أمير منطقة تبوك يرعى بعد غد حفل تخريج متدربي ومتدربات المنشات التدريبية    القادسية يكسب التعاون بهدف ويرتقي ل"الثالث" في دوري روشن للمحترفين    شيطان أخرس    الحج بتصريح.. نظام يحفظ الأرواح ويعظم الشعائر    مريم تفوز بلقب إسكواش السيدات    القادسية يقفز للمركز الثالث في الدوري السعودي بالفوز على التعاون    ليفربول يفرط في تقدمه ويكتفي بالتعادل مع أرسنال في الدوري الإنجليزي    سحب سامة تحاصر 160 ألف شخص في منازلهم    40 مليون عملية لأبشر في أبريل    172 ألف مستفيد من مركز دعم القرار بالمظالم    الدلامي يتفقد عقبة الهدا    احتفاء باليوم العالمي للمتاحف    السعودية تقود جهود السلام كأول دولة ترسل مبعوثا إلى الهند وباكستان    عاصفة غضب على Tiktok بسبب فيديو    أمير القصيم يواسي أسرة الثنيان في وفاة الشيخ حجاج الثنيان - رحمه الله -    ولي العهد والرئيس السوري يبحثان مستجدات الأحداث في سوريا    ينطلق غدًا "أسبوع الرياض الدولي للصناعة 2025" بمشاركة واسعة من جهات محلية ودولية    ريمونتادا من برشلونة في الكلاسيكو تقربه من لقب الدوري الإسباني    أمير الشرقية: المملكة ملتزمة بدعم الشباب وتمكينهم من أجل صياغة المستقبل    رئيس البرلمان العربي يوجّه رسائل عاجلة لإنقاذ أطفال غزة من المجاعة    سعود بن نهار يطلع على الخدمات المقدمة للحجاج في مطار الطائف    جوازات مطار المدينة تستقبل أولى رحلات الحجاج القادمين من نيجيريا    اعتدال و تليجرام يزيلان 16 مليون مادة متطرفة في 3 أشهر    "دوري يلو 33".. 9 مواجهات في توقيت واحد    أمير القصيم يرعى حفل تخريج 400 متدرب ومتدربة من معهد "سرب"    أمير الشرقية يستقبل مجلس إدارة غرفة الأحساء والرئيس التنفيذي للشركة الوطنية لإمدادات الحبوب    الانتهاء من تطوير واجهات مبنى بلدية الظهران بطراز الساحل الشرقي    مستشفى الرس ينقذ طفلا تعرض لاختناق قاتل    ‫دعم مستشفى عفيف العام بأجهزة طبية حديثة وكوادر تخصصية    الأمير ناصر بن محمد يرفع الشكر للقيادة بمناسبة تعيينه نائبًا لأمير منطقة جازان بالمرتبة الممتازة    "فرع الإفتاء بعسير"يكرم القصادي و الخرد    "التخصصي" توظيف رائد للجراحة الروبوتية تنقذ طفل مصاب بفشل كبدي ويمنحه حياة جديدة    الرئيس الموريتاني والأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يفتتحان متحف السيرة النبوية في نواكشوط    أمير حائل يشهد أكبر حفل تخرج في تاريخ جامعة حائل .. الثلاثاء    أمطار غزيرة وسيول متوقعة على عسير والباحة ومكة    أرامكو تعلن نتائج الربع الأول من عام 2025    جامعة الإمام عبد الرحمن تكرم الفائزين ب"جائزة تاج" للتميز في تطوير التعليم الجامعي    "التعاون الإسلامي" يرحّب بوقف إطلاق النار بين باكستان والهند    ارتفاع الرقم القياسي للإنتاج الصناعي بنسبة 2.0% خلال شهر مارس 2025    الاتحاد يواجه القادسية على ملعب الإنماء بجدة.. خادم الحرمين الشريفين يرعى نهائي كأس الملك في الثالث من ذي الحجة    أوامر ملكية: إعفاء أمير جازان وتعيين نائب لوزير التعليم    سمو ولي العهد يجري اتصالًا هاتفيًا بسمو أمير دولة الكويت    موجز    الرياض تُصدّر العمارة النجدية للعالم في بينالي البندقية 2025    عرض 3 أفلام سعودية في مهرجان "شورت شورتس"    مكتب إقليمي ل (يونيدو) في الرياض    أكد بحثه ملفات إستراتيجية.. البيت الأبيض: ترامب يزور السعودية ويلتقي قادة الخليج بالرياض    50 % الانخفاض في وفيات الحوادث المرورية بالسعودية    "الشؤون الدينية" تكلف 2000 كادر سعودي لخدمة ضيوف الرحمن.. 