على مر التاريخ كان للفقاعات الاقتصادية دور مؤثر في النمو الاقتصادي في شكل عام. فالركود الاقتصادي العالمي في أواخر عشرينات وبداية ثلاثينات القرن الماضي، أدخل العالم في موجة من التقلبات الحادة، وتمخضت عنه نتائج وخيمة لم تستطع بلدان العالم التخلص من عواقبها لسنوات عدة. في أواخر القرن الماضي وتحديداً في عام 1997 ، انفجرت فقاعة اخرى في شرق آسيا وتضررت بسببها بلدان عدة، يأتي في مقدمها ما سمي بالنمور الآسيوية. الا ان البلدان المعنية وبمساعدة من المنظمات الاقتصادية الدولية، تمكنت من احتواء الازمة بسرعة ملحوظة لتعود هذه الدول من جديد وتضع اقتصاداتها على طريق النمو. بعدها بعام واحد انفجرت فقاعة أخرى، وسنسميها تجاوزاً"فقاعة"، حيث تدنت أسعار النفط الى ما دون العشرة دولارات للبرميل، ونتيجة لذلك انخفضت عائدات البلدان المصدرة للنفط الى ادنى مستوياتها خلال عشرين عاماً، ومع ذلك تمكنت البلدان المنتجة للنفط من التأقلم مع هذه المستجدات متجاوزة في فترة زمنية قصيرة العواقب التي خلفتها هذه"الفقاعة النفطية". سألت مرات عدة، هل ما حصل في اسواق المال العربية والخليجية وتحديداً في العام الماضي وما زال مستمراً خلال العام الجاري، هو فقاعة جديدة، خصوصاً ان بعض الاسواق الخليجية انخفض بنسبة كبيرة بلغت 55 في المئة خلال شهور معدودة، ما افقد السوق اكثر من نصف قيمتها السوقية. الجواب هو نعم ولا معاً. نعم، لأنه اذا كان هناك فقاعة فهي انفجرت وانتهى الامر. ولا لأن الاسواق عادت الى الارتفاع مرة اخرى من دون ان يترك انفجار هذه الفقاعة اية تأثيرات سلبية في مجمل التطورات الاقتصادية في هذه البلدان، كما كان يحدث في السابق. هذه الاجابة تقودنا الى سؤال رئيس شكل عنوان هذه المقالة، هل انتهى زمن الفقاعات الاقتصادية؟ في اعتقادنا ان الفترة الممتدة من العام 1929 وحتى العام 2005 ، تبلورت خلالها منظومة اقتصادية عالمية متكاملة ولج خلالها العالم مرحلة العولمة بكل ابعادها الايجابية والسلبية. الا ان الحقيقة التي لا يمكن تجاهلها هي ان الاقتصاد العالمي اصبح متداخلاً ومتكاملاً في شكل غير مسبوق. الى ذلك، تطور علم الاقتصاد وابتُكرت ادوات اقتصادية ومالية فاعلة للحد من التقلبات والانعكاسات التي يمكن ان تحدث بسبب الفقاعات الاقتصادية. ففي شرق آسيا اتخذت ماليزيا اجراءات سريعة لوقف التدهور المالي، كما تدخل صندوق النقد الدولي داعماً البلدان الاخرى ككوريا الجنوبية واندونيسا وتايلندا. وساعدت اليابان بثقلها الاقتصادي والولايات المتحدة واوروبا الغربية هذه البلدان لتخطي الازمة في ذلك الوقت. هذا التدخل جاء لوقف امتداد الازمة الى مناطق اخرى في العالم بسبب الارتباط القوي بين الاقتصادات العالمية، التي ساهمت العولمة والتطور المذهل في التقنيات والاتصالات الحديثة في بروزه، فالاقتصاد العالمي في نهاية القرن الماضي يختلف تماماً عنه في النصف الاول من القرن الماضي. مسألة الادوات المالية والنقدية، هي مسألة معقدة وتفصيلية لا يمكن تناولها في هذه المقالة المختصرة. الا ان النتيجة التي يمكن الخروج بها، انه لا يمكن تصور فقاعات مدمرة في الوقت الحاضر، بدليل ان"فقاعة"النفط الحالية والتي أوصلت سعر برميل النفط الى 70 دولاراً، استطاعت بلدان العالم استيعابها والتأقلم معها، كما ان فقاعات اسواق المال العربية جرى احتواؤها تقريباً من خلال اجراءات ادارية ومالية عدة اتخذت بسرعة فائقة. من جانب آخر، ستحصل فقاعات جديدة، الا انها ستكون تحت السيطرة والتحكم على المستويين العالمي والمحلي، وستحجَّم تأثيراتها السلبية الى الحد الادنى، فعلماء الاقتصاد في العالم تعلموا وطوّروا الكثير من الادوات المالية الفاعلة خلال الاعوام السبعين الماضية. واذا ما نجحت جولات منظمة التجارة العالمية المقبلة، واذا ما التزمت البلدان النامية اكثر الادارة الحديثة لاقتصاداتها، فان وجهة النظر هذه ستكتسب ابعاداً جديدة تتناسب والتغيرات الهائلة والسريعة التي تطاول الاقتصاد العالمي والعلاقات الاقتصادية الدولية في هذا العصر. * كاتب اقتصادي