أكد حاكم مصرف لبنان المركزي رياض سلامة في حديث الى "الحياة" ان المعطيات والتوقعات القائمة والمنظورة في السوق "تشير الى أن لا اتجاه الى أزمة مالية"، متوقعاً أن "يكون الوضع الاقتصادي جيداً" في 2005. وطمأن الى أن "لا خوف على الليرة على رغم توتر الاوضاع السياسية". واعتبر سلامة ان الفترة القصيرة لولاية الحكومة الحالية التي تنتهي بعد الانتخابات المقررة في الشهرين المقبلين "لا تسمح بوضع خطة اصلاحية وتنفيذها". لكنه لم ينف "العمل على اقتراحات قوانين تؤسس لهذه الخطة"، مؤكداً ان "خطاب الحكومة مقبول من الاسواق وايجابي". ولفت الى جهد يبذل ل"تحديد سقف الانفاق في مشروع موازنة 2005 بحيث لا يزيد على حجمه في موازنة 2004". واستبعد حاكم المصرف المركزي المضي قريباً في عملية التخصيص التي "تأخرت بفعل الجدل القائم حولها ولا يزال". في حين رأى أن "التسنيد وسيلة لخفض المديونية، التي تشكل عنصر ضعف في الاقتصاد، من طريق بيع مداخيل المؤسسات العامة التي تتعاطى الخدمات لمدة معينة وليس بيع الملكية، ويرسل اشارات ايجابية الى السوق، اذ لا يقتصر المردود على مبلغ التسنيد بل ايضاً على بنية الفوائد ما يؤدي الى خفض كلفة خدمة الدين ويسمح للقطاع الخاص بالاقتراض بفوائد أقل". واعتبر سلامة ان "ادخال ذهنية القطاع الخاص الى المؤسسات العامة ضروري في حال لم يتحقق التخصيص"، مشيراً الى أن "الحكومة تتطلع الى اشراك القطاع الخاص في ادارة هذه المرافق بتحويلها شركات مع الابقاء على ملكية الاسهم للدولة". وأوضح أن التسنيد سيخفض الدين الموجود في السوق "والبالغ 21.5 بليون دولار من أصل 35.860 بليون دولار في نهاية 2004 الموزع بنسبة 26 في المئة لدى مصرف لبنان ومبلغ 2.5 بليون دولار للدول المانحة في باريس ? 2 ومبلغ مستحق لمؤسسات مرتبطة بالدولة مثل الضمان الاجتماعي". وأكد أن خفض الدين في السوق الى 16 بليون دولار كما كان متوقعاً في البرنامج المطروح في باريس ? 2 "سيعزز الثقة واذا ما قيس على القاعدة المالية في السوق ومنها الودائع فلن يعود يشكل اكثر من 30 في المئة وهو أمر تسهل ادارته". لا أزمة مالية وعما اذا كانت هناك مخاطر من أزمة مالية لتعطل الاصلاحات بسبب الانشغال بالانتخابات النيابية، أكد سلامة أن "الوضع الاقتصادي في لبنان جيد وحقق نمواً بلغ خمسة في المئة في 2004 وفقاً ل"إنسي"، متوقعاً أن "تكون سنة 2005 جيدة ايضاً"، مستنداً الى المؤشرات المسجلة في الشهر الاول من السنة الجارية والتي سجلت "تحسناً في النشاط الاقتصادي بالمقارنة مع الشهر نفسه من العام الماضي". ولفت الى أن "قاعدة الودائع في المصارف وهي ثابتة حققت نمواً نسبته 12 في المئة العام الماضي وبلغت 58 بليون دولار"، متوقعاً أن "تسجل نمواً يتفاوت بين ثمانية وعشرة في المئة في 2005، كما كانت ربحية المصارف أفضل من 2003، اذ بلغت450 مليون دولار في 2004 في مقابل 405 ملايين، في حين بلغ المردود على الاصول 0.67 في المئة". وأعلن ان "ميزان المدفوعات سجل فائضاً بقيمة 168 مليون دولار في 2004 على رغم التوتر الذي شهده لبنان بفعل التجاذبات السياسية في الجزء الاخير من 2004، ووصلت الموجودات في المصرف المركزي الى مستوى تاريخي بالغة 11.5 بليون دولار". وأكد حاكم المصرف المركزي أن "المعطيات في السوق تشير الى فترة استقرار في اسواق القطع والسندات على رغم استمرار التجاذبات حول الانتخابات النيابية، ويتبين من خلال هذه المعطيات والتوقعات القائمة والمنظورة ان لا اتجاه الى أزمة بل الى استحقاق يتبعه اصلاح جدي". وشدد سلامة على أن "القرار السياسي هو المنطلق للاصلاحات التي نطالب