عندما تدور عجلة التاريخ، وينقلب هرم السلطة راساً على عقب، تبرز مشاهد صارخة مقصودة، يراد منها التدليل على التناقض الحاصل بين الأمس واليوم، أمام ناظري الحكام السابقون، كعلامة للانتقام منهم ومحاولة"لاذلالهم". مثلاً طلب القاضي من الحاكم السابق الذي صار متهماً التقدم، في المحكمة أثناء استجوابه، حتى يراه الناس"! أو نقل وقائع مراسيم تعيين رئيس الوزراء الحالي الذي كان مضطهداً في السابق، أمام الحاكم السابق الذي في السجن والذي لا يستطيع ان يفعل شيئاً الا ان يغطي وجهه بيديه لئلا يرى ما يجري! أو حتى مثلاً استعطاف السلطات الجديدة لرؤية أحد الاقرباء او للانتقال للاستشفاء! صحيح ان محاكمة الانظمة الجائرة السابقة بحسب المفاهيم التاريخية السابقة هي من الصعوبة بمكان، بحيث اننا لا نستطيع ان نعرف كيف نستطيع ان ندين حكاماً قاموا يدافعون عن السلطة السائدة ضد انقلابيين أو متمردين عليها وبالتالي هم يعدون متمردين خارجين على القانون. وبدرجة أقل كيف نستطيع ان ندافع عن اناس هم في الواقع التاريخي انقلابيون، لكن في الواقع الوطني والأخلاقي ضد الولاء للوطن، في مرحلة قومية شرسة كان فيه التنكر للقومية بمثابة الالحاد او لعن الآلهة؟ طبعاً في أيامنا الحاضرة نستطيع ان ننسف شرعية وعدم ديموقراطية الانظمة البائدة وننزع عنها شرعية الدفاع عن نفسها بأنها لم تكن ديموقراطية ولم تكن تعبر عن الارادة الشعبية. وعلى رغم ان التاريخ محزن بعض الشيء وتراجيدي لأنه غير علمي، بمعنى ان معطياته الوحيدة هي القوة التي تتغير بدورها من يد الى اخرى، لكن هناك شيء يبقى يدافع بطريقة لاواعية عن الانظمة البائدة، وهي العواطف الشعبية، وبالتحديد الشفقة، التي تعميها تلك المشاهد المصورة المعبرة عن تبدل الاحوال عن رؤية المجازر التي خلفتها. فعندما نرى افراد النظام البائد، لا يجب ان ننسى أنهم كانوا ادوات مرحلة تاريخية تمثلت في ضرب الحركات اليسارية والتقدمية وقمعها بحسب القرار الاميركي، وعلى صورة النظام الرأسمالي. الصفات الانسانية للزعماء لا تهم التاريخ ولا دور لها لذلك كان ستالين يقول:"لست أنا الدولة، بل الدولة هي أنا"."الجيوش لا تدخل البلدان وتحتلها لايقاف الحروب الاهلية، او نزولاً عند طلب الاخوة القريبين او استغاثتهم"! بيتر قشوع - سوق الغرب - لبنان