تقع مدينة كَتشكَميت Kecskemet في السهل الكبير إلى الجنوب الشرقي من بودابست على بعد 80 كيلومتراً تقريباً، ويربطها الطريق السريع M5 بالعاصمة المجرية. يبلغ عدد سكانها أكثر من 105 آلاف شخص، وهي مدينة زراعية وتجارية كانت تمر بها طرق التجارة في السابق، ولهذا نمت وتطورت. ذكرت المدينة في الوثائق للمرة الأول في العام 1353 ميلادية، عندما منحها الملك المجري إلى أحد أتباعه من قبائل الكون، وهي قبائل تركية الأصل استقرت في السهل المجري قبل نحو ألف سنة، واندمجت بالمجريين. لكن المدينة بقيت اقطاعية تابعة للملك إلى أن رهنتها الملكة أرجيبت بمبلغ 2500 قطعة ذهبية استعملتها لتعزيز دفاعات الحدود المجرية أمام زحف الجيوش العثمانية في 1435، ولم يتم فك الرهن فبقيت المدينة ضمن أملاك النبلاء. أحرقها الجيش العثماني عند انسحابه من بودا في 1526، وسيطر عليها الأتراك بشكل دائم بعد احتلال بودا في 1541. وتشير وثائق المدينة إلى حادثة طريفة هي استدعاء السلطان محمد الثالث وجهاء المدينة عند مروره بقربها في 1596 للمثول بين يديه، فأخذ هؤلاء هدية هي عبارة عن مئة ثور وستمئة رأس من الأغنام وأربع عشرة عربة محملة بالخبز لكسب وده. وطلبوا من السلطان تزويدهم بجندي حماية تركي شاويش ليدفع عنهم أذى القطعات العثمانية التي تسلب البلدات على الدوام. رفض السلطان طلبهم، إلا أنه أهداهم قفطاناً سلطانياً ليلبسه القاضي المجري عند الحاجة. وبالفعل عندما لبس القاضي المجري القفطان خر الجنود الأتراك على ركابهم وقبلوا طرف القفطان وأطاعوا أوامر القاضي فنجت المدينة من أذاهم. وقد خلد الكاتب المجري كالمان مِكسات 1847-1910 هذه القصة في رائعته"القفطان المتكلم". عانت المدينة سلسلة من الحرائق الكبيرة التي التهمت بناياتها وكنائسها الخشبية، وقد أُعيد بناء الكنيسة البروتستانتية بين 1680-1684 إثر دمرها في حريق 1678، لكن العمل لم يبدأ إلا بعد الحصول على موافقة السلطان محمد الرابع ودفع مبلغ 669 ليرة ذهبية. في خضم الصراعات الطائفية الدامية التي اجتاحت أوروبا آنذاك، اتفق سكان المدينة الكاثوليك والبروتستانت على ايقاف العداوات بين الطرفين في العام الميلادي 1564، وجرى تمثيل الطرفين في مجلس المدينة بالمناصفة، وتبادل الطرفان تعيين قاضي المدينة بالتناوب. واستمر هذا الوئام الطائفي لقرون لاحقة، وبذلك ميز المدينة مناخ من التآلف والسلم الاجتماعي، ما حولها إلى ملاذٍ نادرٍ في ذلك الزمن المتعصب، فلجأ إليها بعض التجار اليونانيين منذ 1690 هرباً من الاضطهاد الديني في البلقان، وقرر مجلس المدينة السماح لبضعة تجار يهود بالسكن فيها في 1746 بعد أن كان اليهود ممنوعين من الاقامة هناك قبل ذلك التأريخ. وتشتهر المدينة بحياتها الثقافية المتميزة، ويبرز النشاط الموسيقي بالدرجة الأولى بسبب ارتباطها بالموسيقار زولتان كودايي المولود فيها في العام 1882، ووجود معاهد موسيقية مهمة تدرّس الموسيقى باستعمال ما أصبح يعرف ب"طريقة كودايي"لتعليم الموسيقى، وهي طريقة تربوية اشتهرت عالمياً. وتقام فيها مهرجانات موسيقية عدة مثل مهرجان كودايي الفني ومهرجان الجاز وملتقى الموسيقى الشعبية. وتم قبل سنوات نصب