بها دائماً، ولا يمكن اتخاذ مثل هذا القرار قبل موعد الانتخابات بشهرين نظراً الى أهمية الاصلاحات المطلوبة". واعتبر ان "السوق ستنظر بعد الانتخابات الى الجاهزية لتحقيق هذه الاصلاحات لتتحدد عندئذ المراحل الجديدة للاقتصاد اللبناني". وعن قلق مؤسسات التصنيف الدولية من ازدياد المخاطر السيادية على ما تحمله المصارف من سندات وشهادات ايداع، كشف سلامة أن "محفظة المصارف من هذه السندات وشهادات الايداع تراجعت الى 49 في المئة هذه السنة في حين كانت تتجاوز 70 في المئة في 1997، لذا نرى ان الاتجاه لدى القطاع المصرفي الى ادارة حكيمة لتوظيفاته"، موضحاً ان "جزءاً من التوظيفات بالليرة لا يحمل مخاطر، كما ان مخاطر التوظيفات بالدولار محمولة لأنها تشكل نسبة مقبولة من موجودات المصارف بالعملات". وأشار الى أن "35 في المئة من موجوداته تمثل التسليفات في شكل سندات للقطاع العام وهناك جزء يساويه للقطاع الخاص، وما تبقى يتوافر سيولة لدى المصارف المراسلة او في مصرف لبنان". وعن قراءته لتحفظ "ميريل لينش" عن الاوراق المالية اللبنانية، اعتبر سلامة أن "المؤسسات المالية العالمية تبقي موقفها المتحفظ ازاء ادوات الدين التي تصدرها أي دولة طالما لم تلمس تقدماً في السيطرة على العجز وتنامي المديونية". لكنه أكد أن "الاسواق هي المؤشر للتعاطي مع الاوراق اللبنانية"، مشيراً الى "استقرار الفوائد في السوق الثانوية والاقبال اللافت على شراء سندات الليرة لأجل ثلاث سنوات، ما يؤكد الثقة والاطمئنان الى الاوضاع المالية في لبنان". وشدد على أن "لا خوف من خروج الرساميل كما ان عملية العرض والطلب على السندات بالدولار طبيعية". ... ولا خوف على الليرة وعن الاجراءات لاحتواء تأثيرات الوضع السياسي والقرار 1559 قال سلامة "قام مصرف لبنان في 2003 وفي العام الماضي بهندسات مالية مكنته من تعزيز الاحتياطي لديه ومن السيطرة على الاسواق، اذ كنا نتوقع مثل هذه الضغوط بفعل الاستحقاق الرئاسي العام الماضي والاستحقاق النيابي هذه السنة ... وبالفعل شهدت الاسواق ضغوطاً بين آب اغسطس وتشرين الثاني نوفمبر الماضيين وتمكن المركزي بفعل هذه الهندسات والاصدار الحكومي من اليوروبوندز 1350 مليون دولار من اعادة عملية التدخل الى ما كانت عليه قبل الاضطرابات، وانقلبت السوق لتصبح بائعة للدولار منذ منتصف تشرين الثاني ولغاية اليوم". وأكد أن "سوق القطع وهو المؤشر الاساس يتسم الآن بالهدوء الايجابي على رغم استمرار توتر الاوضاع السياسية، فامكانات الاستقرار متوافرة ولا خوف على الليرة". واستبعد سلامة أي انعكاسات مباشرة للقرار الرقم 1559 على القطاع المصرفي وحركة الاموال "لأنه لا يلحظ عقوبات مالية، كما أن لبنان على اتصال مع المراكز الاساسية في العالم التي توجه فعلاً الى مثل هذا النوع من العقوبات بفضل نجاحه في الانخراط بالعولمة وتعاونه مع "غافي"، مؤكداً "الثقة في طريقة ضبط الاموال والتعاون القائم مع الخارج منذ احداث 11 ايلول سبتمبر 2001 او خلال الحرب العراقية". وعن الديون المشكوك في تحصيلها لدى المصارف، أوضح سلامة ان "ما تحقق من تسويات بين المصارف وعملائها قارب البليون دولار أي ما يساوي 50 في المئة من اجمالي هذه الديون. وسمح تعميم المصرف المركزي بتسديد الديون بعقارات وتجزئة الدين لعشر سنوات بحيث يمكن المصارف استهلاك هذه العقارات على مدى عشرين سنة". واعتبر ان "تسوية هذا المبلغ سيحسن السوق بدخول هؤلاء العملاء مجدداً اليها، وستحسن من وضع المصارف لجهة ارتفاع حجم المؤونات المخصصة لتغطية الديون المتبقية والمشكوك في تحصيلها الى 90 في المئة من 70 في المئة".