خطت المعارضة اللبنانية من خلال تسميتها نجيب ميقاتي لتشكيل الحكومة الجديدة التي بدأت المشاورات لتأليفها، خطوة مهمة على طريق الانخراط في اللعبة السياسية من الباب الواسع سعياً لإخراج لبنان من حال التأزم، على قاعدة اقرارها ببدء الفترة الانتقالية التي يفترض فيها تمهيد الطريق امام الولوج في مرحلة جديدة. ويعتبر متابعون للوضع السياسي ان المعارضة احسنت التصرف في تعاملها مع التطورات المستجدة فور اعتذار الرئيس عمر كرامي عن عدم تشكيل الحكومة الجديدة، ولعبت دور الشريك الأساسي في تسمية ميقاتي الى جانب بعض القوى في الموالاة وعلى رأسها كتلة النائب سليمان فرنجية فيما تعرض الأطراف الآخرون في لقاء عين التينة الى انتكاسة سياسية جديدة هي الثانية بعد الأولى التي كانت وراء عزوف كرامي عن عدم تأليف الوزارة. واستطاعت المعارضة الحفاظ على وحدتها على رغم ان ثلاثة نواب فيها هم نايلة معوض، مصباح الأحدب وبطرس حرب كانوا ابدوا تحفظاً عن تسمية ميقاتي بينما لم تتمكن الموالاة من اعادة تجميع صفوفها تحت وطأة اعتذار كرامي الذي اتهم قوى فاعلة فيها بأنها دفعته الى الاعتذار في ضوء شعوره بأن ما اصابه طوال فترة الاتصالات لتأليف الوزارة كان اصاب الرئيس الشهيد رفيق الحريري الذي اضطر الى الاعتذار فور التمديد لرئيس الجمهورية اميل لحود. وعزت مصادر سياسية سبب اخفاق الموالاة في اعادة ترميم صفوفها الى ان بعض اطرافها لم يحسن قراءة التطورات المستجدة دولياً وعربياً والمتعلقة بالساحة اللبنانية، وأخذ يتصرف وكأن البلد بألف خير، واتهم غير معنيين مباشرة بالزلزال الذي احدثه اغتيال الحريري وأن في وسعهم استيعاب الضغوط الخارجية وبالتالي قادرون على تجاوزها من دون تقديم تنازلات سياسية. ولفتت المصادر ايضاً الى ان الموالاة لم تتوصل الى اجراء تقويم مشترك يتعلق بالمهمة الموكلة الى الحكومة لو نجح كرامي في تأليفها، رافضة الاعتراف بأن لبنان بدأ يدخل في مرحلة جديدة بعد قرار دمشق سحب جيشها وتداعيات اغتيال الحريري الأمنية والسياسية. وأكدت ان بعض القوى في الموالاة على رغم انها ليست فاعلة، قررت ان تدير ظهرها لموجبات المرحلة الجديدة وسارعت الى الدخول في نزاع داخلي على توزيع الحقائب على اساس ان نظام المحاصصة سيبقى قائماً وأن ليس هناك قوة على الأرض تستطيع ان تبدل منه. كما ان هذه القوى - بحسب المصادر - لم تدخل ولو لمرة واحدة في حسابها ان الانتخابات النيابية ستحصل في اسرع وقت ممكن، اضافة الى انها لم تتصرف ازاء الاهتزاز الذي اخذ يهدد قواعدها الحزبية بأي رد فعل توحي من خلاله بأن قوتها لن تبقى على حالها فور الانسحاب السوري من لبنان وأن حجمها السياسي المنتفخ الى حد كبير لا بد من ان يعود الى طبيعته، لذلك مارست سياسة الهروب الى الأمام بدلاً من التعاطي بواقعية مع التطورات الخارجية للحفاظ على حد ادنى من التماسك الداخلي، وراهنت ايضاً على ان العدوى التي اصابتها وأدت الى تشتتها ستنتقل عاجلاً او آجلاً الى صفوف المعارضة بذريعة انها لا تعرف ماذا تريد وأن موقفها يكمن في اتباع سياسة الرفض الدائم حفاظاً على وحدتها. لكن الطريقة التي تصرفت فيها المعارضة فاجأت الجميع وتحديداً الموالاة، في ضوء التشدد الذي اظهره النائب وليد جنبلاط وقائد"التيار الوطني الحر"العماد ميشال عون وعائلة الرئيس الحريري الى جانب قوى اخرى في المعارضة. وبرزت هذه السياسة المتشددة في الحفاظ على وحدة المعارضة في آن، من خلال المرونة التي اظهرتها في الانفتاح على تسمية ميقاتي رئيساً للحكومة تحت عنوان، انها لا تمارس السياسة وهي موجودة في المريخ وإنما على الأرض وهذا يستدعي الإمساك بزمام المبادرة طالما انها تصر على اجراء الانتخابات في موعدها والتي من غير الممكن حصولها ما لم تتشكل الحكومة على وجه السرعة. وفي هذا السياق، اكدت قوى فاعلة