المملكة تعزي العراق قيادة وحكومة وشعبًا في ضحايا «حريق الكوت»    رئيس الوزراء العراقي يدعو لإغلاق أي مبنى لا تتوفر فيه إجراءات السلامة والوقاية    الكشف عن هاتف Nothin Phone 3 وسماعات الرأس Headphone 1 في خطوة جريئة للارتقاء بالتصميم والأداء والصوت    الشؤون الإسلامية في جازان تواصل البرنامج التدريبي في الإسعافات الأولية    إنقاذ تسعينية بتقنية متقدمة في سعود الطبية    نجاح عملية فصل التوأم الملتصق السعودي يارا ولارا بعد عملية جراحية دقيقة استغرقت 12 ساعة ونصفا    تعليم الطائف يختتم فعاليات برنامج موهبة الإثرائي الأكاديمي لأكثر من 200 طالب وطالبة    القادسية يعلن رحيل هدافه أوباميانغ    صدور بيان عن السعودية و 10 دول حول تطورات الأحداث في سوريا    إنقاذ مواطن من الغرق أثناء ممارسة السباحة في ينبع    فرع وزارة البيئة بحائل يستعرض فرص التعاون في التوعية وحماية الموارد    أمير جازان يستقبل رئيس هيئة الرقابة ومكافحة الفساد    تنفيذ حكم القتل تعزيرًا بأحد الجناة في المنطقة الشرقية    نائب وزير الخارجية يلتقي المستشار الدبلوماسي لرئيسة مجلس الوزراء الإيطالي    الدولار يتعافى والأسهم الأوروبية تتجاوز سلسلة خسائر استمرت أربع أيام    هيئة تطوير محمية الملك سلمان بن عبدالعزيز الملكية تنظم برنامج "إعادة التدوير من الفكرة إلى الاستدامة"    مفردات من قلب الجنوب ٤    انتخاب المملكة لرئاسة جمعياتٍ ولجانٍ في المنظمة العالمية للملكية الفكرية    أمير القصيم يدشن مبادرة "أيسره مؤنة" للتوعية بتيسير الزواج    المدينة المنورة تبرز ريادتها في المنتدى السياسي 2025    أمير منطقة جازان يستقبل وكيل الإمارة والوكلاء المساعدين الجدد    تأسيس جمعية المستقبل الصناعي غير الربحية    الأولى عالميا.. التخصصي يزرع جهاز دعم بطيني مزدوج بمساعدة الروبوت    النفط يرتفع مع تحسن المعنويات بفضل توقعات الطلب والبيانات الاقتصادية    استشهاد 16 فلسطينيًا في قصف على قطاع غزة    "طمية" تنظم إلى الأسطول الإسعافي بفرع الهلال الأحمر بعسير    مقتل امرأة وإصابة 3 في روسيا    457 مليونا مستحقات مزارعي القمح    98.7% نموا بتأمين الحماية والادخار    الأمير سعود بن نهار يلتقي المدير التنفيذي لهيئة الصحة العامة بالقطاع الغربي    اطلاق النسخة الثانية من مشروع "رِفْد" للفتيات في مدينة أبها بدعم من المجلس التخصصي وأوقاف تركي بن عبد الله الضحيان    "الأونروا": سوء التغذية بين الأطفال دون سن الخامسة تضاعف في قطاع غزة    حفل يامال المثير للجدل يغضب برشلونة    السويسري"تشاكا" بين نيوم وسندرلاند    مصر ترفض مخطط «خيام غزة»    أصابع الاتهام تشير للفصائل المسلحة.. تحقيق عراقي في ضرب حقول النفط    «شلة ثانوي».. مسلسل جديد في الطريق    بهدف الارتقاء بالمنتج الثقافي والمعرفي.. توقيع مبادرة "سعوديبيديا" لتعزيز المحتوى السعودي    شركة الدرعية توقع عقداً بقيمة "5.75" مليارات ريال لمشروع أرينا الدرعية    تفكيك خلية خطيرة تابعة للمليشيا.. إحباط محاولة حوثية لاغتيال المبعوث الأممي    تسحب اليوم بمقر الاتحاد القاري في كوالالمبور.. الأخضر يترقب قرعة ملحق تصفيات مونديال 2026    وزارة الحج والعمرة تكرم عمر بالبيد    المفتي يستعرض أعمال "الإفتاء" ومشاريع "ترابط"    إطلاق مبادرة لتعزيز التجربة الدينية لزائرات المسجد النبوي    د. باجبير يتلقى التعازي في وفاة ابنة شقيقه    " الأمن العام" يعرف بخطوات إصدار شهادة خلو سوابق    "الأحوال": جدد هويتك قبل انتهائها لتفادي الغرامة    "الداخلية" و "الموارد البشرية" يوقّعان مذكرة تفاهم    طبيب يقتل 15 مريضاً ويحرق منازلهم    رونالدو يخطف جائزة لاعب الموسم..