تراجع الذهب مع انخفاض التضخم الأمريكي وارتفاع الدولار    المملكة ترحّب بقرار إلغاء العقوبات الأمريكية على سوريا    «زاتكا» تُحبط تهريب 187 ألف حبة كبتاجون بمطار الملك عبدالعزيز    المعيقلي: ولاية الله أساس الطمأنينة والإيمان    الحذيفي: التقوى وحسن الخلق ميزان الكرامة عند الله    عسير في صدارة الوجهات السياحية الأسرع نموًا في الخليج العربي 2025    جامعة تبوك تحتفل باليوم العالمي للغة العربية    الين يتراجع بعد قرار المركزي الياباني برفع الفائدة    طلاب المرحلة المتوسطة يبدعون في المعرض الختامي لبرنامج مهارات المستقبل بالطائف    ارتفاع أسعار النفط في ختام تعاملاته    مقتل سبعة أشخاص في تحطم طائرة خاصة في الولايات المتحدة    موسى المحياني: وضع الأخضر قبل المونديال مخيف والتحرك يبدأ الآن    «دوائر النور»    السياح يوثقون مهرجان الإبل    لولا يؤكد أنه سيستخدم حق النقض ضد قانون يخفض فترة سجن بولسونارو    قطرات للأنف لعلاج سرطان المخ    انتشار فيروس جدري القرود عالميًا    فيفا يصدر قراره في نتيجة مباراة المنتخبين السعودي والإماراتي بكأس العرب 2025        مهرجان الرياض للمسرح يتألق في ثالث أيامه بعروض مسرحية وحفل غنائي    بطولة "قفز السعودية".. عبدالرحمن الراجحي بطل شوط نقاط كأس العالم 2026    نابولي يثأر من ميلان ويتأهل لنهائي كأس السوبر الإيطالي بالسعودية    مزادات الأراضي تشتعل بصراع كبار التجار    القبض على يمني في جازان لترويجه نبات القات المخدر    إستراتيجية واشنطن في لبنان وسوريا بين الضغط على إسرائيل وسلاح حزب الله    منتخب المغرب يتوج بلقب كأس العرب على حساب الأردن    تخريج 335 كفاءة وطنية ضمن برامج التدريب بمدينة الملك سعود الطبية    مصير مباراة السعودية والإمارات بعد الإلغاء    "القوات الخاصة للأمن والحماية" نموذجٌ متكامل لحفظ الأمن وحماية مكتسبات التنمية    أمير منطقة جازان يستقبل القنصل الهندي    أمير جازان يستقبل الفائز بالمركز الأول في مهرجان الأفلام السينمائية الطلابية    طقس شتوي وأمطار تنعش إجازة نهاية الأسبوع في جيزان    جمعية أرفى تحصد فضية جائزة "نواة 2025" للتميز الصحي بالمنطقة الشرقية    تعليم الطائف ينفّذ لقاءً تعريفيًا افتراضيًا بمنصة «قبول» لطلبة الصف الثالث الثانوي    أمير تبوك يستقبل رئيس المحكمة الإدارية بالمنطقة    مكتبة الملك عبدالعزيز العامة تحتفي باللغة العربية في يومها العالمي    إمارة منطقة مكة المكرمة تشارك في النسخة العاشرة لمهرجان الملك عبدالعزيز بالصياهد    محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية تعيد توطين طائر الجمل بعد غياب 100 عام    أمير الشرقية يكرّم داعمي جمعية «أفق» لتنمية وتأهيل الفتيات    أمير القصيم يواسي خالد بن صالح الدباسي في وفاة زوجته وابنتيه    نعمة الذرية    سمو ولي العهد يعزّي ولي عهد دولة الكويت في وفاة الشيخ جابر مبارك صباح الناصر الصباح    تصاعد الاستيطان الإسرائيلي يثير إدانات دولية.. واشنطن تؤكد رفض ضم الضفة الغربية    ضبط أحزمة ناسفة وصواريخ.. تفكيك خلية تابعة ل«داعش» في إدلب    تصعيد عسكري في كردفان.. الجيش السوداني يستهدف مواقع ل«الدعم السريع»    في ذمة الله    البيطار يحتفل بزفاف مؤيد    القحطاني يحصل على الماجستير    أكد أنه امتداد لدعم القطاع الصناعي من ولي العهد.. الخريف: القرار يعزز التنمية الصناعية ويطور القدرات الوطنية    "الغامدي"يتوّج الجواد "يهمني"بكأس وزارة التعليم في موسم الطائف الشتوي    شاهد فيلماً وثائقياً عن أكبر هاكاثون في العالم.. وزير الداخلية يفتتح مؤتمر أبشر 2025    حرقة القدم مؤشر على التهاب الأعصاب    علماء روس يطورون طريقة جديدة لتنقية المياه    البكري تحذر من الإفراط في الاعتماد على الذكاء الاصطناعي    تصعيد ميداني ومواقف دولية تحذر من الضم والاستيطان    أمير تبوك يطلع على نسب الإنجاز في المشروعات التي تنفذها أمانة المنطقة    الهيئة العامة للنقل وجمعية الذوق العام تطلقان مبادرة "مشوارك صح"    «المطوف الرقمي».. خدمات ذكية لتيسير أداء المناسك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إنهيار الطبقة الوسطى في البلدان العربية
نشر في الحياة يوم 10 - 04 - 2005

يجد الناظر في التركيبة الاجتماعية للبلدان العربية أن عمليات تحول نوعية أجريت منذ عقدي الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي، حدث مثلها على المستوى العالمي أيضاً وإن بدرجات مختلفة. وكان من أبرز نتائجها انهيار الطبقة الوسطى في الكثير من المجتمعات، وبداية مرحلة جديدة، شهدت تمركزاً وتركزاً جديدين للثروة من جانب، وتركزاً وتمركزاً جديدين للفقر من جانب آخر.
