لا يزال اليأس من الوضع الراهن يجبر الكثيرين من خريجي الجامعات في سورية على الهرب إلى الجانب الآخر من العالم حيث أحلام وردية. "طائرة الأحلام"هكذا يسمي باسل الطائرة التي ستقله خلال أسبوع إلى ألمانيا ليتابع دراسته وربما حياته بكاملها."المهم أن أصل إلى هناك وكل شيء سيهون بعدها، مضى على تخرجي سنتان وما زلت بلا عمل مستقر، ما زلت أتنقل من وظيفة لأخرى علّني أحقق دخلاً يتوازن مع مصاريف هذه الأيام وطموحاتي"يستأنف باسل خريج كلية الهندسة المدنية قصته:"شراء بيت هنا حلم وشراء سيارة حلم أيضاً، حتى الموبايل!.. لو بقيت أعمل خمسين سنة لن أحقق ما أرغب به حتى على المستوى الأكاديمي، شهاداتنا الوطنية لا تصمد أبداً أمام خريجي الجامعات الأوروبية الذين يستأثرون دوماً بالرواتب العالية والفرص المربحة ونبقى نحن كما نحن". حزم هذا الشاب أمره وقرر خوض غمار الغربة في وطن آخر،"وطن تكافؤ الفرص"على حد تعبيره حيث سيتعب ويجهد ولكنه سيحصل على نتيجة لتعبه:"أعلم أن ألمانيا لن تستقبلني بالأحضان وأعلم أن أمامي الكثير من الصعوبات هناك، ولكن ليس أكثر من بضع سنوات وبعدها أنهي اختصاصي وأتمرس في اللغة وأكتسب بعض الخبرة في العمل فتتاح لي فرصة كبيرة للعمل في مكان مناسب وبراتب عال يكفل لي كل ضرورات الحياة التي لا يزال يعتبرها مجتمعنا من الكماليات". باسل، رامي، مازن وغيرهم من الشباب المتحمسين يعيشون الآن حالة من فقدان الأمل في واقع لا يكترث لرغبتهم الصادقة والطبيعية في تحقيق طموحاتهم بل ويضرب بطاقاتهم وقدراتهم عرض الحائط."مجتمعي لا يريد أن يستفيد مني فهل أجبره؟"يضيف باسل ساخراً:"الأمثلة قبلي كثيرة، كل معارفي ممن سدت في وجوههم أبواب العمل والارتقاء المهني وحتى الدراسي يجدون في أوروبا أو أميركا قارب خلاصهم". حاجة باسل ورفاقه صارت ورقة رابحة بيد البعض ممن يحظون بعلاقات قرابة ومداخل مهنية في الخارج، فاتخذوا من طموح الشباب كمهنة لجني الأرباح فتحولوا وسطاء سفر وتأمين فرص عمل أو دراسة بين طلاب سوريين وجامعات غربية. والسيد أ.م. مثال على هؤلاء الوسطاء. فهو يحمل شهادة في الهندسة المدنية من ألمانيا ودبر أمور سفر باسل وتكفل القيام بما يلزم من اتصالات ومراسلات مع إحدى الجامعات الألمانية كما ساعد باسل على إتمام كل الفحوصات والأوراق المطلوبة وضمن له القبول في مقابل عشرين ألف ليرة سورية فقط لا غير وضعها في جيبه"زلالاً وحلالاً". ويقول:"عشت أكثر من خمس سنوات في ألمانيا حيث درست وأصبح لي الكثير من الأصدقاء". ويضيف:"أنا أعرف صعوبات تأمين قبول جامعة وأعلم أن طلابنا لا يعرفون الكثير عن شروط الغرب لذلك أستثمر اليوم علاقاتي وإمكاناتي في مساعدتهم على تحقيق أحلامهم. أني فقط أرشدهم الى الطريق الصحيح وهذا ليس حراماً، بل هو أفضل من أن يبحثوا بأنفسهم ويراسلوا من يعرفونه ومن لا يعرفونه في سبيل السفر، الأمور ليست سهلة كما يتصور البعض بل تكلفني أنا أيضاً الكثير، الكثير من الوقت والمال". وأشرف أ.م. على تأمين سفر أكثر من خمسين طالباً خلال بضع سنوات وقد عاد بعضهم إلى الوطن بينما صنع آخرون مستقبلهم في بلاد الغربة. ولكن هذه ليست الحال دائماً فإذا كان أ.م. راضياً بما يجنيه من هذا العمل ومخلصاً في تأمين فرص دراسية لبعض الشباب في الخارج، فإن آخرين صاروا أشبه"بالسماسرة"، ينكثون بوعودهم ويضحكون على عقول بعض الشباب في سبيل المال. سامر مثلاً قرر السفر الى الخارج لمتابعة دراسته ولجأ الى هذه الطرق وبعد أن أنجز أوراقه وقدمها للمشرف على وضعه عبر أحد زملائه في الجامعة واستلم أوراق قبوله وإقامته، اكتشف لدى وصوله أن لا وجود لجامعة بالاسم المكتوب على أوراقه:"بقيت سنة كاملة أقيم بصورة غير شرعية وأحاول تأمين قبول في جامعة أو حتى عمل كي أبدأ حياة طبيعية، ولكن لا فائدة!! عدت أدراجي خائباً، حتى أنني لم أستطع استعادة ما دفعته لذاك السارق الذي ادعى مساعدتي وأتم لي أوراقي". وفيما يتشتت بعض الشباب ويصبحون ضحية واقعهم من جهة والوعود الكاذبة من جهة أخرى، يبقى البعض الآخر مصراً على محاولة حجز مقعد في"طائرة الأحلام"تلك وربما إلى غير عودة:"هل أنا مجنون حتى أرجع إلى هنا، لا، سأستقر هناك وأكتفي بالزيارات الصيفية لرؤية أهلي وأصدقائي"يختم باسل بإصرار. ويضيف:"لا أريد لأطفالي أن يعيشوا الواقع الذي عشته".