وجماهير الاتحاد تنتزع"تيفو العام"    الخليج يضم الحارس الدولي"أنتوني"حتى 2027    القادسية يوقّع رسمياً مع المهاجم الغاني"كريستوفر بونسو" حتى 2029    المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي ومكافحة التصحر يُطلق مبادرة تقليم أشجار العرعر في منطقة عسير    أمير جازان: جهود مقدرة لهيئة التراث في تمكين الشباب    نيابة عن أمير عسير محافظ طريب يكرم (38) متفوقًا ومتفوقة بالدورة (14) في محافظة طريب    أمير تبوك يطمئن على صحة الشيخ عون أبو طقيقه    عزت رئيس نيجيريا في وفاة الرئيس السابق محمد بخاري.. القيادة تهنئ رئيس فرنسا بذكرى اليوم الوطني لبلاده    نائب أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على الشثري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في حوار طويل قبل عشر سنوات عن السلطة والمال والسياسة ومحطات الذاكرة . رفيق الحريري : لبنان لا يحكم بالقوة العسكرية ... وكل مشروع لا يخاطب كل الأرض وكل الشعب لا ينجح الأخيرة
نشر في الحياة يوم 18 - 02 - 2005

دولة الرئيس، ما هي فكرة لبنان بالنسبة اليك؟
- انها مجموعة ثوابت وليدة التربية والتجربة. اعتقد بأن العيش المشترك هو قدر اللبنانيين. وكل ما يمكن ان يهدد هذا العيش المشترك لا يمكن ان يصب في خدمة لبنان او في خدمة اي لبناني. وهذا القدر - الخيار يلزم المواطن والسياسي الالتفات دائماً الى الآخر. قام لبنان على تلاقي ارادات، اي على شراكة في المشاعر والمصالح. ولأن تركيبة لبنان غنية ومتنوعة ليس من حق اي فريق ان يسعى الى فرض لونه او ارادته كأنه اللاعب الوحيد.
وعلى ارضية اللقاء المشترك تترسخ مشاعر الوحدة التي اعتبرها الضمان الاول لبقاء لبنان. لقد وقع كثير من اللبنانيين، ويا للأسف، في خطأ اختبار رهانات اخرى وكانت الحصيلة مؤلمة. اعتقد اليوم ان هذا الخيار حسم الى غير رجعة. فلبنان يجب ان يشبه كل اللبنانيين وكل مشروع لا يخاطب كل الارض وكل الشعب لن يكتب له النجاح على المدى الطويل.
الواقعية تقضي بالاعتراف بوجود تباينات او اختلافات في الرؤى داخل الشعب الواحد. لكن خيار الوحدة والتمسك بالثوابت الوطنية يجعلان من تنوع التركيبة الطائفي مصدر غنى وفرصة لتجربة فريدة بدل ان يكون الاختلاف مصدراً لعوامل تفجير دائمة. لا يحكم لبنان بالقوة العسكرية لفريق. ولا يدوم استقرار اذا قام على استئثار. وليست في لبنان اكثرية بالمعنى التقليدي. الاكثرية يجب ان تتشكل من تلاقي التصورات او البرامج من دون ان تنقض في اي وقت الثوابت.
وقدر اللبنانيين ان يعيشوا في ظل الديموقراطية واعتقد ان هذا هو خيارهم ايضاً. الديموقراطية بما تعنيه من تداول سلمي للسلطة ومن حريات سياسية وحزبية واعلامية. ولكن دعنا نقل صراحة ان ممارسة الحرية من دون الالتفات الى المسؤولية هي ممارسة خطرة. هذا الكلام لا يهدف الى تبرير اي تقييد للحرية فلا الوضع في لبنان يطيق مثل هذا التقييد ولا التطورات في العالم تبرره او تحتمله. لكن ضمان امن الوطن والمواطنين وضمان القيم الوطنية والديموقراطية يفترضان احترام القانون الذي يجب ان يكون حامي الحرية وضامن المسؤولية.
