بعدما أصبحت مسودة الدستور العراقي جاهزة وأصبحت الأمور ملائمة لإجراء استفتاء شعبي عام في العراق فإن الموضوع الذي يفرض نفسه هو مسألة تكوين دولة فيديرالية في العراق، هذا السؤال يطرح جدلاً واسعاً لأن تكوين دولة فيديرالية في العراق يعني تقسيم العراق الى ولايات أو مناطق على غرار الدول الفيديرالية مثل الولاياتالمتحدة والمكسيك وسويسرا وقد تكون الفيديرالية نجحت في هذه الدول ونجحت في الإمارات العربية المتحدة لكن الوضع السياسي في العراق يختلف عما هو عليه في الإمارات أو عما هو عليه في الولاياتالمتحدة أو سويسرا، ففي هذه الدول لا توجد عرقيات مختلفة كما في العراق، فالعراق يتكون من السنّة والشيعة والأكراد وغيرها من الطوائف. كما ان العراق ما زال تحت وابل الهجمات اليومية والاضطرابات، فكيف لشعب دُمر بالكامل مع مؤسساته وأحزابه أن يتحول الى دولة فيديرالية يكون لكل اقليم فيها استقلاله الذاتي، ثم لماذا لا يكون العراق دولة موحدة على غرار بقية الدول العربية باستثناء الإمارات العربية المتحدة، ففي حال انشاء دولة فيديرالية في العراق فإن المتضرر الوحيد هم العرب السنّة، كون الفيديرالية تعطي الأكراد والشيعة الجزء الغني بالنفط والثروات الطبيعية بينما تعطي السنّة الجزء الآخر الفقير لهذه الثروات ما يضر بمصالح السنّة في العراق ويؤدي الى عدم توزيع عادل للثروات والنفط، وهنا يمكن التساؤل حول ديموقراطية المشروع الأميركي في العراق، وبالتالي فإن إقرار الدستور العراقي الجديد يعني عدم تطبيق الديموقراطية المنشودة في العراق،الشيء الذي يجعل العراق يتحول ساحة لتصفية الحسابات بين الحكومة الجديدة وبعض البعثيين السابقين، ولأن السنّة العرب هم المتضررون في هذه المعادلة فإنهم الوحيدون الذين اتخذوا مواقف سلبية من إقرار الدستور الجديد وهددوا بعدم الموافقة عليه، كما ان البند الخاص بالهوية العراقية يثير مخاوف عربية لأنه يصف الشعب العربي في العراق بأنه جزء من الأمة العربية، هذه المخاوف تتمثل في تقسيم العراق على أساس عرقي. فالعراقيون ينادون الآن بتوحيد العراق بينما تشكيل دولة فيديرالية في العراق قد يؤدي الى تقسيم العراق بدلاً من توحيده، والشيء المؤسف هو أن واشنطن عرضت على السنّة مبلغ 75 مليون دولار للأعضاء للموافقة على الدستور الجديد ما يؤكد ان الدستور الحالي هو صنيعة أميركية تهدف الى تقسيم العراق، وهذه هي المشكلة الحقيقية لأن العراق سيقسم الى ثلاثة أقسام: القسم الأول في الجنوب تربطه علاقات مع إيران وسيسيطر عليه الشيعة، والقسم الثاني هو عبارة عن دولة مصغرة في الشمال تحت سيطرة الأكراد، ثم بقية الأجزاء للسنّة وهو ما سيفقد العراق مكانته كدولة عربية ذات وزن في الثقافة العربية والإسلامية، وهنا أيضاً تساؤل آخر وهو كيف سيمثل العراق في جامعة الدول العربية؟ هل سيتمثل على أساس انه دولة عربية تنتمي الى القطر العربي كما كانت عليه في عهد الرئيس المخلوع صدام حسين؟ أم أن العراق سيمثل في جامعة الدول العربية على أساس انه دولة مؤسسة للجامعة العربية فقط؟ وهل سيكون التمثيل فقط من جانب العرب العراقيين؟ ثم كيف ستتعامل جامعة الدول العربية مع العراق؟ هل ستتعامل معه على أساس انه دولة عربية؟ أم ان العراق سيحذف من لائحة الدول العربية؟ جدة - السعودية - جلال بوشعيب فرحي [email protected]