القيادة.. رمانة الميزان لكلِّ خلل    حلول مبتكرة لتعزيز الصحة    ولي العهد.. عطاء يسابق المجد    الموظفون غير واثقين في الذكاء الاصطناعي    نائب وزير الخارجية يشارك في الاجتماع الاستثنائي ال47 للمجلس الوزاري الخليجي    Google تحذر 1.8 مليار مستخدم    Youtube Premium مخفض لشخصين    نائب وزير الخارجية ونائب وزير الخارجية التركي يترأسان الاجتماع الأول للجنة السياسية والدبلوماسية    نخبة آسيا عهد جديد لقلعة الكؤوس    أخضر الصالات تحت 20 عامًا يُقيم معسكرًا تدريبيًا في الدمام استعدادًا لأولمبياد آسيا    بيت المال في العهد النبوي والخلافة الإسلامية    سرك في بير    فائض الميزان التجاري السعودي يتجاوز 30 مليار ريال في فبراير 2025    تشكيل النصر المتوقع أمام الاتحاد    125.7 ألف زائر يسدلون الستار على 12 يوماً من المتعة والمعرفة ل"الشارقة القرائي للطفل" 2025    موقف برونو فيرنانديز بشأن رغبة الهلال في ضمه    بحضور وزير الرياضة .. جدة تحتفي بالأهلي بطل كأس النخبة الآسيوية 2025    أمير حائل يدشّن برنامج الأمير عبدالعزيز بن سعد لبناء وترميم المساجد والعناية بها    وزير الشؤون الإسلامية يبدأ زيارة رسمية للمغرب    أمير الجوف يلتقي أهالي محافظة صوير    فهد بن سلطان يدشن مرحلة التشغيل الفعلي لمشروع النقل العام بالحافلات بمدينة تبوك    منح البلديات صلاحية بيع الوحدات السكنية لغير مستفيدي الدعم السكني    سماع دوي انفجارات بمدينة بورتسودان السودانية        مركز تأهيل إناث الدمام يعقد ورشة عمل في مهارات العرض والإلقاء    أمير حائل يرعى حفل التخرج الموحد للمنشآت التدريبية للبنين والبنات بحائل    أمير الجوف يزور مركزي هديب والرفيعة التابعين لمحافظة صوير ويلتقي الأهالي    المدينة تحتضن الحجاج بخدمات متكاملة وأجواء روحانية    مذكرة تفاهم بين الجمعية السعودية لأمراض وجراحة الجلد وشركة آبفي وشركة النهدي الطبية    "سعود الطبية " تنظّم أول مؤتمر وطني لجراحة مجرى التنفس لدى الأطفال    الداخلية: غرامة 100 ألف ريال لنقل حاملي تأشيرة الزيارة إلى مكة ومصادرة وسيلة النقل المستخدمة    أجنبيًا لخلافة المفرج في الهلال    فريق طبي في مستشفى عفيف العام ينجح في إجراء تدخل جراحي دقيق    البرنامج الوطني لمكافحة التستر التجاري يُنفّذ (2,077) زيارة تفتيشية    حرس الحدود بقطاع الوجه ينقذ مواطنًا من الغرق    حوار المدن العربية الأوروبية في الرياص    رياح نشطة في معظم مناطق المملكة وزخات من البرد في الجنوب    الاتحاد الأوروبي يدعو لرفع الحصار عن غزة    الإدارة الذاتية: رمز وطني جامع.. سوريا.. انتهاء العمليات القتالية في محيط سد تشرين    في إياب دور الأربعة لدوري أبطال أوروبا.. بطاقة النهائي بين إنتر وبرشلونة    المملكة تختتم مشاركتها في معرض أبوظبي الدولي للكتاب 2025    في أمسية فنية بجامعة الملك سعود.. كورال طويق للموسيقى العربية يستلهم الموروث الغنائي    توقيع مذكرة تفاهم لتعزيز إبداعات الفنون التقليدية    دعوة لدمج سلامة المرضى في" التعليم الصحي" بالسعودية    هاري كين يفوز بأول لقب في مسيرته    دعت إسرائيل لاحترام سيادة لبنان.. 