لنأخذ مثلا على ذلك: المعارضة جزء من العملية الديموقراطية وممارستها دورها تساعد الحكم على تصحيح الاخطاء والهفوات. واذا تعذر التصحيح من حق الشعب ان يحسم المسألة عبر انتخابات. وشرط نجاح هذه المسألة ان تعتبر المعارضة نفسها ايضاً مسؤولة عن البلد او تجاهه. تهديم الحكم من دون اقتراح بديل مقنع يهدد الديموقراطية. وفي هذا السياق اعتقد ان الممارسة السياسية في لبنان تحتاج الى مزيد من النضج. الامر نفسه في الاعلام. انت تعيش في بريطانيا، هل يستطيع صحافي هناك ان يطلق حملة تشهير او ان يوجه اتهامات من دون ادلة واثباتات؟ يسارع القانون الى التدخل ويحمي حق من وجهت اليه التهم. انني اتساءل: هل تخدم المصلحة اللبنانية كتابة مقال تدفع المستثمرين الى عدم توظيف اموالهم في لبنان او تهدد علاقات لبنان ومصالحه؟
ومن الثوابت ايضاً قيام علاقات وثيقة بين لبنان ومحيطه العربي. فهذه العلاقات مصدر قوة للبنان وقد قام دوره الريادي دائماً على انفتاحه. واذا كان لبنان كبلد عربي معنياً بعلاقات وثيقة مع العالم العربي فهو معني اولاً بعلاقات وطيدة ومميزة مع سورية تكون مصدر قوة للبلدين وضماناً لمصالحهما. اظهرت التجربة الطويلة ان مشاريع العداء لسورية في لبنان هي مشاريع انتحارية، في حين ان التعاون معها وفّر فرصة لانهاء الحرب واعادة الاستقرار.
الحرب على الحرب
برز اسمك خلال الحرب وتوليت الحكم بعد اقرار السلام، اين كنت في الحرب؟ في اي موقع؟ وماذا فعلت؟
- لو لم تحدث الحرب ربما كان مصيري مختلفاً وربما لم اتعاط السياسة مباشرة. العمل السياسي حق مشروع، لا بل هو واجب ولكن دعني اقل بصدق انني لم اخطط للوصول الى منصب ولا حتى لدخول المعترك السياسي على رغم شرعية مثل هذا الطموح. عندما بدأت الحرب كنت اعمل في السعودية وخارج لبنان. وعندما امتدت وطالت خالجني دائماً شعور بأن التقاتل ليس قدراً وانه ليس خيار غالبية اللبنانيين.
طبعاً، من السهل في الحرب اثارة الغرائز واستدراج الناس لكنني من الذين اعتقدوا دائماً ان الغالبية الساحقة متمسكة بالثوابت الوطنية. كنت في احلك ساعات الحرب شديد الثقة بأنه في موازاة لبنان الممزق والمتقاتل هناك لبنان آخر لن يتأخر في التعبير عن ارادته. ومنذ اندلاع الحرب اعتقدت ان الموقف الوحيد المطلوب هو اعلان الحرب على الحرب. ولهذا لم اكن يوماً جزءاً من مشروع قتال وربما كنت جزءاً من اي محاولة سلام او محاولة لوقف الحرب.
زادت الحرب اقتناعي بضرورة دعم لبنان الآخر، لبنان العلم والتقدم والثقافة الذي سيكون قادراً على اعادة بناء ما خربته الحرب. ومن هنا اتسعت فكرة تعليم الطلاب وتوفير المنح لهم لاسباب انسانية ووطنية في آن. كان القتال يسعى الى تدمير ما بقي من مبررات الوجود، وكنا نحاول توفير خميرة صالحة لليوم الذي تسكت فيه المدافع.
في الحرب شعرت بأن واجبي يلزمني السعي الى تخفيف وطأتها بحدود استطاعتي. وفي مرحلة لاحقة شعرت بأن الواجب يتخطى المساعدة الانسانية ليفرض السعي الحثيث الى انهاء الحرب نفسها. والسعي الى انهاء الحرب يلزمك التعامل مع المتحاربين والمعنيين. من هنا كان موقف التحدث مع الجميع بلا استثناء على رغم اختلاف القناعات مع هذا الفريق او ذاك. انا اصلا لا اؤمن بالقطيعة التي تضاعف المخاوف والميل الى تجاهل الآخر. من هنا كان السعي الى توفير شروط لوقف اطلاق النار ثم الى تحصين هذا الوقف ببلورة تفاهم يضمن عدم تجدد القتال. كانت المرحلة صعبة واستلزمت جهوداً كثيرة بذلتها اطراف عدة. واعتبرت انا ما اقوم به عملاً وطنياً. والحقيقة ان العمل السياسي، من دون الهاجس الوطني يتحول الى عراك على موقع او منصب.
