نشرت مجلة"برايفت آي"الساخرة في عددها الذي يحمل تاريخ 21 من هذا الشهر"خبراً"تحت صورة للرئيس بوش في ثياب كهنوتية عنوانه"رسالة من المحترم دوبيا بوش، قس كنيسة اغبياء اليوم الأخير". وكان"الخبر"مملوءاً بأغلاط من النوع الذي اشتهر الرئيس الأميركي بارتكابه، وركز على تدين الرئيس ومعه رئيس وزراء بريطانيا توني بلير. وباختصار فقد جاء في الخبر:"ايها الأخوة والأخوات في إنكلترا العظمى اننا نواجه صعوبات غير اننا لسنا اخوة انهزاميين. نحن نشكر القس تايني بلوم يقصد بلير على دعمه لنا ضد الشر، وأقول ان على القس بلوم ألا يتوقع مني أي خدمات في المقابل، خصوصاً في الأمور غير المهمة مثل قرب تدمير العالم بالنار والكبريت. وكما هو مكتوب في الكتاب المقدس: اذا عرض عليك جارك معطفه، فخذه واهرب...". المجلة كانت تعلق على طريقتها على رفض بوش مساعدة بلير في خطته لمكافحة الفقر في افريقيا, وعلى وقوفه وحيداً ضد الدول السبع الأخرى في القمة برفض أي اتفاق على خفض بث الغازات في الجو التي تزيد الحرارة، مع خطر ذلك على العالم كله. الرئيس بوش وجد الإيمان من طريق المبشر بيلي غراهام الذي اختتم الشهر الماضي عمراً في التبشير بالصلاة في نيويورك بحضور مئات الألوف، مع ملايين اخرى عبر التلفزيون. وقرأت ان غراهام صلى طوال حياته بحضور 200 مليون شخص في 180 بلداً مختلفاً أذكر انه زار لبنان في الخمسينات وصلى في خيمة نصبت حيث يقوم مبنى الستراند في شارع الحمراء الآن. الولاياتالمتحدة بلد متدين على طريقة العالم الثالث، وقد اظهر كل استطلاع ديني فيها ان نسبة المؤمنين من مستوى نسبتهم في بلاد مثل المكسيكولبنان والدول الإسلامية لو انها شملت بالاستطلاعات. وبين يدي استطلاع من الشهر الماضي يظهر ان معدلات الإيمان في الولاياتالمتحدة تزيد ثلاثة اضعاف عليها في اوروبا الغربية. الإيمان طيب، ولكن هناك فصل واضح بين الدولة والدين في الولاياتالمتحدة، وثمة كلمات للرئيس الأميركي الثالث توماس جيفرسون يستشهد بها الجميع هي"جدار من الفصل بين الكنيسة والدولة". مع انتخاب جورج بوش رئيساً بفضل قاعدته من التبشيريين المتجددين ارتفعت مطالبات بالعودة الى الدين, وهذا جميل ايضاً إلا انه يخالف القانون. ولعل من القراء من سمع ان قاضياً كبيراً في ألاباما عزل بعد اصراره على وضع الوصايا العشر داخل محكمته. ووصل الأمر الى المحكمة العليا الأميركية التي أصدرت حكماً مختلطاً يسمح بأشياء ويمنع اشياء اخرى، من دون اخلال بقاعدة الفصل بين الدين والدولة. ما يهمني من الموضوع ليس التدين، فأنا من اكثر مناطق العالم تديناً، وإنما التطرف، فهذا ادى الى انتشار ظاهرة الإرهاب بين عرب ومسلمين. ولا أتصور ان المتدينين المتطرفين الأميركيين سيمارسون الإرهاب كما نعرفه، فعندهم دولة تحارب نيابة عنهم. ومجلة"براينت آي"نشرت في العدد نفسه صورة لبلير وبوش معاً، والأول يقول"نستطيع ان نقهر الفقر"والثاني يرد"ارني اين الفقر وسأرسل قوات لاجتياحه". اقول مع الإمام علي"لو كان الفقر رجلاً لقتلته"وأركز على خطر التطرف في أي بلد، وبيلي غراهام يعتبر، وقد غلبه المرض، من اعلام اميركا، مع ان من المعروف عنه انه عندما اعتقد بأنه يتحدث وحده مع ريتشارد نيكسون قال كلاماً لا سامياً من نوع ان اليهود في الولاياتالمتحدة يسيطرون على وسائل الإعلام، وأنهم مسؤولون عن الفحش والانحلال في السينما والتلفزيون. ولا يزال بيلي غراهام يعتذر لليهود عن خطأه، وهو على الأقل افضل من ابنه فرانكلن الذي وصف الإسلام بأنه"دين شرير"بعد ارهاب 11/9/2001، وزاد كلاماً لا يصلح للنشر. الابن سيخلف اباه المريض بعد رحيله في حملاته الدينية، وأرجو ان يعتذر من المسلمين كما اعتذر الأب من اليهود. وعلى الأقل فالرئيس بوش كان دائماً افضل من قاعدته، وقد تحدث في شكل ايجابي وطيب عن الإسلام، وفرق بين المسلمين والإرهابيين. وفي جميع الأحوال، فالمبشرون المتجددون ليسوا كل المسيحيين في الولاياتالمتحدة او خارجها، والكنيسة الأنغليكانية او كنيسة انكلترا، اتخذت اخيراً قراراً بعدم الاستثمار في شركات تؤيد احتلال اسرائيل اراضي الفلسطينيين. وأقر المجلس الاستشاري للكنيسة بالإجماع مشروع قرار عملت لإصداره شبكة السلام والعدالة التابعة للكنيسة، وأيده المطران روان ويليامز، رئيس اساقفة، كانتربري، أي رئيس الكنيسة التي تعتبر الملكة اليزابيث رئيستها العليا. وتضم هذه الكنيسة 75 مليون شخص في 38 منطقة من العالم، أي انها وحدها اكبر من مجموع التبشيريين المتجددين من انصار جورج بوش الذين يقدر عددهم بنحو 50 مليوناً. وكانت الكنيسة المشيخية سبقت الأنغليكانيين باتخاذ قرار السنة الماضية بوقف الاستثمار في شركات تساعد الاحتلال الإسرائيلي. وانتقدت الكنيستان شركة كاتربيلر لأن جرافاتها تستخدم في هدم بيوت الفلسطينيين. وكما حدث مع الكنيسة المشيخية، فقد انتقد زعماء اليهود حول العالم قرار الكنيسة الأنغليكانية، وقالوا انه لا يساعد السلام. الواقع ان دفاعهم عن اسرائيل هو الذي لا يساعد السلام، بل يشجع مجرم الحرب آرييل شارون والمتطرفين حوله على ارتكاب مزيد من الجرائم ضد الفلسطينيين. وهناك من اليهود من يرى مثل هذا الرأي فحملة مقاطعة الجامعات الإسرائيلية اطلقها بروفسور يهودي - بريطاني وزوجته، لا اساتذة مسلمون او مسيحيون، ويجب ان نتذكر هذا دائماً، وحكومة شارون لا تستطيع ان تخدع كل الناس كل الوقت. جهاد الخازن