اختيار سلمان: هكذا أطلق صقره ليحلق بالوطن    تأهيل 31 شركة للمنافسة على الرخص التعدينية    توثيق 1810 عقارات يوميا    7.9% نموا بالأجور الدنيا    المبعوث الأميركي: المطلوب قرار من حكومة لبنان لحصر السلاح    تركي آل الشيخ يكشف عن جزء من أبرز مفاجآت فعاليات موسم الرياض المقبل    دوران يسجل في فوز فنربخشة برباعية على الاتحاد وديًا    أواصر راسخة    المملكة توزّع (420) سلة غذائية للنازحين من محافظة السويداء إلى محافظة درعا    «سلمان للإغاثة» يوزّع (840) حقيبة إيوائية في منطقتين بإقليم جامو وكشمير في باكستان    القيادة تعزي رئيس بنغلاديش    السد القطري يضم البرازيلي"فيرمينو"من الأهلي    "الشعفي" يُرزق بمولودته الأولى "سما"    إطلاق النسخة الثانية من مبادرة «تفعيل مجتمع الأفلام المحلي»    السياحة الريفية    «سوار الأمان».. حلول ذكية في المسجد الحرام    ترمب يتعهد بخفض الرسوم عن الدول التي تفتح أسواقها أمام منتجات بلاده    بكين تحتج على عقوبات أوروبية تستهدف موسكو    عسير.. حين يتحوّل الفن إلى تراث حي    الذكاء الاصطناعي في صيف 2025    القبض على إثيوبي في عسير لتهريبه (66) كجم "حشيش"    جمعية "واثق" بتبوك تحتفي بتخريج الدفعة العاشرة من برنامج "منزل منتصف الطريق"    مندوب فلسطين بالأمم المتحدة: إسرائيل دمرت قطاع غزة بالكامل    المملكة تدعم تعافي الاقتصاد السوري بمنتدى يستكشف الفرص الاستثمارية    هيئة مدينة مكة تُطلق أعمال المسح الاجتماعي الاقتصادي    420 موهوبًا وموهوبة يختتمون الرحلة الإثرائية بجازان    تتحدث عن شرح حديث " إنما الأعمال بالنيات " محاضرة تنفذها إسلامية جازان غداً بالمسارحة والحُرّث    أمير جازان ونائبه يتفقدان مشروعات فيفاء    155 ألف مستفيد من خدمات مستشفى ينبع    طاقم تحكيم سعودي يشارك في إدارة مباريات كأس العالم تحت 20 عاماً في تشيلي 2025    وجاؤوا يركضون مهلا يا دعاة الضلالة    الثلاثي يلتحق بالنواخذة    أمير جازان يستقبل مدير فرع وزارة الرياضة ويطّلع على إنجازات أندية المنطقة    ( لا يوجد عنوان )    مجسات ذكية لراحة مرضى السكري دون ألم    أسباب وعواقب إدمان الحلويات    لماذا غسل الدجاج غير مستحب    11 معياراً أساسياً لقياس الأداء.. الطيران المدني: مطار الملك خالد الدولي الأول في نسبة الالتزام ب 82 %    1.2 تريليون ريال صفقات عقارية بنظام الوساطة    وزير الداخلية يلتقي منسوبي الوزارة المبتعثين في بريطانيا    منسوبات واعي يطلعن على مركز التراث وبيت الحرفيين بجازان    منع الفنان راغب علامة من الغناء في مصر    عزز صفوفه بالخيبري.. الأهلي يشارك في السوبر بديلاً للهلال    "البيئة": تمديد مهلة رخص مياه الآبار لمدة عام    سبعة آلاف طفلٍ في مركز ضيافة المسجد النبوي    حكمي.. قصة تحدٍ ملهمة في عالم التوحد وحفظ القرآن    مفوض إفتاء جازان يستقبل منسوبي إدارة جمعية سقيا الماء    أكد دعم سوريا لضمان أمنها واستقرارها.. مجلس الوزراء: السعودية تدعو لاتخاذ قرارات عملية أمام التعنت الإسرائيلي    تستعد لعقد محادثات مع «الترويكا الأوروبية».. إيران تشترط رفع العقوبات للتفاوض النووي    أكد وجود انتهاكات جسيمة.. لجنة تقصي الحقائق تسلم تقريرها للرئيس السوري    رئيس الوزراء يدعو لتعزيز التواجد في عدن.. تحذير يمني من وجود المقرات الأممية بمناطق الحوثي    "هلال مكة" يفعل مساراته الطبية الإسعافية القلبية والدماغية    أمير جازان ونائبه يتفقدان عددًا من المشروعات التنموية والسياحية بمحافظة فيفاء    الجامعة العربية تدعو المجتمع الدولي لكسر حصار غزة    الأمير محمد بن عبدالعزيز يستقبل رئيس ووكلاء جامعة جازان    السعودية ترحب بمطالبة دولية لإنهاء حرب غزة    تقنية تحسن عمى الألوان    رئيس باكستان يمنح رئيس أركان القوات البحرية وسام "نيشان الامتياز" العسكري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ازمة الإصلاح السياسي العربي
