في السنوات الاخيرة، ابتعد الجمهور الاسرائيلي عن السياسة. وعلى رغم حوادث مهمة مثل الانتفاضة والازمة الاقتصادية الحادة وخطة فك الارتباط، بدا الجمهور الاسرائيلي يائساً من السياسة. وتدنت نسب الاقتراع في الانتخابات. فهل فعلاً يئس الاسرائيليون؟ فالسياسة باتت غير مفهومة وغامضة الحدود والفروق. فحزب العمل الاسرائيلي اشترك طوال سنوات في حكومة شارون، ثم استقال منها لاسباب اجتماعية. اما حزب الليكود، بزعامة شارون، فأراد الانتصار على الانتفاضة والالتزام بالسلام، والامتناع من مفاوضة الفلسطينيين. وصوّت اعضاؤه ضد فك الارتباط بغزة، واعتبروا ان شارون ازال الاحتلال عن غزة. وعلى الصعيد الاقتصادي بدا بنيامين نتانياهو، وهو قضى على الانكماش الاقتصادي، وزيراً ناجحاً للمال. ثم اتضح تدريجاً أنه ألحق ضرراً بالغاً بالبنى الاجتماعية الاسرائيلية، وأسهم في انزلاق الطبقات المحرومة الى الفقر. وفي الاسابيع الاخيرة، بدأت سحب الضباب الكثيف التي كانت تغطي السياسة الاسرائيلية، وتحول دون الفوارق بين رؤية الاحزاب، في الانقشاع. وأعلن عمير بيرتس قيامة الحزب الاشتراكي ? الديموقراطي. واصبحت ماهية حزب العمل ومبادؤه واضحة وجلية. ويحوّل خروج شارون من حزب الليكود هذا الحزب من سوبر ماركت قجر تعرض سلعاً مختلفة الى حزب يميني واضح المبادئ وملتزم الاقتصاد الحر، ورفض التنازلات السياسية. واخيراً بات في استطاعة ناخبي الليكود وحزب العمل المساكين الاقتراع لحزب توجهاته واضحة. وحزب أرييل شارون هو حزب الوسط المحافظ، ويتميز بمرونة سياسية تخوله دعم سياسة نتانياهو الاقتصادية، والتوجه الى ناخبي الليكود وحركة شينوي اليسارية، الى ناخبي حزب العمل من مناصري سياسات بنيامين نتانياهو الاقتصادية ومناصري بيريس ورامون، والى بعض جمهور الكيبوتسات. ولا شك في ان حدود هذا الحزب فضفاضة. والحق ان الخارطة الحزبية الجديدة ايقظت السياسة الاسرائيلية من سباتها. واصبح الناس يتحدثون في السياسة، ويتطوعون في الحملات، ولا يقتصرون على مشاهدة السياسة تصنع في الغرف او على شاشة القناة الثانية. وباتوا على مرمى حجر من بلورة سياسة متباينة متمايزة. وربما من سياسة تقوم على مبادئ. وليس هناك مرحلة اخطر من تلك التي يكون فيها المواطنون يائسين من السياسة في دولة"سياسية". وراضين بالفساد والحماقات اموراً مفروغاً منها. والعودة الى مبادئ جلية، وترتيبها اولوياتها ترتيباً مختلفاً، يعيدان المواطن العادي الى السياسة الفعلية. عن نير برعام، معاريف الاسرائيلية، 22/11/2005