أجراس مصنوعة من سبيكة خاصة من الألمنيوم تدق ألحاناً شعبية وأخرى من مؤلفات الموسيقيين المجريين مثل كودايي في بناية بلدية المدينة الواقعة في الساحة الرئيسية الفسيحة. ومن المعروف أن الألمنيوم لا يرنّ، غير أن أبحاثاً قام بها علماء مجريون خلصت إلى انتاج هذه السبيكة الرنانة من الألمنيوم للمرة الأولى في العالم. ويشتهر من بين المهرجانات الأخرى على صعيد دولي مهرجان أفلام الرسوم المتحركة، وهو مهرجان متخصص في هذا الفن يقام مرة كل ثلاث سنوات منذ العام 1982. وجاءت فكرة عقده في هذه المدينة لوجود استديو شهير لانتاج أفلام الرسوم المتحركة. وعرض في المهرجان الأخير الذي عقد هذا العام عديد من الأفلام بينها فيلم"إبن الغابة"الذي أخرجه العراقي ثامر الزيدي استناداً إلى قصة حي بن يقظان، وأُنتج الفيلم في بودابست. أما المتاحف فهي كثيرة وتوفر للسواح فرصاً متنوعة، من أهمها متحف الفنون الشعبية والصناعية ومتحف وغاليري الفنانين المجريين الفطريين ومتحف التصوير الفوتوغرافي المجري ومجموعة الأدوات الموسيقية التي تزيد عن ألف أداة موسيقية شعبية مجرية وأوروبية. وتنفرد المدينة بمتحف ألعاب الأطفال الذي تأسس في 1982، ويضم أكثر من 15 ألف لعبة، ويمكن لزائريه من صغار السواح أن يصنعوا ألعابهم بأنفسهم وأن يجربوا كثيراً من الألعاب الموجودة فيه. كما يشتهر غاليري كتشكميت في القصر المعروف بإسم القصر المزخرف الذي بني على طراز الفن الحديث والذي يعرض لعدد من الرسامين والنحاتين المجريين الكلاسيكيين والمعاصرين، ومساحته 1800 متر مربع. ويشكل محيط المدينة منطقة سياحية مهمة يهواها من يحب الخيل، إذ تنظم الشركات السياحية زيارات لمزارع تربية الخيل هناك تقدم فيها عروض بالملابس الشعبية تمثل الجذور العريقة لعلاقة الشعب المجري بالخيول. ويمكن سماع فرقعة سياط مدربي الخيول وهم يمتطون صهواتها أو يقفون على ظهورها أو يقومون بحركات بهلوانية بارعة تبين العلاقة الحميمة بين الفرس والفارس. وبعد عرض الفروسية يتناول السواح طعامهم في واحد من المطاعم القريبة التي تسمى بالمجرية تشاردا، وهي كلمة فارسية الأصل معناها السقيفة المبنية على قوائم أربع، وتسمى باللهجة العراقية تشرداغ. وما دام الحديث يدور حول المطاعم، يجب ذكر أحد أشهر الأطباق المجرية المعروفة في أوروبا باسم غولاش، وهي أكلة غوياش التقليدية القديمة، وتجهز في قدور خاصة على نار هادئة وتتألف لحم البقر المطهي مع بعض الجزر وجذر البقدونس والبطاطا، مع الكثير من مسحوق الفلفل الأحمر المجري النبيل بابريكا. وهناك أكلة الدجاج بالفلفل والتي يطهى فيها الدجاج مع أنواع الفلفل الطازج ومسحوق الفلفل الأحمر، وتقدم مع معجنات مطبوخة تتميز بها مطابخ أوروبا الوسطى وألمانيا وتطيّب بالقشطة كريم. وتنتشر مزارع المشمش وغيره من الفواكه في المزارع المجاورة للمدينة، ويوجد معمل تعليب كبير لتصنيع المنتجات الزراعية الوفيرة والمتعددة التي تجود بها تربة هذه المنطقة الخصبة. كما تنتشر مزارع الكرمة في الأراضي الزراعية القريبة، وجرى إدخال زراعة الكروم في القرن الثامن عشر لتثبيت كثبان الرمال المنتشرة هناك، ومن ثم بدأ إنتاج الأعناب المحسنة لاحقاً.