نشر في الحياة يوم 14 - 04 - 2005

تسيطر على الكتابات والتحليلات العربية الرائجة في الوقت الحالي ثنائية تكاد تكون في منتهى التبسيط والإفقار، تقوم على اساس التساؤل. هل ان الإصلاح داخلي ام خارجي؟ وتزيد بالقول ان الضغوطات الخارجية تمنع تحقيق او إنجاز الإصلاح الداخلي كما ورد على لسان اكثر من زعيم عربي. وقد افاد النظام العربي الرسمي كثيراً من هذه الثنائية لجهة تأجيل قيامه بإصلاح داخلي جدي وحقيقي، على اعتبار ان الضغط الخارجي الذي يمارس عليه يمنعه من بلورة رؤيته للإصلاح، وهذا ما يجعلنا نفترض ان هناك مسيرة ما للإصلاح الداخلي ثم اوقفت قسراً بسبب الضغوطات الخارجية المتزايدة. كما يصر النظام السياسي العربي على اعتبار ان كل ما يتخذه من خطوات إنما يأتي في سياق مسيرته الداخلية للإصلاح وليس نتيجة ضغوط خارجية. فالانسحاب السوري من لبنان لم يكن نتيجة القرار 1559 وإنما جاء نتيجة لانسحابات متتالية بدأت منذ عام 2000، وتعديل الدستور المصري لم يكن نتيجة ضغوطات اميركية وإنما نابع من رغبة داخلية، وهي الرغبة ذاتها التي كانت استبعدت تماماً إجراء تعديل كهذا بحجة الاستقرار. والقائمة تطول ويبدو ان احداً ما لا يصدق مثل هذا الكلام حتى قائليه انفسهم. لكن لماذا يضع النظام السياسي الرسمي الضغوطات الآتية من الخارج في وجه الإصلاح المطلوب داخلياً، ولماذا يفترض حكماً ان مساريهما متعاكسان وليسا متوازيين.
هناك من دون شك رغبة لدى النظام في تأجيل أي اصلاح داخلي يمس بمصالحه وبقائه في مواقعه، ولذلك على الإصلاح ان يدور ويدور لكن ليحط رحاله في مواقعه ذاتها، فالكل خاضع للنقاش إلا التداول السلمي والحقيقي للسلطة.
ان القراءة البانورامية للعالم العربي تبرز بوضوح نهايات هذا العالم في القرن الحادي والعشرين. فالجزائر والعراق الدولتان اللتان كانتا مرشحتين للوصول الى مصاف الدولة الأوروبية بحسب تقرير الأمم المتحدة في منتصف السبعينات بسبب قدراتهما الذاتية الضخمة وإمكاناتهما البشرية، انتهيا الى حرب اهلية لا تهدأ حتى تتصاعد مما اعادهما الى ما تحت الصفر، وهو ما حفز الولايات المتحدة في شكل رئيسي على احتلال احدهما بحجة البحث عن اسلحة الدمار الشامل. اما الجزائر فأصبحت عرضة للفساد والنزاع الأهلي بما اخذ شكله السافر في تورط الدولة في عمليات القتل اثناء صراعها مع الجماعات الإسلامية المسلحة، كما ثبت ذلك في اكثر من كتاب. اما العراق المقسم عرقياً، فالحصار انهك قواه الذاتية على مدى 12 عاماً وكانت الديكتاتورية قد انهكته ايضاً على مدى اربعين عاماً. اما قدراته البشرية والعلمية فتبددت في المهجر وخضع في النهاية الى احتلال اجنبي لا يبدو انه سينتهي قريباً، اما الدول الأخرى التي ناضلت شعوبها في اوائل القرن من اجل تحقيق الاستقلال وأنجاز الجمهوريات الدستورية التي تضمن المشاركة الشعبية الأوسع فتحولت الى جمهوريات وراثية، وتبقى الحرب الأهلية المآل الكامن في المستقبل. فالأوضاع السياسية والاجتماعية التي تعيشها البلدان العربية تؤهب يومياً للدخول في حرب اهلية ينتظرها الجميع على خوف ووجل، فهل يكفي ذلك لقراءة النهايات السياسية للدولة العربية الحديثة ام ان المستقبل المقبل نفسه سيحمل من الإجابات التي لم نستطع حتى التنبؤ بها في الوقت الحالي.
