الإنجازات الأمنية على طاولة نائب أمير الرياض    المياه الوطنية وصندوق الشهداء يوقعان اتفاقية تعاون    الذهب إلى مستويات قياسية.. والأسهم الآسيوية الأعلى في أربع سنوات    سوق الأسهم يغلق مرتفعًا عند (10518) نقطة    الحفاظ على «الأوزون».. استراتيجيات واتفاقيات    مجلس الوزراء يجدد إدانته اعتداءات الاحتلال في المنطقة ويؤكد دعم قطر    وزير الدفاع يلتقي مسؤولاً إيرانياً.. وقائد القيادة المركزية الأميركية    «الشورى»: الخطاب الملكي جسّد ثوابت سياسة المملكة الخارجية الراسخة    الغرامة بانتظار ممارسي الصيد دون ترخيص    قطر: نتنياهو لن يفلت من تبعات خرق القانون    لندن وصفته بالمتهور.. أوروبا تطالب الاحتلال بوقف هجومه على غزة    التوعية بحق الآخر    «الأرصاد» يعزز الوعي المجتمعي ب «هاوي»    في ختام الجولة الأولى بنخبة آسيا.. الهلال يقلب الطاولة على الدحيل القطري    دوري أبطال أوروبا| ريال مدريد يعبر مارسيليا بثنائية مبابي    في بداية مشواره بدوري أبطال آسيا الثاني.. النصر يستضيف الاستقلال الطاجيكي    «أليانتس أرينا» يعيد التاريخ بين بايرن والبلوز    بناء صورة جديدة للمملكة    الصناعة تتوج بجائزة التميز    نزاع على تصميم ينتهي ب«التعويض والسحب»    مصادرة 400 كجم لحوماً فاسدة بتبوك    مجلس الوزراء يوافق على وثيقة مشروع تخصيص مصنع الملابس والتجهيزات العسكرية    وفاة 5 أشخاص وإصابة 2 آخرين إثر حادث انقلاب مركبة في جازان    إعطاء أفضلية المرور.. تحقيق للسلامة المرورية    «فبراير الأسود» يعيد القصبي للدراما    «العرضة» على شاشة الثقافية اليوم الأربعاء    سفاسف (الظهور)..!    هل ستستمر مواقع التواصل الاجتماعي؟    وجهة نظر في فلاتر التواصل    خطبة الجمعة المقبلة.. وحدة الصف ونعمة الأمن والرخاء ورغد العيش    قطرات عين ثورية بديلة عن النظارات    شاشة تفاعلية في موسم تمور الأحساء    Guinness توثق أكبر طبق جولوف    %44 من شركات إنتاج الروبوتات يابانية    يوم النخيل العربي    انتظر في حسرتي لين الغياب    ماكل هرج نسمعه نستمع له ولا كل من وصِي على الطيب طابي    نشاط بركاني طويل على القمر    غوتيريش: الوضع في غزة «مروع»    31.6% نمو متوقع بصادرات المملكة لدول الخليج    اللصقات الهرمونية أنسب لمرضى السكري    وجبة دهون واحدة تضعف الذاكرة    الهلال يبدأ مشواره في دوري أبطال أسيا للنخبة بالفوز على الدحيل    "وزير الشؤون الإسلامية" يوجّه خطباء الجوامع للحديث عن نعم الوطن ووحدة الصف في خطبة الجمعة القادمة    خطى ثابتة لمستقبل واعد    ولي العهد يستقبل أمين مجلس الأمن القومي الإيراني    مستشفى قوى الأمن بالدمام يحصل على المركز الأول في جائزة أداء الصحة بمسار الأمومة والطفولة    40 طبيبا يبحثون أحدث طرق علاج أمراض الدم بالمدينة    بيئة الرياض تتلف 3 أطنان من اللحوم غير الصالحة وتضبط 93 مخالفة في سوق البطحاء    النقل تفرض غرامات وحجز المركبات غير النظامية    محافظ الأحساء يكرّم مواطنًا تبرع بكليته لأخيه    إطلاق مبادرة تصحيح أوضاع الصقور بالسعودية    الإسراف وإنفاق ما لا نملك    متقن    أمير القصيم يزور محافظة البدائع ويلتقي المواطنين ويطلع على مشاريع تنموية تفوق 100 مليون ريال    جامعة الملك سعود تُنظّم الندوة العالمية لدراسات تاريخ الجزيرة العربية    المواطن أولا رؤية وطن تتجدد حتى 2030    نائب أمير تبوك يستقبل مدير عام فرع الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالمنطقة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عن التيار القومي العربي والعودة إلى الديموقراطية