لم اموّل مشروع قتال
هناك حديث عن مساعدات قدمتها الى اطراف في الحرب كانت في مواقع متناقضة؟
- حين تقول انك ضد الحرب عليك ان تترجم قولك الى فعل، اي ان تسعى الى انهائها. وحين تقول انك ضد خطوط التماس عليك ان تسعى الى الغائها. وان تكون المساعدات والمنح شملت اكثر من منطقة وفئة فهذا جزء من الواجب الانساني والوطني. لم نعلن عن هذه المساعدات ولا اريد الخوض فيها ولم نحاول توظيفها اعلامياً او في خدمة من قدمها. يمكن ان اختصر المسألة على هذا النحو: لم اشارك مطلقاً في تمويل مشروع حرب او مشروع قتال ولم اتردد مطلقاً في اي تضحية يستلزمها الجهد لانهاء القتال.
والمسألة بسيطة كان يمكن توظيف المال لاستقطاب الشبان وارسالهم الى المتاريس. وكان يمكن توظيف المال لارسال الطلاب الى ارقى الجامعات ليكونوا لاحقاً في تصرف مشروع لبنان الخالي من المتاريس وخطوط التماس. نحن منذ اللحظة الاولى او الرصاصة الاولى كان الخيار الثاني هو الخيار الوحيد بالنسبة الينا. ربما كان لمن حاربوا وتحاربوا منطقهم وتبريراتهم وظروفهم ومخاوفهم ولكن كان من حقنا ايضاً ان نفكر في دولة السلام وما ستحتاج اليه من كادرات ومواطنين اصحاب اقتدار علمي وفكري وثقافي يصلحون لمرحلة السلام.
ضمان الدولة
تشدد دائماً على فكرة الدولة ماذا تقصد بالتحديد؟
- لعل اول درس يمكن استخلاصه من تلك الحرب الطويلة هو فداحة الخطر الذي يمكن ان يمثله غياب الدولة او تغييبها. لقد جربت الطوائف والمناطق اسلوب العيش في غياب الدولة وكان باهظ النفقات. قامت دويلات وميليشيات وجيوش خاصة قاتلت على خطوط التماس ثم تقاتلت داخل كل منطقة او طائفة. غياب الدولة يبطل اي ضمان والبدائل التي جربت اظهرت ذلك. غياب الدولة يهدد الارض ويهدد الناس ويهدد الوجود برمته. وغياب حكم القانون يحول المجتمع الى غابة. الدولة تخطئ وتقصر وربما ظلمت لكن ظلمها يبقى بالتأكيد اقل بكثير من الظلم الذي ينجم عن غيابها.
نعم مشروعنا يرتكز على وجود الدولة، دولة الوفاق ودولة المؤسسات. واقصد المؤسسات الامنية والسياسية والادارية والانمائية والاعمارية. لا اعمار بلا وفاق. ولا تنمية بلا استقرار. ولا استقرار من دون امن. الدولة هي الضمان للموالين والمعارضين، بالدرجة نفسها، خصوصاً ان الدولة التي نتحدث عنها تنبثق من خيار شعبي اي مجلس نيابي منتخب وحكومة تنبثق من ارادة المجلس ورئيس للجمهورية ينتخبه من فوض الشعب اليهم حق القيام بهذه الممارسة.
عندما تشرذمت الدولة فتح الباب لكل الاخطار ولم يعد لبنان قادراً على حضور مؤتمر دولي او اسماع صوته. وعندما عادت الدولة بدأ لبنان باستعادة موقعه وحقه في الدفاع عن مصالحه. طبعاً لا يمكن استباحة الدولة على مدى 71 عاماً ثم المطالبة بدولة نموذجية خلال شهور. لا بد من الوقت ليعتاد الناس مجدداً على منطق الدولة. المسألة تستدعي تغيير عقليات وذهنيات وممارسات لكنني اعتقد ان منطق الدولة اليوم هو اقوى بكثير مما كان غداة وقف الحرب وان كنت شخصياً اتمنى لو كان اقوى بكثير مما هو اليوم.