120 مبادرة ومسارات ذكية لتعزيز التجربة الرقمية للحجاج    ضبط 1203 حالات في المنافذ الجمركية خلال أسبوع    "الداخلية": ضبط 16 ألف مخالف في أسبوع    انقسام سياسي يعمّق الأزمة.. ليبيا على حافة الانفجار.. اشتباكات دامية وغضب شعبي    وسط تنديد روسي.. قادة أوروبا يؤيدون مقترح الهدنة في أوكرانيا    انقطاع النفس أثناء النوم يهدد بالزهايمر    باكستان تؤكد «استمرار التزامها» بوقف إطلاق النار    تعزيز الأمن الدوائي    «تعليم الرياض» يفتقد «بادي المطيري».. مدير ثانوية الأمير سلطان بن عبدالعزيز    الفرق بين «ولد» و«ابن» في الشريعة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ظلام القومية
نشر في الحياة يوم 05 - 01 - 2005

في الأسبوع الماضي عُقدت في الكويت ندوة حول"الإصلاحات العربية"أقامها مركز الدراسات الإستراتيجية في جامعة الكويت، بالاشتراك مع جمعية العلوم السياسية الأردنية، وهي واحدة من سلسلة ندوات أقيمت على مساحة كبيرة من الأرض الثقافية العربية. قُدمت في الندوة ورقة بعينها عن"الأمن القومي العربي"، وكان تعليقي العام على الورقة أن الأمن القومي العربي، كالوحدة العربية هي مزارات وهمية يستحسن البعض زيارتها ثقافياً، لكنها ليست ذات معنى واقعي، وهي جزء من"الهوية العربية"المنشطرة على نفسها!
ذلك التعليق أثار بعض رُدود الفعل من أصدقاء، ربما يختلفون في الرؤى معي، وربما لا يزالون مقيدين بقيود الفكر الصلبة، وهي أكبر واقسى من قيود السجّان.
إلا أن ما سرني هو قراءتي في جريدة"الحياة"، والسنة الماضية تلفظ أنفاسها، وبعد أيام من تلك الندوة، مقالاً للصديق المفكر كريم مروة 29 كانون الاول/ ديسمبر الماضي وكان بعنوان مثير للغير من أمثال من ناقش اطرُوحتي الناقدة للقومية من الأصدقاء، في ذلك اللقاء الكويتي - الأردني. اذ تساءل: ماذا يعني أن تكون عربياً!
ليس المقام ترديد ما كتبه المفكر كريم مروة، إلا أن البحث ذا صلة، فالمتفق علية عالمياً وعقلياً أن"الدولة"هي جوهر ومحور"العالم السياسي"، و"الدولة"العربية ليست استثناء من ذلك، فلا يجوز في عالمنا الذي نعيش فيه اليوم أن نستمر في الاختباء خلف أصابعنا لنقول أن"الدولة العربية"غير موجودة، وان وجدت فهي موقتة، الموجود هو"الدولة القومية العربية"!
باسم الدين أو القومية ارتكبت حماقات ضخمة، أنها أكثر من جرائم بل حماقات سوداء، فقد أصبحت القومية تشكل عبئاً من جانبين، الأول على تطور"الدولة"العربية، والثاني"الوقوف أمام العولمة"باتصال العرب مع العالم الحديث.
هذه المقاومة"القومية"ليست حكراً على العرب، بل هي منتشرة في أماكن أخرى، وهي تتراوح في الشدة والتأثير، فقومية"الهنود، الهندوس"ضد الآخرين من المواطنين الهنود كادت أن تُؤدي إلى حرب أهلية هندية، ونسبة التصويت ضد اليورو"العملة الأوروبية"من جانب مواطني الدنمارك، هي تعبير عن القومية بشكل ما.
ضمور المفهوم أو خلطه في العربية بين القومي"الخاص بالدولة المستقلة"، والقومي"فوق الدولة"هو ضمور تاريخي، وفي الترجمة تتضح الأمور جلية، فالوطني هو قومي لديهم، ومفهوم"القومي والوطني"لدينا متطابقان!
القومية فات زمنها، فهي تقف في وجه أي حل للمشكلات الصراعية في عالم اليوم، خذ ما حدث في قبرص الجزيرة الصغيرة التي قسمت إلى شطرين، عنف القوميات ضد بعضها في أفريقيا أرسلت ملايين من البشر إلى قبورهم، ما حدث في كوسوفو، وفي تيمور الشرقية وفي غيرها من مناطق الصراع العالمي الناشبة حتى اليوم، هي أمثلة متكررة.