نشر في الحياة يوم 25 - 09 - 2005

قاد التيار القومي العربي الأمّة بعد الحرب العالمية الأولى، وارتبط هذا التيار آنذاك بالديموقراطية، واقام تجارب ديموقراطية في مختلف الدول التي تكونت آنذاك: العراق وسورية ولبنان والأردن... إلخ، وكانت التجربة الأبرز في العراق، الذي استقل مبكراً في عام 1932، والذي أصبح غنياً باستخراج النفط من أرضه، وكان القصد من تلك التجارب تحقيق بعض صور العدل السياسي، لكن لم يتحقق شيء من ذلك، فلم ينجح التيار القومي العربي في إرساء النموذج الديموقراطي، ولا تقديم نموذج عادل للحكم، ونستطيع أن نذهب إلى أبعد من ذلك فنقول: إنه لم يغرس أية تقاليد أو أعراف يُبنى عليها في مجال العدل السياسي، ثم زالت كل تلك التجارب بعد سلسلة الانقلابات التي وقعت في الخمسينات في مصر والعراق وسورية ...إلخ.
ارتبط التيار القومي العربي بالاشتراكية في الستينات، وعمّ التزاوج بين التيارين القومي العربي والاشتراكية في معظم أنحاء الوطن العربي، وقامت زعامات ودول وأحزاب وبرامج على هذا التزاوج، شمل كلاً من مصر والعراق وسورية واليمن والجزائر والصومال والسودان ...إلخ، وكان القصد من التوجه الاشتراكي إقامة العدل الاقتصادي وتوزيع الثروة، وإزالة الفقر وإنهاء التباين الاقتصادي، لكن شيئاً من ذلك لم يتحقق، بل كانت الاشتراكية وبالاً على الأمة في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية ...إلخ، فقد قامت ديكتاتوريات من أعتى ما عرفه التاريخ العربي باسم الطبقة الكادحة وبدعوى ديكتاتورية البروليتاريا، وعمّ الفقر مختلف طبقات الشعب، وانحصرت السلطة والثروة بأيدي الأسر الحاكمة ورجال المخابرات، وتفككت الأمة وبرزت الروابط الطائفية والمذهبية كملاذ أخير هرباً من الضياع الذي أفرزه الاستبداد.
والسؤال الآن: لماذا لم ينجح التيار القومي العربي في إرساء قواعد العدل السياسي أو الاقتصادي في المجتمعات التي حكمها مع أنه استدعى الديموقراطية والاشتراكية من أجل تحقيق ذلك؟ لماذا لم ينجح التيار القومي العربي في إرساء أية تقاليد ديموقراطية أو اشتراكية كما حدث مع شعوب أخرى في شرق آسيا وأميركا اللاتينية عند تطبيقها للديموقراطية أو الاشتراكية؟ السبب في ذلك هو أن الفكرة القومية العربية التي يستند إليها التيار القومي العربي فكرة لا تملك الحد الأدنى من المعقولية، ولا تقوم على أي أساس واقعي، فالتيار القومي العربي يزعم أنه الأمة الموجودة بين المحيط والخليج أمة عربية، تقوم على عنصري اللغة والتاريخ، والحقيقة أنه ليست هناك أمة عربية تقوم على هذين العنصرين، بل هناك أمة تقوم على الدين الإسلامي، وهذا ما أدى إلى أن تكون القومية العربية فقيرة ثقافياً، بسبب استبعادها لعنصر الدين من تكوين الأمة الموجودة من المحيط إلى الخليج، والذي لا مبرر له إلا المماثلة بين القومية العربية والقومية الغربية التي تقوم على معاداة الدين. ولم ترتكب القيادات القومية هذا الخطأ وحده في صياغة مضمون الفكر القومي العربي، بل مارست دوراً خاطئاً على صعيدين: سياسي وثقافي، فعلى الصعيد السياسي، حاولت أن تقيم الوحدة السياسية التي لم تتحقق في التاريخ الماضي إلا في فترات محدودة، فكان عليها أن تدعو إلى صيغة سياسية فيديرالية تناسب الحاضر وتلائم الماضي. وعلى الصعيد الثقافي، مارست القيادات القومية تمزيقاً وإضعافاً للوحدة الثقافية من خلال النقل الحرفي لمضمون الحضارة الغربية في مختلف المجالات: الفكرية والتربوية والاجتماعية... إلخ، والسبب في ذلك هو الفقر الثقافي في مضمون القومية العربية الذي أشرنا إليه سابقاً.