لا تنتهي الحرب بمجرد وقف اطلاق النار. ولا يمكن التغلب على آثار الحرب بمجرد وضع سطور على الورق. بعد حرب كالتي عشناها لا بد من اعادة بناء شاملة. اوليست المصالحة الوطنية اعادة اعمار للنفوس والمشاعر؟ أوليس الوفاق اعادة اعمار للمعادلة اللبنانية نفسها؟ صحيح ان الذين جاؤوا الى الدولة يطالبونها بالكثير لكن الصحيح ايضاً هو انها تطالبهم بأكثر. وهذا التجاذب يومي وان برز عند المحطات. وكلما نجحت الدولة في بناء نموذج افضل ازدادت قدرتها على مطالبة الآخرين بالتسليم الكامل لمنطق الدولة.
مدرسة الصقور
صعودك السياسي مختلف عن تجارب كل السياسيين في لبنان على اختلافهم كيف تفسر ذلك؟
- صحيح، أنا لم ارث موقعاً سياسياً ولم اؤلف حزباً ولم اشارك في عمل انقلابي للاستيلاء على السلطة. منذ استقلال لبنان كان هناك ما يشبه القاعدة وهي ان تصعد في طائفتك وفي صورة رجل متشدد وحين تستجمع شعبية وتطمئن الى موقعك تحاول تقديم نفسك في صورة المعتدل وتروح تمارس دوراً مزدوجاً يقوم على الاعتدال والتشدد. انها مدرسة الصقور الذين تشكل قدرتهم على الامساك بمؤيديهم تغطية لمشاركتهم في الدولة او لمعارضتهم اياها. انا لا انتمي الى هذه المدرسة التي تبدو طبيعية في ظل المخاوف المتبادلة.
اعتقد انني جئت من مدرسة مختلفة وممارسة مختلفة. لا اصدر احكاماً على الآخرين لكنني اصور واقعاً. وقد لا اكون وحيداً في هذا النهج واعتقد ان على اي مسؤول في الدولة التي نريدها دولة المؤسسات ان يدافع عن مصالح كل اللبنانيين وليس عن مصالح طائفته او منطقته. اما اذا كنت تشير الى ما يسمونه القدرة المالية فانني اقول لك انني لست الوحيد الذي يملك مثل هذه القدرة في لبنان، وهي بالتأكيد لا يمكن ان تكون العامل الوحيد او الحاسم في اكتساب ثقة الناس.
خصوصية لبنان
هل لفكرتك عن الدولة علاقة بتشديد الشهابية على الدولة والمؤسسات؟
- انا افضل الاجابة بطريقة اخرى، اي ان اقول انا فكرتي عن الدولة ولك ان تقارن مع الشهابية. انا مؤمن تماماً بالحكم المدني القوي وليس بالحكم المدني الضعيف. قناعتي بالحرية والديموقراطية عميقة وراسخة. افهم الديموقراطية انها تكافؤ الفرص والحرية كحرية مسؤولة بعيدة عن الفوضى والابتزاز. اي الحرية التي تحترم الغير وتتصرف بمسؤولية تجاه الوطن. هناك مقولة شائعة في لبنان وهي تقول"الحكي ما عليه جمرك". هذه العبارة لا احبها. انا اعتبر ان الكلمة اساسية ولها مسؤوليتها ولا يجوز ان ترمى جزافاً. وارى ان تكافؤ الفرص امام اللبنانيين للمشاركة في الحياة السياسية والحياة العامة موضوع جوهري.
انا ادرك في الوقت نفسه خصوصية لبنان على الصعيد الطائفي. فمثلا، اذا كان وجود رئاسة الجمهورية في يد الموارنة عامل طمأنينة لهم فأنا لا امانع في بقائها وهذا لا يضيرني. انا اعتقد ان جميع اللبنانيين يجب ان يشعروا بأنهم ممثلون في الدولة وان يثير هذا التمثيل ارتياحاً لديهم. انا اعتقد ان رئيس الجمهورية يجب ان يكون قوياً، والامر نفسه بالنسبة الى رئيس مجلس الوزراء ورئيس مجلس النواب. الحكم الحقيقي والمثمر ينهض به الاقوياء لا الضعفاء. والقوة ليست عضلات، ان مصدرها الاساسي شعور الناس بأن هذا الشخص يمثلهم ولا اقصد بالناس الطائفة التي ينتمي اليها المسؤول بل القدرة على التعبير عن هموم المواطنين بما يتخطى هموم المنطقة والطائفة.