الصورة بلا شك قاتمة وسوداء والإحباط المجتمعي نلحظه باستمرار في تصاعد معدلات الهجرة الى الخارج وازدياد معدلات الانتحار والبطالة والجريمة في الداخل. فالدولة العربية الراهنة كما ثبت تاريخياً لا تملك عقيدة ذاتية في واقعها، لا قومية ولا تنموية ولا تحديثية ولا حتى دينية من قبل الدول التي تبنت الإسلام عقيدة ايديولوجية لها، وإنما عقيدتها الحقيقية هي ايمانها بنفسها ووجودها وأجهزتها أي بفاعليتها كأداة تنظيم وضبط وسيطرة. وكما لاحظ برهان غليون بحق فإن النظم العربية قابلة لتغيير سياساتها من النقيض الى النقيض، فنراها تنتقل من برامج اشتراكية الى برامج انفتاحية ليبرالية من دون ان تشعر حتى بضرورة الحاجة الى تبديل الحكومة او الأشخاص. لقد اضحت البنية الاستبدادية كامنة وثاوية في هذه الأنظمة، إذ اصبحت تسأل عن استمرارها وبقائها من دون السؤال عن شرعيتها وحاجتها الى التعبير عن رغبات مجتمعها، وهذا ما جعل مستقبل البلاد العربية ينتهي الى آفاق مسدودة، لا سيما مع غياب افق التغيير وانعدام التطلعات الى المستقبل في ضوء الواقع العربي الراهن.
على ضوء ذلك كله كيف يمكن تخيل ان تقوم هذه السلطات ذاتها بالإصلاح المطلوب، فالديموقراطية على رغم كونها النظام السياسي الأكثر قدرة على التكيف مع الاختلافات والنزاعات وعلى رغم انها المطلب الأكثر شعبية للكثير من الشرائح الاجتماعية إلا ان الوصول إليها في العالم العربي ليس بهذه السهولة ومسارها يكاد يكون عصياً وممتنعاً على التحقيق لا سيما بعد حدوث اصطفافات جديدة نتيجة الاستبداد السياسي الطويل الذي عاشته البلاد العربية، وهذه الاصطفافات ارتبطت معها مصالح اقتصادية فئوية ومكاسب مالية ليس من السهولة التنازل عنها.
فالاجتماع السياسي العربي الراهن اليوم يستدعي اعادة النظر في اسسه البنيوية المبني عليها، ذلك ان ازماته المتكررة في ما يتعلق بتكرار الصراعات والحروب الأهلية في غير بلد عربي وتأجج المسألة الطائفية وتحول النظام السياسي الى اشبه بالسلطة المحتكرة لكل المجالات الحيوية في المجتمع وتزايد الفجوة بين الدولة والمجتمع حتى انتهت السلطة الى عدوة للمجتمع، وتعمل على بناء علاقات سلمية مع العدو الإسرائيلي وفق اتفاقات لا يستفتي فيها المجتمع العربي بل وتفرض عليه، ويُطلب منه الانتماء الى ثقافة السلام للتحرر من ثقافة الإرهاب والحرب، هنا يبدو النظام السياسي العربي، وكأنه غير عابئ بمفهوم الشرعية الذي ينبني عليه وجوده، اذ ان شرعيته غالباً ما يتحصلها من خلال العنف والأمن، وهكذا اصبحنا في سؤال متكرر عن المخرج العربي من الأزمة سياسياً واجتماعياً واقتصادياً بعدما ارهقنا السؤال المتكرر الذي اوصلنا الى ما نحن عليه. لقد شبهت مجلة"نيوزويك"الدول العربية، بأنها آخر قلاع الرفض في العالم، ويبدو ان ذلك صحيح في ما يتعلق بعدم قدرة العالم العربي على الدخول في الثورة الديموقراطية، في حين ان الأنظمة السياسية العربية تبدو الأنظمة الأكثر قبولاً بالسياسة الدولية التي يجرى تنسيقها وترتيبها خصوصاً بعد حادثة 11 ايلول سبتمبر 2001.
كاتب سوري.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.