لم يعد للجامعة في اليمن ذلك الوقع الكبير الذي عرفت به سابقاً. وعدا عن"هّبات"طالبية محدودة شهدها غير بلد عربي، فإن ثورة تغييرية بمستوى حركة الشبيبة الفرنسية في ستينات القرن الماضي لا تبدو قريبة الحدوث فيها. ولم تتوصل الجامعة في اليمن بعد الى أدنى التقاليد الأكاديمية ناهيك بالوعي المحفز على التغيير. ولعل المفارقة أن اعضاء هيئة التدريس في الجامعات الحكومية اليمنية أنفسهم يفتقدون لمبدأ الديموقراطية كانتخاب رؤساء الاقسام وعمداء الكليات والمدير. والمرة الوحيدة التي اظهر فيها اساتذة الجامعات الحكومية قوة تنظيمية لافتة كانت قبل بضعة أعوام عند تنفيذهم سلسلة اضرابات واحتجاجات للمطالبة باصدار جدول خاص بأجور الهيئة التدريسية. بيد أن جمود الحرم الجامعي ظل على ما هو خالياً من بادرة او خضة تحرك سكونه. ويرى الدكتور فؤاد الصلاحي استاذ علم الاجتماع السياسي في جامعة صنعاء أن"الدور التنويري للجامعة سيبقى غائباً، طالما بقيت الجامعة في وضعها الحالي، فواقعها لا يساعد على إحداث تنمية ديموقراطية. وكان الصلاحي أنجز دراسة تناولت مفاهيم الديموقراطية وحقوق الانسان في مضامين المقررات الجامعية كشفت عن خلو هذه المقررات مما يحفز على تكوين وعي بمفاهيم الحداثة السياسية. وقال الصلاحي ان الدراسة تناولت محتوى كتاب الثقافة الاسلامية، المادة الزامية لجميع المنتسبين الى الجامعة،"فوجدت ان المقرر يحتوي على افكار تفسر الديموقراطية كأحد مبادئ العلمانية التي يعتبرها المقرر نفسه غزواً فكرياً يتهدد الاسلام". وفضلاً عن طبيعة المنهاج التلقيني البعيد عن تشكيل وعي ديموقراطي حديث، تتضافر عوامل عدة في صوغ وتشكيل توجهات الطالب الجامعي. فيجري داخل الجامعة تكريس علاقات تقليدية بحيث صار فصل الذكور عن الإناث في قاعة المحاضرة يتم تلقائياً، على ما لاحظ احمد سعد 19 سنة الذي لا تبدو عليه الحماسة للانتقال الى المرحلة الجامعية على رغم مضي ثلاثة اسابيع فقط على التحاقه بالجامعة. ويرى أحمد أن الحرس الجامعي ذا الحضور القوي يتخطى دوره أحياناً في منع دخول الطلاب الذين لا يحملون بطاقة جامعية وإن كان"بالامكان التحايل على ذلك بالدخول من المدخل الخلفي"، ليراقب الطلاب والطالبات ممن يتحدثون مع بعضهم البعض. ويتم توقيف هؤلاء الطلاب بحسب لوائح كانت جامعة صنعاء اصدرتها العام الماضي وقوبلت بمعارضة شديدة من الجماعات الطالبية لأحزاب المعارضة واتحاد الطلاب الذي تشكل المعارضة الغالبية فيه. ويصف فارس حسان سنة ثانية أدب فرنسي تصرفات بعض الحرس الجامعي"بالبلطجة". ويقول ان أحد أفراد الحرس الجامعي"دهم"صديقاً له كان يتحدث مع زميلته ولم يفارقهما الا بعد ان دفعا له"ثمن القات". وكما يحدث خارج الجامعة يتيح تجاوز القوانين من قبل بعض عناصر الشرطة ابتزاز من يقبض عليه برفقة فتاة او تلفيق تهمة اخلاقية لهما. ويرى الصلاحي أن القوى التقليدية ما زالت مسيطرة على الجامعة، معتبراً أن"من دون وقف نظام التعيين لقيادات الجامعة وتضمين المقرر الجامعي مفاهيم الحداثة السياسية لا يمكن احداث حراك في العملية التعليمية". ويعتبر الصلاحي التدخل السياسي من الحزب الحاكم والمعارضة سبباً من اسباب فشل التعليم الجامعي اليمني. الا ان ادارة الجامعة ترى بدورها الاساتذة سبباً في تخلف التعليم الجامعي، وتقول ان"معظم هؤلاء يعملون في اكثر من جامعة حكومية وخاصة"، وأن"لا هم لهم سوى الكسب ولو على حساب الطالب". ويأخذ فارس على الاساتذة تأخر بعضهم عن مواعيد المحاضرات، فيما يقول احمد ان غالبية الأساتذة الذين بدأ معهم عامه الدراسي الاول دخلوا على موضوع المحاضرة مباشرة ولم يتح أي منهم لنفسه التعرف الى الطلاب او تقديم فكرة لهم عما ينتظرهم. ويعترف الصلاحي بانعدام الحوار بين الاستاذ والطالب"وهو ما قد يفضي الى افتقاد الطالب الجامعي لقيمة الحوار الديموقراطي في المجتمع". ولئن شهدت الجامعة اليمنية حمى مواجهات سياسية، الا ان غالبية هذه المواجهات تنحصر بأهداف سياسية صرفة. وفيما يقدر عدد الناشطين سياسياً بنحو 10 في المئة من اجمالي طلاب وطالبات جامعة صنعاء البالغ حوالى سبعين الفاً، يبقى النشاط الثقافي والعلمي والمجتمعي محدوداً جداً على ما يرى انس سنان الذي يلفت الى"تضاؤل دور الجامعة في ايجاد انشطة لا صفية فاعلة". وبحسب الصلاحي، فإن الأحزاب السياسية جميعها"تزيف وعي الطلاب من مناصريها". ويشير الى ان بعض الاحزاب الدينية"يجيّر نشاط الحركة الطالبية لأغراض حزبية فينصرف الطلاب عن مطالباتهم بحقوقهم في تحسين التعليم وتوفير مكتبات وانترنت وغيرها من الانشطة الثقافية الى الخوض في جدال من نوع هل تقام الحفلات الطالبية بموسيقى أم من دونها". ويشهد الوسط الجامعي حمى استقطابات تفضي احياناً الى مصادمات بين الجماعات الطالبية المتنازعة خصوصاً عند الطلاب الجدد. فأحمد الذي يقول انه لم يصادف بعد أياً من الجماعات الطالبية الحزبية لأن اقارب له تولوا تنسيق التحاقه بالجامعة، لم يستبعد أن ينتمي يوماً الى حزب ما يقتنع باطروحاته. وتعتقد خديجة علم اجتماع ان بقاء الوضعية الحزبية في نمطها الحالي من شأنه توسيع الفجوة بين الطالب ومجتمعه واليأس من دور هذه الاحزاب.