ما لا يمكن شراؤه
دولة الرئيس ما هو الشيء الذي لا يمكن شراؤه بالمال؟
- سؤالك يحاول الايحاء انني من الاشخاص الذين يشترون كل شيء بالمال وهذا غير صحيح. هناك اناس يروجون هذه المسألة لغايات سياسية. ليس من اهم كفاءاتي ان لدي اموالاً. حصّلت الاموال ولم ارثها. المال هو احد الاشياء التي حققتها بنتيجة عملي. بعض الناس لا يحب اعتبار نجاح المرء نتيجة لكفاءته. كثيرون من الذين يملكون اموالاً لا يستطيعون بناء علاقات. المال ليس كل شيء. هناك احترام الآخر. والقدرة على الفوز بثقته وهذه قيم لا يستطيع المال ان ينوب عنها في حال غيابها.
هل بحثت مع الرئيس معوض او فاتحك في اي وقت في تولي منصب معين؟
- اجزم جزماً قاطعاً بأن هذا الموضوع لم يطرح لا من قريب ولا من بعيد.
قصة الربيع
بعد عامين في الحكم كيف تنظر الى هذه التجربة؟ اين نجحت واين تعثرت؟ وبأي عراقيل او صعوبات اصطدمت؟
- ابرز ما يواجه من يتولى المسؤولية هو ان اللبنانيين في عجلة من امرهم ربما لانهم لم يؤمنوا بالحرب اصلاً. وحين انتهت الحرب ظهر لديهم ميل الى عدم تصديق انعكاساتها. هذا الموقف دفعهم الى الاعتقاد بأن البلاد ستعود الى ما كانت بمجرد انتهاء الحرب. هذا الامر ليس طبيعياً لانه يتعامل مع الحرب كأنها حادث عابر وينسى ما فعلته. خلال 71 عاماً حدث امران اساسيان: الاول هو ان جزءاً كبيراً من البنية التحتية دمر، ومعه جزء كبير من الصناعة والفنادق اضافة الى انه خلال الاعوام الپ71 لم تحدث اي مواكبة للتطور الطبيعي في حياة اي بلد. التأخر عندنا ليس فقط 71 عاما اذ عليك ان تضيف الدمار الذي حصل.
الثاني هو اننا حين جئنا الى الحكم قلنا ان العمل سيبدأ في الربيع. تلقف السياسيون هذه الكلمة وصوروا الامر كأن العمل سينتهي في الربيع علماً انني تحدثت في الوقت نفسه عن خطة لعشر سنوات. وكتب الكثير عن خطة السنوات العشر والعام الفين. لا يعقل ان نتوقع نتائج في الربيع ونحن نشعر بحجم المشاكل وما يحتاج التغلب عليها من امكانات وجهد ووقت. وربما هنا تظهر براعة السياسيين في تحوير الاشياء.
عمل صعب
لا شك في ان ممارسة الحكم في لبنان عمل صعب. هناك مطالب متعارضة وهي كثيرة، وهناك صعوبات قديمة ضاعفتها الحرب. ويجب الا ننسى ان الحرب انتهت من دون غالب او مغلوب. عندما تنتهي الحرب بغلبة فريق يوطد هذا الفريق سلطته ويفرض برنامجه. اما حين تنتهي الحرب من دون غلبة من هذا النوع فان التسوية تفرض الاخذ برأي الجميع. طبعاً من حسن حظ لبنان ان الحرب انتهت بتسوية تحفظ حقوق الجميع وادوارهم وهذا من طبيعة تركيبة لبنان. لا شك في ان اجواء الانتخابات والمقاطعة لم تسهل الانطلاقة التي كان يؤمل في حصولها والامل هو ان تلعب الانتخابات المقبلة دورها في الدفع والتصحيح وترسيخ المناخات الطبيعية.
بعد عامين يمكن القول ان ما حققناه كان اقل مما كنا نأمل به. لكنه لم يكن قليلاً اذا اخذنا في الاعتبار الظروف والتعقيدات. هناك ما يمكننا ان نفاخر به وهناك امور كنا نتمنى لو انها حدثت في صورة افضل او في صورة اخرى. في عملية التقويم كما في عملية المحاسبة لا بد من الالتفات الى الظروف، اي الى الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي. هناك مشاكل ملموسة.