وأدى انهيار الطبقة الوسطى الى تراكم الفقراء العرب في أحزمة البؤس المحيطة بالمدن العربية التي باتت تشكل وفق تقرير التنمية البشرية للعام 2000 أكثر من 56 في المئة من تعداد سكان تلك المدن، والى تفاقم الفجوة بين الأغنياء والفقراء منذ الثمانينات من القرن الماضي، بسبب تراجع الدولة عن بعض فضاءات القطاع العام، وبسبب الخصخصة وحرية السوق والفساد السياسي والاقتصادي والاجتماعي.
وأصبح الفقر من القضايا الخطيرة، التي تهدد مستقبل البلدان العربية، وتعود اسبابه الى النمو السكاني المرتفع 8.2 في المئة، والى اعتماد الأنظمة العربية بنسبة 70 في المئة على الواردات الغذائية من الولايات المتحدة الأميركية والدول الأوروبية. ووصلت الفجوة الغذائية الى 8.14 بليون دولار عام 1989، ونتيجة تراكم الدين العربي فإن إيفاء مستحقاته يستأثر بحصة كبيرة من الناتج القومي الاجمالي. إضافة الى ما يستأثر به الإنفاق العسكري الكبير، وضآلة مشاركة المرأة العربية في الانتاج.
وتنقسم البلدان العربية الى ثلاث فئات من حيث الثروة والفقر: الفئة الأولى مجموعة البلدان الغنية، وهي تعتمد على عائدات النفط في شكل أساس، وتشمل بلدان مجلس التعاون الخليجي الى جانب ليبيا، والفئة الثانية مجموعة البلدان المتوسطة الدخل، وتشمل مصر والعراق؟ والأردن وسورية والمغرب وتونس والجزائر، والفئة الثالثة مجوعة البلدان الفقيرة وتشمل السودان واليمن والصومال وجيبوتي وفلسطين. وبحسب ما أشار تقرير التنمية البشرية لعام 2000 فإن الدخل الإجمالي للفرد في العالم العربي بين 280 و290 دولاراً في اليمن والسودان و20200 دولار في الكويت. وعلى رغم ارتفاع مستوى الدخل في بلدان الخليج إلا أن الفقر بمفهومه النسبي وليس بمفهومه المطلق، ظاهرة موجودة فيها. كذلك أشار تقرير التنمية البشرية للعام 2000، الى التضاؤل المستمر لنصيب الفقراء من الدخل القومي العربي قياساً الى دخول الأغنياء، خصوصاً الجدد منهم.
وتبيّن الأرقام المعلنة مدى اتساع التفاوت الاجتماعي وحجمه، وضآلة نصيب الفقراء من الدخل في البلدان العربية، وهي تؤكد على انقسام طبقي حاد في البلدان العربية، ولا تدعم ما ذهب اليه بعض الدراسات الاستشراقية الذي حاول تأكيد الانقسامات العرقية والقبلية والطائفية من دون سواها من الانقسامات والتناقضات الموجودة.
غير أن من ينظر في واقع البلدان العربية، منذ خمسينات القرن العشرين المنصرم، ويدرس تركيبتها الاجتماعية، ويرصد التحولات الطبقية التي شهدتها، سيعثر لا محالة على انقسامات طبقية حادة، فضلاً عن الانقسامات الاثنية والطائفية والقبلية، وسائر الانقسامات ما قبل المدنية. وفي هذا المجال يعتبر حليم بركات في دراسته"المجتمع العربي المعاصر في القرن العشرين"مركز دراسات الوحدة العربية، 2000 أن فجوة عميقة واسعة ومتزايدة تفصل بين الأغنياء والفقراء في البلدان العربية كافة، سواء بالنسبة الى توزيع ملكية الأراضي والعقارات أو في توزيع الثروة، أو في احتلال مواقع النفوذ والمكانة الاجتماعية. وبذلك تكون البنية الطبقية في المجتمع العربي ككل، بنية هرمية تتشكل قاعدتها الواسعة من الطبقات الدنيا.
