، لا يستظهر بعلة واضحة. والحق أن المسألة خلو من العلل، أي من الحجج التي يسعنا الاحتجاج بها على خصم يدعونا الى تسويغ كوننا من هذه التابعية الوطنية أو تلك. وتأويل إرادة العيش مع شركاء في الوطن، أو مع مواطنين، دون غيرهم، تأويلاً تعاقدياً خطأ جسيم. بمفهوم العقد الاجتماعي انما موقعه من الجماعة دستوري، على معنى القانون الدستوري، وهذا يفترض الجماعة مجتمعة ومؤتلفة. ويفترضها تتطارح، على حال متوهمة ومتخيلة، مسألة الحكم ومثاله الحسن، وأما إدراكنا انتسابنا الى جماعة وطنية فهو إدراك مشترك نتقاسمه، ويغذيه تاريخ متجسد في تقاليد وسنن، وتعلن طرائق في حياة وعمل وحب، وسنده أمهات أخبار تنشئ هويتنا وترسمها.
عن بول ريكور فيلسوف فرنسي 1911 - 2005،"اسبري"الفرنسية، 3-4 /- 2006


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.