إن عدم امتلاك الفكر القومي العربي للحد الأدنى من المعقولية، والفقر الثقافي الذي تعاني منه فكرة القومية العربية، وممارسة القيادات القومية الخاطئة على الصعيدين: السياسي والثقافي هو الذي عطل مشاريع النهضة خلال القرن الماضي، وهو الذي أوصل الأمة إلى الأزمة الحالية على كل الصعد السياسية والاجتماعية والاقتصادية والتربوية والفكرية... إلخ.
والآن: هل مارس التيار القومي العربي نقداً ذاتياً؟ هل راجع بنية الفكر القومي العربي؟ هل أعاد النظر في العوامل التي يقوم عليها بناء الأمة؟ الحقيقة لا، إنه لم يمارس نقداً ذاتياً، ولم يراجع أطروحاته وآراءه وأفكاره، إنما هو يعيد الآن ترتيب أوراقه من جديد، لعله يلعب دوراً قيادياً بالنسبة لجماهير الأمة كالماضي، وهو من أجل تحقيق ذلك يقوم بعملية مزدوجة ذات شعبتين:
الأولى: المصالحة بين التيار الإسلامي: أقام التيار القومي العربي مصالحة مع التيار الإسلامي، بدعوى أنه لا تعارض بين العروبة والإسلام، وأن التصادم السابق بين التيار القومي العربي والإسلامي خلال الخمسينات والستينات، كان خطأ يتحمل مسؤوليته الغلاة من الطرفين وأن التيارين يكملان بعضهما، وهو يقصد من هذه المصالحة استعادة جانب من شعبيته التي خسرها بعد نكسة عام 1967، وتبلورت هذه المصالحة بين التيار القومي العربي والتيار الإسلامي في المؤتمر القومي الإسلامي الذي عقد دورته الأولى في عام 1994، ويتطلع التيار القومي العربي إلى إرساء معالم مشروع حضاري، من خلال لقائه مع التيار الإسلامي، وليس تحقيق أهداف سياسية فقط، وهو في هذا يعيش وهماً عميق الغور، والسبب في ذلك أن أي مشروع حضاري لا بد من أن يمتلك أفكاراً متسقة، وهو لا يحقق الحد الأدنى من الاتساق عندما يجمع القومية العربية بمضمونها الحالي مع حقائق الدين الإسلامي، فالقضية ليست قضية العروبة والإسلام كما يتصور التيار القومي العربي، فلم يكن هناك أي تصادم بين العروبة والإسلام في أية مرحلة تاريخية ماضية، بل كان الإسلام حاضناً للعروبة بمعناها الثقافي في كل المراحل التاريخية السابقة.
الثانية: العودة إلى الديموقراطية: رفع التيار القومي العربي شعار الديموقراطية وضرورة تطبيقها في واقعنا العربي، ويتضح ذلك في الندوات التي أقامها، والكتب والدراسات التي أصدرها أبرز ممثلين للتيار القومي العربي، وهما: مركز دراسات الوحدة العربية، والمؤتمر القومي العربي، فهل سينجح في إحياء الديموقراطية وفي إقامة العدل السياسي؟ لا أظن أنه سينجح في ذلك، حتى لو افترضنا صدق النية وبذل أقصى الجهد في السعي لتحقيق الديموقراطية، والسبب في ذلك الأفكار القومية التي يستند إليها التيار القومي، وهي ? في ما أرجّح ? الأفكار التي حالت دون أي نجاح للتجربتين: الديموقراطية والاشتراكية، وهي التي حالت دون أن تترسخ أية تقاليد سليمة يبني عليها اللاحقون من أبناء الأمة في مجالي العدل السياسي والاقتصادي في القرن الماضي.
* كاتب فلسطيني.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.