3 دول أوربية تطالب باتفاق جديد مع إيران    بنسبة نضج عالية بلغت (96 %) في التقييم.. للعام الثالث.. السعودية الأولى بالخدمات الرقمية في المنطقة    أزمة السكن وحلولها المقترحة    "الاتصالات" جاهزة لخدمة ضيوف الرحمن في المدينة المنورة    رشيد حميد راعي هلا وألفين تحية    "مايكروسوفت" تعلن رسمياً نهاية عهد "سكايب"    جمعية الوقاية من الجريمة «أمان»    الصحة النفسية في العمل    حكاية أطفال الأنابيب «3»    القبض على (31) لتهريبهم (792) كيلوجرامًا من "القات"    جامعة الملك سعود تستضيف مؤتمر "مسير" لتعزيز البحث العلمي والشراكات الأكاديمية    ممنوع اصطحاب الأطفال    أمير منطقة تبوك يرعى حفل تخريج طلاب وطالبات جامعة فهد بن سلطان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عن قابلية الساحة الفلسطينية لمشروع الحرب الأهلية
نشر في الحياة يوم 14 - 10 - 2006

طرحت الأوضاع المتأزمة في الساحة الفلسطينية، على خلفية التضارب بين سياسات"فتح"و"حماس"، والتنازع على الصلاحيات بين مؤسستي رئاسة السلطة والحكومة، التساؤل عن امكان انزلاق هذه الساحة نحو الحرب الأهلية، بكل تداعياتها المأسوية على الشعب، ومخاطرها على قضيته الوطنية، لا سيما في ظل طغيان الأجهزة الأمنية، وفلتان السلاح في الشارع، وسيادة الروح الشعاراتية والغريزية في العمل الفلسطيني.
هكذا فإن الاضطرابات التي شهدتها هذه الساحة، والتي تضمنت قيام قيادات"حماس"و"فتح"بتصعيد الوضع، عبر تبادل حملات التحريض وتجييش الشارع، أثارت مخاوف جدية من إمكان انفلاش الأحوال، وسيادة نوع من الاحتراب الداخلي، لكسر التعادل في القوى بين هاتين الحركتين الرئيستين في الساحة الفلسطينية، وأيضا لحسم الازدواجية في السلطة بين مؤسستي الرئاسة والحكومة. وما يعزز من هذه المخاوف واقع ضمور الفصائل الأخرى، وغياب قدرتها على ضبط التنازع بين"حماس"و"فتح"، اللتين أصبحتا تتقاسمان النفوذ في الساحة الفلسطينية، على المستويين الرسمي والشعبي.
وفي الواقع فإن الخلافات الفلسطينية، التي بلغت وللأسف حدّ الاحتكام الى السلاح، فائضة عن الحاجة، و"ترف"، أو بالأحرى، انحراف، كان الفلسطينيون في غنى بالكامل عنه، إذ يكفي هؤلاء ما يحيق بهم، من بلاوي التشرّد والاحتلال والحرمان والحصار، وأعمال القمع والبطش، التي تنتهجها إسرائيل ضدهم، هذا بالإضافة إلى تعثّر وانهيار مشاريعهم، سواء المتعلقة بالانتفاضة والمقاومة، أو بالمفاوضة والتسوية،على رغم كل التضحيات والمعاناة التي يبذلونها منذ نصف قرن.
والمؤسف في التقاتل الحاصل أنه يأتي بمبادرة من جماعات تنتمي إلى أكبر حركتين فلسطينيتين "فتح"و"حماس"، وأنه نشب عقب نجاح الساحة الفلسطينية في تمرير الاستحقاق الانتخابي، وما نجم عنه من تداول للسلطة، بين هاتين الحركتين، لكأن الفلسطينيين يقوضون بأيديهم أي إنجاز يحققونه بدمهم وعرقهم وعمرهم! والمؤسف أكثر أن التصارع بين هاتين الحركتين إنما يتم على سلطة ما زالت تستمد سلطتها من الاحتلال ذاته، الذي مازال يسيطر على حياة الفلسطينيين وأراضيهم ومصيرهم!