على سبيل المثال، ان المقاولين اللبنانيين القادرين على التنفيذ لم يعودوا موجودين تقريباً واذا وجدوا فان امكاناتهم ضعيفة ولا بد لهم من الوقت لتجهيز انفسهم بالكفاءات البشرية والمعدات. هذا الموضوع احرص عليه تماماً لأن عملية البناء نفسها يجب ان تساهم في ايجاد كوادر مدربة وان يرجع المقاول اللبناني ليأخذ دوره. هذه كانت احدى ثرواتنا الاساسية. اللبنانيون عمروا بلدهم وعمروا في الخارج ايضاً. الاوضاع تتحسن الان، وعلى رغم بعض التأخير فان الاكيد ان وضع المقاولين اليوم افضل مما كان لجهة الكوادر والتجهيز. علينا ان نتذكر ايضاً ان الحرب لا تلحق الضرر بالحجر وحده. فعلى صعيد الأداء السياسي مثلاً اظهرت الشهور الماضية نوعاً من الانحطاط السياسي يتمنى المرء لو انه لم يره. النقاش السياسي شيء وتوزيع الافتراءات والاتهامات بلا اساس شيء آخر. ان القانون في البلد يحمي، ويا للأسف، حرية التشاتم. اذا شتمك احدهم تستطيع ان تشتمه لكن القانون ليس قادراً على حماية من يتعرض لافتراء او تشهير. ان تحصيل الحقوق عبر القانون يستلزم طبعاً اجراءات طويلة جداً يصعب تنفيذها في العمل السياسي. فقبل ان يقول القانون كلمته يكون الضرر حصل والافتراء حقق غرضه. اجتمعت مع هيئة تحديث القوانين وقلت ان على رجال الفكر والقانون ايجاد طريقة لحفظ كرامة الناس وجعل القانون المرجع الفاعل. ان ما يثلج الصدر هو ان الألاعيب لا تنطلي على الناس حتى ولو نجح مروج الافتراءات في اجتذاب الناس ليوم او اثنين. لا شك في ان قدرة الناس على تمييز النقد البناء من التجريح والتهديم هي اليوم اكبر.
نجحنا هنا ولم ننجح هناك
الحقيقة ان همي الاول في العامين الماضيين كان احياء فكرة الدولة والمؤسسات بعدما روجت الحرب لفكرة غياب الدولة او تقاسمها. لا يمكن بناء السلام الداخلي من دون قيام دولة لا تنفصل فيها الحقوق عن الواجبات والحرية عن المسؤولية. فالدولة هي المرجع وهي الضمان للحقوق والمصالح. وبناء الدولة ليس مهمة سهلة. علينا ان نعترف بأننا نجحنا في امور ولم ننجح في اخرى. ابرز ما لم ننجح فيه هو الاصلاح الاداري وقد انعكس سلباً على صورة الحكم. اصدرنا في الحكومة قرارات وابعدنا نحو 007 موظف. بسبب القانون الذي صدر والشكل الذي صدر فيه اعاد مجلس شورى الدولة معظم الذين صرفوا. هناك امور معروفة للناس لكنها غير موجودة في الملفات وبالتالي عاد الفاسدون الى الادارة بشراسة اكبر. ولهذا نرى الكلام على الفساد كثير لكنه مبالغ فيه كثيراً وهو يستخدم لاسباب سياسية هدفها النيل من صورة النظام السياسي العام.
دولة الرئيس والدولة
خصومك يقولون انك تحاول بناء دولتك ضمن الدولة ويعطون مجلس الانماء والاعمار مثلاً على ذلك؟
- هذا الكلام غير صحيح. نحن نحاول ان نبني الدولة والعملية مستمرة سواء في الامن او الوزارات او مجلس الانماء والاعمار او مجلس تنفيذ المشاريع الكبرى لمدينة بيروت او مجلس المشاريع الانشائية. لا احد يستطيع الادعاء ان وضع الوزارات اليوم شبيه بما كانت قبل سنتين. لم يكن لدى الوزير مكتب وسكرتيرية وهاتف. الوزارات تعمل اليوم. ثم ان مجلس الانماء والاعمار موجود منذ ايام الرئيس سركيس وحتى مجلس ادارته لم اعينه انا بل عين في ايام الرئيس عمر كرامي. رئيس المجلس كان يعمل في شركة تابعة لي لكنه عين قبل ان اتولى رئاسة الوزراء ومجلس الانماء والاعمار يقوم بدوره.
دولة الرئيس ما هي المهمة الاكثر الحاحاً الآن؟
- متابعة بناء الدولة. المنطقة تتجه نحو السلام حتى ولو تأخر قليلاً. اسرائيل تريد السلام بشروطها. اذا تمكنا نحن وسورية من الصمود - وانا اعتقد اننا سنصمد - سنصل الى السلام الذي نتطلع اليه. المشكل السياسي في لبنان تحله الانتخابات. ولكن خلال عملية البحث عن السلام كما بعد الوصول اليه لا بد للبنان من اعداد نفسه ليتحمل انعكاسات ما قبل السلام وما بعده. والاعداد اعماري وانمائي وهذا ما هدفت اليه الحكومة في خطتها الاخيرة.
