في دورته ال 26 التي عقدها بعد رحيل الرئيس ياسر عرفات، حدد المجلس الثوري ل"فتح"يوم 4 آب اغسطس، موعداً لانعقاد المؤتمر السادس للحركة. في حينه، لم استوعب الحكمة في تأخير عقد المؤتمر الى ما بعد الانتخابات التشريعية، التي توافق وطنياً على عقدها في 17 تموز يوليو. فتحضير الأوضاع الذاتية لخوض المعارك الانتخابية، أحد أهم وظائف المؤتمرات الحزبية، كما أعرف. وضمنها: إقرار البرنامج الانتخابي، ووضع قواعد التحالفات وتشكيل القوائم الانتخابية مع القوى، وتحديد أسس اختيار المرشحين، ووضع خطة قادرة على حشد طاقات التنظيم وجمهوره في المعركة الانتخابية... الخ. وعند الاستفسار، فوجئت بأن موعد مؤتمر"فتح"حدد في لحظة انفعال عاطفي ومن دون نقاش. وحسم الأمر بسرعة عندما اقترح أحد أعضاء المجلس الثوري، بصوت عال، أن تكون ذكرى ميلاد القائد المؤسس ابو عمار، موعداً لعقد المؤتمر. وصفق الآخرون، واعتبر التصفيق تصويتاً وتحول الاقتراح الى قرار. وشكل المجلس، في حينه، لجنة تحضيرية برئاسة عضو لجنة مركزية لمتابعة التنفيذ. وعلى رغم ضخامة المهمة وضيق الوقت، لم تعط اللجنة التحضيرية المسألة الاهتمام المطلوب. وتعاملت معها حسب التقاليد الفتحاوية والفلسطينية التي كانت متبعة في عهد عرفات، حيث كانت اللجان والهيئات القيادية الأساسية والفرعية الفتحاوية لجنة مركزية، المجلس الثوري، لجنة التعبأة والتوجيه، اللجنة المالية، واللجنة الفكرية... الخ، عاطلة عن العمل ومشلولة عن الحركة، وكان تكليف الهيئات والأفراد لا يعني المبادرة في الشغل، بل التيقن أولا من رغبة الرئيس، والتحقق من نيته، وانتظار اشارته وتوجيهاته. وبعد ستة شهور من تلك الدورة، عقد المجلس الثوري ل"فتح"مطلع حزيران يونيو الجاري، دورته السابعة والعشرين قبل ان تتحرك اللجنة التحضيرية خطوة على طريق عقد المؤتمر. واضطر المجلس الثوري الى تأجيل موعد المؤتمر الى أجل غير مسمى، ولأسباب غير مقنعة لم يثبت تاريخاً جديداً. وتقرر"اعادة تشكيل اللجنة التحضيرية"وكلفت بإعداد تقرير شامل عن الأوضاع التنظيمية في الداخل والخارج. وحدد النصف الثاني من شهر حزيران الجاري، موعداً لبحث التقرير في اجتماع كامل لاعضاء اللجنة المركزية ل"فتح"يعقد في عمان. ولم يبت المجلس الثوري في مسألة المرشحين"الفتحاويين"للمجلس التشريعي، ولم يحدد تواريخ لاجراء الانتخابات التمهيدية الداخلية الفتحاوية"البرايمريز". ولأسباب غير مقنعة ايضاً، قرر المجلس الثوري تأجيل الانتخابات التشريعية ولم يحدد سقفاً زمنياً لهذا التأجيل، ونسي أعضاء المجلس، أو تناسوا، ان هذه الانتخابات مسألة وطنية عامة، والاعتبارات الوطنية لا تبيح لطرف واحد التفرد بالقرار بشأنها. والاعتبارات ذاتها تفرض أن يتم تأجيل الموعد، اذا كان لا بد منه، بالتشاور والتوافق بين القوى الوطنية والاسلامية كما تم تثبيته. وأظن ان رئيس السلطة تسرع واصدر المرسوم الرئاسي، اللازم قانونياً لشرعنة التأجيل، ولم يفكر في