ويمكن الاستنتاج هنا أيضا بأن سياسات إسرائيل وممارساتها القمعية والقهرية مسؤولة عن تكريس انتهاج الفلسطينيين للعنف حتى في ما بينهم، كما لا يمكن استبعاد نوع من عمل استخباراتي إسرائيلي، في تأجيج حال الاحتقان والاقتتال في الساحة الفلسطينية، بحكم سيطرة إسرائيل على مختلف جوانب الحياة لدى الفلسطينيين، وضمن ذلك قدرتها على استمرار تأزيم هذه الساحة، بشكل مباشر وغير مباشر.
لكن مع ذلك ينبغي الاعتراف أيضا، بأن ثمة مصادر أخرى لهذا العنف، تنبع من المجتمع الفلسطيني ذاته، من نمط بناه وعصبياته التقليدية القبلية العائلية والعشائرية والمناطقية، وعلاقاته الداخلية الأبوية، وخلفياته الفكرية والتربوية، كما من نظامه السياسي، الذي يعاني من تآكل للشرعية المؤسسية والقانونية وثقافة العلاقات الديموقراطية.
هكذا فإن الأنكى من هذا التقاتل هو أن ثمة قابلية مضمرة له، في الثقافة السياسية السائدة، وفي طبيعة علاقات القوى الفلسطينية، التي تطغى عليها الصبغة الميليشياوية المسلحة، وتقديس ثقافة العنف، وضعف الوعي بالتعددية والتنوع في مشروع التحرر الوطني.
لكن مع كل هذه الحقائق فإن توصيف ما يجري بين الفلسطينيين بمصطلحات الحرب الأهلية هو بعيد عن الواقع تماما، لأن الحرب الأهلية تتأسّس على الافتراق بين كتل اجتماعية تكونت تاريخيا، على حامل طائفي ديني أو اقتصادي طبقي أو إثني قومي، وكل ذلك غير متوفر في الحال الفلسطينية، التي تشهد مجرد خلاف سياسي/ شعاراتي، يتمحور حول الصراع على السلطة.
يستنتج من ذلك أن الساحة الفلسطينية محصّنة على الأرجح ضد الحرب الأهلية، ليس بسبب النيات الطيبة لهذا الفصيل أو ذاك، على أهمية ذلك، وإنما، أولاً، بسبب عدم وجود قوى اجتماعية مختلفة أو متفارقة على خلفيات طبقية أو إثنية أو دينية، وثانياً، بسبب توحّد الفلسطينيين في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي وسياساته العدوانية والعنصرية.
على ذلك فإن الاحتراب الداخلي الفلسطيني يفتقد للصبغة الأهلية الشعبية، وهو مجرد احتراب بين جماعات سياسية محترفة تتنازع على السلطة، أو على ماهية المشروع السياسي المطروح. ومع ذلك فإن هذا النوع من الاحتراب مدمر لكل الأطراف، وللقضية الوطنية، وهو يؤدي إلى استنزاف طاقات الشعب وإنهاكه، وصرفه عن مواجهة التحديات الحقيقية التي تعترضه، فضلا عن أن هكذا احتراب يبيّن استهتار الأطراف القائمة به بتضحيات الشعب ومعاناته.
على أية حال فإن الساحة الفلسطينية لم تكن بحاجة البتّة إلى هذه الموجة من التقاتل الداخلي بين الجماعات المسلحة، لأن هذا التقاتل يؤدي إلى موت السياسة، وأفول مشروع التحرر الوطني ذاته، لصالح التناحر بين جماعات أو عصبيات لا تمتّ بصلة لهذا المشروع.
لا بديل مناسباً للفلسطينيين إلا بالتوافق عبر الحوار، على اعتماد خيار إقامة حكومة ائتلاف وطني، أو حكومة مستقلين من شخصيات وطنية ذات كفاءة، وفي حال تعذر ذلك التوجه نحو الشعب، عبر اعتماد خيار اللجوء الى انتخابات مبكرة، رئاسية وتشريعية في آن واحد معا، لحسم واقع التعادل وازدواجية السلطة، بين"فتح"و"حماس"، وتقرير الخيار الذي تجمع عليه غالبية الشعب الفلسطيني. أما البدائل الأخرى من نوع الحوار إلى الأبد أو النزول إلى الشوارع، فهي لن تزيد الأزمة إلا احتقانا واشتعالا.
* كاتب فلسطيني


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.