لماذا الخطة ولماذا المشاريع؟ لأن البلد لا يستطيع الصمود من دون بنية تحتية تساعده اذا طالت عملية البحث عن السلام. ولا يستطيع مواجهة انعكاسات السلام من دون بنية تحتية قوية واقتصاد قوي. نحن اليوم كمن يأكل لحمه. لدينا عجز سنوي ومرشح للزيادة من دون وجود افق لتنمية. كل انفاقنا هو على الرواتب وفوائد الدين العام وتسيير شؤون الدولة. كيف سنسدد الدين؟ لا سحر في هذا المجال فاما زيادة الضرائب واما خفض الانفاق. وزيادة الايرادات اما بالضرائب واما بزيادة التنمية. حين يتحسن الوضع الاقتصادي تزداد ايرادات الدولة في صورة طبيعية، اي حين يزيد الدخل القومي. وزيادة الدخل القومي لا تتأتى الا بزيادة الاستثمارات. ليس لدينا غاز او بترول او موارد طبيعية من هذا النوع.
ما هي العلاقة بينك وبين العميد ريمون اده؟
- بيني وبين العميد اده أمور أساسية نتفق عليها وأمور أساسية نختلف عليها وأمور فرعية نتفق عليها في غالبيها. العميد رجل آدمي ووطني، يحكي قناعاته بغض النظر عن الموافقة عليها أو معارضتها. رجل لديه قناعاته وهو في الغالب لا يغيرها. مواقفه نابعة من قناعاته. لا أحد يمون على العميد. لديه تصور للوضع نتفق معه في نقاط ونختلف في نقاط لكن الاحترام قائم في كل الحالات.
يبدو كأن بينك وبين الرئيس صائب سلام علاقة خاصة؟
- نعم صحيح. الرئيس صائب سلام الشيء نفسه. رجل أحبه واحترمه كثيراً. اتفق معه في أمور عدة وربما اختلفنا في بعض الأمور، لكن الاحترام موجود دائماً. صائب سلام زعيم كبير وهو ما يقر به حتى خصومه.
انطباعك عن المرحوم رشيد كرامي؟
- دفع الشهيد رشيد كرامي حياته ثمناً لمواقفه المعروفة ووطنيته. كان يؤمن إيماناً عميقاً بلبنان وبالعيش المشترك. وكان يعرف كيف يتعامل مع السلطة وكانت له مع سورية علاقة واضحة وصريحة، وموقفه من اسرائيل كان واضحاً وصريحاً. وهو تعاون بنجاح مع عدد من رؤساء الجمهورية.
وتقي الدين الصلح؟
- عرفت تقي الدين الصلح خارج السلطة. كان رحمه الله، اضافة الى طيب معشره، صافي الذهن وينظر الى الصراع العربي - الاسرائيلي كصراع حضاري وقصة أجيال. كان معارضاً بقوة لاتفاق 71 أيار. وأنا سمعته يقول هذا الكلام في منزل عدنان قصار. قلت له يومها هناك مخاوف من اننا نمر في العصر الاسرائيلي فأجاب: يا أبو بهاء ليس هناك شيء اسمه العصر الاسرائيلي. جاء العسكر لتأديبنا لكن هذا الأمر لا يوصل الى أي مكان. أنا لم أعرف كل رؤساء الحكومة أنا عرفت سليم الحص وشفيق الوزان وصائب سلام ورشيد الصلح وعمر كرامي ورشيد كرامي اضافة الى تقي الدين الصلح. في الفترة التي عرفتهم فيها كانت البلد تمر في ظروف صعبة وبالتالي لا يمكن أن نحكم على أدائهم لأن الظروف كانت استثنائية من نواح كثيرة. لو كانت ظروف البلد مختلفة لربما قام كل واحد منهم بمهمته. كانت الظروف صعبة.
هناك من يقول ان رئيس الحكومة كان يشاكس في الجمهورية الأولى ليثبت أنه موجود وله الحق في دور الشريك، وان الأدوار انقلبت اليوم فبات رئيس الجمهورية يحتاج الى المشاكسة ليكون شريكاً؟
- أنت تتجاوز اتفاق الطائف. انك تعقد مقارنة بين وضعين مختلفين وحالتين كل واحدة منهما حصلت في ظل دستور. هناك دستور جديد بعد اتفاق الطائف. وهذا الدستور منح رئيس الجمهورية صلاحيات كافية للمشاركة في الحكم ومنح مجلس الوزراء صلاحيات تكفي لكي يكون السلطة التنفيذية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.