في المعارضة ل"الحياة"ان الأخيرة شعرت بأنها على وشك الدخول في مأزق سياسي، لا يمكنها الخروج منه ما لم تتوصل الى عقد صفقة مع بعض الأطراف في الموالاة، بدلاً من اقحام البلاد في مرحلة جديدة من المراوحة التي كانت من نتائجها سيطرة الجمود على الحياة السياسية. وأشارت الى ان المعارضة تجاوبت مع نصائح سعودية وفرنسية وأميركية وأخرى من المجتمع الدولي وتحديداً من خلال الأمين العام للأمم المتحدة كوفي انان ممثلاً بمبعوثه الخاص الى لبنان وسورية لتنفيذ القرار 1559، تيري رود لارسن، وقالت ان هذه النصائح لم تتدخل في آلية تسهيل مهمة تأليف الحكومة الجديدة وفضلت ان تتركها لتوافق المعارضة بين قواها الأساسية. وأضافت ان المعارضة وضعت في لعبة تسمية الرئيس المكلف امام خيارين لا ثالث لهما، إما ميقاتي او عبدالرحيم مراد، مؤكدة انها حاولت المجيء بمرشح ثالث الوزير المستقيل عدنان القصار لكنها عدلت عن هذه الفكرة لشعورها بأن قطع الطريق على تسمية مراد يفرض عليها من دون تردد الوقوف الى جانب ميقاتي وهكذا كان. ورأت ان الفارق الأساس بين مراد وميقاتي هو ان الأخير على علاقة جيدة ومباشرة بالرئيس السوري بشار الأسد ويمكنه التواصل معه من دون وسيط او قناة امنية، وقالت ان تسميته لم تشكل استفزازاً لدمشق بمقدار ما انها ابعدت الأجهزة الأمنية عن لعب دور، ليس في تسميته فحسب، وإنما في المجريات السياسية في البلد. وإذ اعترفت بأن تسمية ميقاتي تتزامن مع استكمال الانسحاب العسكري السوري بالكامل من لبنان قالت انه يبعث على الاطمئنان لدى القيادة السورية، ويفسح المجال امام المعارضة للتواصل معه، وقد تصرفت الأخيرة على ان تكليف مراد لا يشكل استفزازاً فحسب وإنما تحدياً للمجتمع الدولي الذي كان يراقب عن كثب عملية اختيار الرئيس العتيد, اعتقاداً منه بأن المواقف المعلنة للأخير لا تساعد على متابعة تطبيق القرار 1559 وتسهيل مهمة لجنة التحقيق الدولية. وأكدت ايضاً ان تسمية ميقاتي لقيت ارتياحاً لدى المجتمع الدولي الذي يرى ان الفرصة ما زالت مؤاتية لسورية لتعيد النظر في سياستها المتبعة ازاء لبنان ولتبادر الى التغيرات المطلوبة منها في الداخل، خصوصاً ان لا نية دولية في تغيير النظام او إرباكه من الداخل او من خارج الحدود. وأضافت ان مجرد الاستعداد السوري لإعادة النظر في اسلوب التعاطي مع لبنان ومن ثم إبداء النيات الإيجابية في تعامله مع القرار 1559 والقرار 1595 المتعلق بتشكيل لجنة التحقيق الدولية من شأنه ان يتيح الفرصة امام دمشق لتحقيق مصالحة مع لبنان من خلال تصحيح المسار العام للعلاقات الثنائية. وتابعت القوى ذاتها ان الانفراج في العلاقات اللبنانية ? السورية سيساعد على التوصل الى هدنة بين سورية والمجتمع الدولي، يمكن ان تتطور نحو الأفضل في حال ابدت دمشق استعداداً لإجراء مجموعة من التغييرات في الداخل، مشيرة الى ضرورة الاحتكام الى اتفاق الطائف كأساس يؤمن انتظاماً لهذه العلاقات ويرعاها من خلال الدور الموكل الى المؤسسات الدستورية بدلاً من مروره عبر الوسائط الأمنية التي دفعت بالوضع الى التأزم. وأكدت ان رئيس المجلس النيابي نبيه بري لعب دوراً حال دون حصول اشكالات تؤخر إعلان تكليف ميقاتي، لافتة الى انها تتواصل معه باستمرار، اضافة الى قيادة"حزب الله"، بصرف النظر عن موقفها حيال تسمية مراد على رغم انها كانت تفضل عدم استدراج الحزب الى هذا الموقف مثلما استدرج في السابق الى لعبة الاشتراك في تأليف الحكومة قبل اعتذار كرامي، وكان في غنى عن لعب دور في تشكيل وزارة من لون واحد لا سيما ان لدى الأخير الكثير من الكلام الذي سيقوله في الوقت المناسب بعدما اكتشف ان هناك من ينصب الأفخاخ له ويتمنى عليه الإتيان بوزارة على قياس الموالاة التي لم تتمكن من الصمود بعدما اضطر كل فريق الى التدقيق في حساباته السياسية.