الاستناد، بجانب صلاحياته الدستورية، الى قرار وطني يصدر عن هيئات قيادية، مثل تنفيذية منظمة التحرير ومجلسها المركزي. وبغض النظر عن الأسباب الذاتية، أو الموضوعية، التي دفعت المجلس الثوري الى تأجيل انعقاد مؤتمر الحركة، وتأجيل الانتخابات التشريعية، فإن قراراته أثارت في الشارع الفلسطيني علامة استفهام حول الدوافع الحقيقية للتأجيل. ومست بمصداقية"فتح"، ومصداقية رئيس السلطة في أوساط القوى السياسية الوطنية والاسلامية، وفي ميدان العلاقات العربية والدولية، خصوصاً ان"ابو مازن"رفض فكرة التأجيل علناً، وظل يؤكد بالصوت والصورة على اجراء الانتخابات في موعدها، وأبلغ موقفه الى جميع العواصم العربية والاجنبية التي زارها. الى ذلك، جاء رد الناطق الرسمي باسم المجلس الثوري ل"فتح"على مواقف القوى التي عارضت التأجيل، وزاد في الطين بلة، وقدم للناس عذراً أقبح من ذنب. وزاد في قلقهم حول مستقبل العلاقات الوطنية ومستقبل المجلس التشريعي. وكرس البيان، التوضيحي، الموقف التأجيلي الخاطئ الذي تبنته غالبية كتلة"فتح"في التشريعي، ووفر البيان لهم غطاء حزبياً وحمّل"فتح"وزر التقصير. وبدلاً من تحميل المجلس التشريعي مسؤولية المماطلة في انجاز قانون جديد للانتخابات، يعتمد النظام الانتخابي المختلط مناصفة بين النسبي والدوائر، كما توافقت القوى في القاهرة، حمّل الناطق باسم المجلس الثوري"حوار القاهرة"المسؤولية وقال ان"حركة فتح حرصت على تأجيل الانتخابات انطلاقاً من تمسكها بالاتفاق الصادر عن حوار القاهرة الذي اعتمد النظام الانتخابي مناصفة". ولم يبين الناطق أسباب عدم تبني"الفتحاويون"في المجلس هذا الاتفاق. وتجاهل انهم الذين عطلوا اقرار القانون الجديد، وانهم رفضوه رسمياً، على رغم معرفتهم ان المناصفة بين القوائم النسبية والمناطقية، اقتراح قدمه وفد"فتح"في القاهرة وكان على رأسه رئيس السلطة محمود عباس. وبصرف النظر عن النيات، اعتقد بأن قيادة"فتح"لجنة مركزية ومجلس ثوري ارتكبت خطأ تكتيكياً فاحشاً عندما قررت تأجيل الانتخابات، خصوصاً ان قرارها تم من دون تشاور مع الآخرين، وانها ترتكب خطأ استراتيجياً كبيراً وخطيراً، اذا ربطت موعد الانتخابات التشريعية بانعقاد المؤتمر السادس للحركة وترتيب اوضاعها الداخلية، او بتنفيذ شارون خطة"الانسحاب من غزة. فمثل هذا الربط يلحق أضراراً فاحشة بالمصالح الفلسطينية العليا، ويضع فكرة الانتخابات التشريعية في مهب الريح. ويسهل على اليمين الاسرائيلي هدفه في إفشال الانتخابات التشريعية الفلسطينية، خصوصاً بعد قرار قيادة"حماس"المشاركة فيها. وشارون وأركانه لا يخفون قلقهم من مشاركة"حماس"في الانتخابات، ليس بسبب احتمال حصولها على نسبة مهمة من مقاعد المجلس التشريعي، بل وأيضاً لأنهم يعتبرون المشاركة خطوة أولى للظهور أمام الرأي العام العالمي في صورة جديدة تساعد في ازالة صفة"المنظمة الارهابية"عن حماس. لا جدال في حق حركة"فتح"في ترتيب أوضاعها الداخلية ومعالجة أزمتها المعقدة، التي تفاقمت وزادت تعقيداً بعد رحيل عرفات. ولا أحد ايضاً ينكر عليها حقها في عقد مؤتمرها العام، وحقها في اتخاذ أية خطوات تنظيمية أخرى تراها ضرورية لاعادة تنظيم صفوفها على أبواب الانتخابات التشريعية. لكن السؤال الوطني المطروح على"ابو مازن"وقيادة"فتح"هو: هل يمكن لقيادة"فتح"انجاز هذه المهمات من دون المس بالانتخابات التشريعية العامة وبالعلاقات الوطنية؟ وبصراحة اكثر، هل سويت الاشكالات التي حالت حتى الآن دون عقد الاجتماع الكامل للجنة المركزية؟ وهل سيعقد الاجتماع المنشود في موعده في عمان أم يتكرر التأجيل؟ وهل سينجح الاجتماع، اذا عقد، في تذليل العقبات أم انه قد يتحول الى مفجر للأزمة الداخلية المزمنة؟ واذا نجح اجتماع المركزية المرتقب في ترطيب الأجواء، فهل ستنجح"فتح"في عقد مؤتمرها السادس قبل نهاية العام مثلا، ام ان عقبات كثيرة وكبيرة تحول دون عقده، وازالتها من الطريق تحتاج زمناً أطول بكثير؟ وهل عقد المؤتمر يحافظ على وحدة"فتح"، ام ان انعقاده قد يكون سبباً في تشرذم"فتح"، وتعطيل الانتخابات التشريعية ودخول النظام السياسي الفلسطيني في المجهول؟ لا شك في أن مصارحة قيادة"فتح"وكوادرها مهمة وطنية لا تحتمل التأجيل، ولا مبالغة في القول ان"فتح"تحولت بعد اتفاق اوسلو وقيام السلطة، من حركة وطنية كان مقياس الانتماء اليها والانخراط في صفوفها، هو النضال من أجل الحرية والاستقلال، الى"حزب السلطة"ينتمي كثيرون اليه لتحقيق مآرب شخصية متنوعة. وغزت"فتح"ظواهر خطيرة مثل الفساد والصراع على السلطة، وتحملت وزر أخطاء وسلبيات أجهزة السلطة وتقصيرها. وتحولت في نظر غالبية الفلسطينيين من حركة وطنية مكافحة ضد الاحتلال الى سلطة عاجزة وظيفتها تنظيم العلاقة مع اجهزته الأمنية والادارية. وفي آخر عشر سنوات من حياة عرفات، تحولت"فتح"من حركة تحرر لها نظام داخلي ينضبط الجميع لقوانينه، الى حركة"الزعيم"ينضبط الجميع لأوامره وقراراته الشخصية فقط. والكل يعرف ان"الناصرية"حزب"الزعيم"عبدالناصر، ظهرت بقوة على مسرح السياسة العربية في خمسينات وستنيات القرن الماضي وتآكلت وتلاشت بعد رحيل عبدالناصر. الى ذلك، يخطئ من يعتقد بأن تأجيل الانتخابات التشريعية الى ما بعد"الانسحاب"من قطاع غزة، يحسن فرص"فتح"في الفوز بمقاعد أكثر في المجلس التشريعي. واعتقد بأن سياسة التأجيل لا تغير في النتائج المتوقعة بل قد تزيد في الخسائر، وخير ل"فتح"فقدان بعض مقاعد المجلس التشريعي من تحمل وزر تعطيل الانتخابات وما ينجم عن ذلك من مضاعفاته الوطنية. وفي جميع الحالات لا خيار أمام"ابو مازن"سوى حسم الموقف، ودرء تهمة التسبب في تعطيل الانتخابات. وممارسة صلاحياته الدستورية، وتحديد موعد نهائي للانتخابات والزام الجميع بالتوجه نحو صناديق الاقتراع قبل نهاية العام الجاري، والاحتفال في ذكرى انطلاقة"فتح"في 1/1/2006 بانتصار الديموقراطية، حتى اذا فقدت"فتح"الغالبية المطلقة في المجلس التشريعي. كاتب فلسطيني، رام الله.