أما عبدالرزاق الفارس، فيرى في كتابه"الفقر وتوزيع الدخل في العالم العربي"مركز دراسات الوحدة العربية، 2001 ان الفقر ظاهرة عامة في العالم العربي، وهي متركزة في شكلها الواسع والعميق في الأرياف، وأن هذه الظاهرة متلازمة مع الأمية ومع التفاوت الكبير في المداخيل خصوصاً في الأقطار الفقيرة والمتوسطة الدخل. كما تؤكد دراسات أخرى على اللامساواة في البلدان العربية، وعلى البنية الطبقية الهرمية، وبالتالي فإن المأزق الطبقي يشكل تهديداً مهماً لتركيبة البلدان العربية، في ظل غياب الديموقراطية، وفشل برامج التنمية الانسانية.
إن تحول معظم الأنظمة العربية في العقدين الأخيرين، في اتجاه سياسة السوق والانفتاح والتبادل الحر وتخليها عن دعم القطاعات العامة الحيوية ودخولها في العولمة عبر الخصخصة ومحاولة الالتحاق بالثورة التكنولوجية من دون استيعاب التحولات العالمية والاستعداد الصحيح لها، أدى الى جملة من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، تجسدت في ارتفاع معدلات التضخم وارتفاع الأسعار وانخفاض القوة الشرائية والبطالة والهجرة واتساع الفوارق بين مختلف الفئات الاجتماعية. وبالتالي فمن الطبيعي أن تكون الطبقة الوسطى ضحية تلك الارهاصات، اذ سرعان ما تدنت مستوياتها الحياتية والمعيشية وفقدت ما كانت قد جنته وادخرته من أموال وممتلكات على محدوديتها، وأصاب الإحباط آمالها وطموحاتها ومستقبل أبنائها.
وأدت حال الانهيارات التي لحقت بالطبقة الوسطى الى بحث قطاع واسع من المثقفين عن خيارات فكرية وثقافية ملساء، لا نتوء فيها، لكي تكون قادرة على التسلل من كل المسامات، لتقترب من الموقف السياسي من النظام القائم، ومن الموقف من العولمة ومن المشاريع الأميركية في المنطقة العربية، لكي تكون جاهزة تحت الطلب. كما أدت الى تدمير الحياة السياسية بكل تعبيراتها الحزبية بما فيها أحزاب السلطة نفسها. أي يمكن الحديث عن عمليات نزع ممنهج للسياسة من طرف السلطات العربية، بعد أن اختصرت الدولة الى مستوى السلطة في كل بلد، فانتقل المجتمع من مستوى المجتمع المدني الى مجتمع الرعية، وانتقلت الدولة من قوة تشرف على ادارة التوازن السياسي للمجتمع الى سلطة وضعت نفسها فوق المجتمع، وتعمل على إدارة مصالح نخبها وأزلامها.
وسمحت قيم اقتصاد السوق لأفراد قلائل من الطبقة الوسطى بالانضمام الى قائمة محدثي النعمة أو"النوفو ريش"، بعد أن انخرطوا في سياسات الفساد والإفساد، وباتوا من لاعبيها الكبار. لكن في المقابل فإن قيم السوق نفسها دفعت بالغالبية الساحقة من أفراد الطبقة الوسطى الى حافة الفقر والتسوّل، والى القاع المحروم من جميع الحقوق التي تليق بالانسان من حيث هو إنسان.
في المقابل، وعلى رغم ذلك، فإن الطبقة الوسطى، ستبقى حاملة لقيم التغيير والتحديث والتقدم، وإن انهيارها لا يعني تلاشي هذه الطبقة بقدر ما يدلل على الخلل الفادح في التراتبية الاجتماعية للبلدان العربية. وهذا سيؤثر على قدرة المجتمع على توليد قوة سياسية منظمة، تعبر عن مصالحه، وتعكس استقلاليته، ودوره الخاص، ورؤيته للمستقبل. ذلك ان الطبقة الوسطى تعد حاضنة للفرد، ومعبّرة عن هويته في مجتمع متعدد الأعراق والثقافات، وتصوغ طبيعة النظام الاجتماعي المفتقر الى حاضن اجتماعي أو ديني، بل اقتصادي اجتماعي كذلك، فضلاً عن أن كل المجتمع يستند الى الطبقة الوسطى كهوية حاضنة للفرد من طريق سيادة القانون والمساواة.
كاتب سوري.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.