القومية"في البلاد الموحدة"مثل إيران أو الولايات المتحدة، على سبيل المثال لا الحصر، عقيدة تُمجد الأمة، وتعتبرها قيمة جوهرية، وهي تؤثر إلى حد بعيد في شعور المواطنين وارتباطهم اليقيني بهوية واحدة.
هذا في الدولة"الوطنية"، أما القومية، عبر الدولة، حتى وان كانت ذات نسيج متقارب، فمن الصعب الحديث عنها ك"قومية"، في الوقت الذي يدخل بعض تلك الدول مع غيره في حروب ومشاكسات وتنافس لا حصر له، على الحدود، وعلى الموارد. فالقومية هنا تعني الحصول على اكبر قدر من النفوذ و الهيمنة، على الجار الضعيف أو الصغير.
يعتقد الأشخاص الذين تشربوا فكرة القومية أن استقلالهم وقدرتهم على التحكم في مصيرهم هي ميزة"ثقافية"مرتبطة بأمنهم، وغالباً ما يظهر في الموقف القومي، شعور بالتفوق على الآخرين، بالإضافة إلى الرهبة من الأجانب، وتظهر القومية في أوجها حين ما تكون الأمة في حالة حرب.
حالة العرب، كما اقترب منها كريم مروة، ليست حالة"قومية"بالمعنى الكلاسيكي، ولا هي حالة"دولة"، وفي هذا تشوّش لا حد له. فترتفع المطالب الشعبية العربية ارتكاناً الى ما اختمر في وعي البعض من أننا في"حالة قومية"، وتتنافر المصالح بين"الدول"إلى درجة الاحتراب الساخن أو البارد.
في الحالة العربية يبدو الاحتماء بالجماعة العربية انتماء ثقافياً، وحتى هذا وكما في حالات أخرى، يظهر الشعور"القومي"قوياً مع الصعود الدكتاتوري أو حتى الفاشي. القومية هي حالة فاشية، لها نظرة تفوق عن الآخر وعليه، ومن الملاحظ أن القومية تكون ساكنة في المجتمعات الديموقراطية أو حتى شبه الديموقراطية.
لعل من أهم ما قدمه الدارسون في"القومية العربية"أن من نادوا بها في ما بعد الحرب العالمية الثانية هي الحركة الناصرية في مصر، إن صحّت التسمية، فقبلها كان التوجه"المصري"وطنياً في مصر وأكثر بروزاً في الدعوات السياسية، بل كان العرب في الدعوة الوطنية المصرية"شرقيون". إلا إن التناقض هو أن بعض"الشرقيين"كان لهم امتيازات تقدمها الدولة الحديثة ما قبل الاستقلال، كان الليبي مثلاً أو الفلسطيني يستطيع أن يتعاطى التجارة دون كثير من القيود، كان التونسي أو اللبناني يعيش ويعمل و"يغني"من دون عوائق. بدأت العوائق مع النظام الذي أدعى"القومية"ومن يدرس القوانين التي صدرت في الخمسينات وما بعدها في مصر، يجد تلك الظاهرة واضحة للعيان!
أما المثال الأكثر وضوحاً فهو الحالة العراقية - السورية"البعثية"فرغم الحزب الواحد، ضرب الفراق جُذوره بين أهل"الأمة العربية الواحدة ذات الرسالة الخالدة".
حتى في الدول التي أرادت تطبيق ايديولوجيا مختلفة عن القومية في شرقنا، كمثال الجمهورية الإسلامية الإيرانية، فهي لا تزال خاضعة للسلوك"القومي"في معظم تصرفاتها، لقد منع احد المرشحين للرئاسة الجمهورية من التنافس بسبب عرقه العربي، ولا يزال كثير من الرسميين الإيرانيين، رغم معرفتهم باللغة العربية، خيراً من بعض أبنائها، يُصرون في اللقاءات المختلفة على التحدث بالفارسية، بل إن حرباً إعلامية شعواء اندلعت إذ أُرسلت رسالة إلى طهران، كتب على غلافها، الخليج"العربي"بدلاً من الفارسي!
الدكتاتورية تطرب لإشاعة الشعور القومي، بسبب ما يشكله هذا من حشد وجهوزية رخيصة الثمن، فقد أطلقت ماكينة صدام حسين الإعلامية في سنوات طويلة تعبير"المجوس"على الإيرانيين، كونهم شيعة، رغم وجود أكثرية شيعية في العراق. بل إن حسن الترابي عندما أراد أن يحول السودان إلى قاعدة متقدمة للثورة العالمية، أطلق على تنظيمه"الجبهة القومية الإسلامية"ولم يتوقف احد من حاشيته أو مريديه، ليسأل كيف؟"قومية"، و"إسلامية"في آن واحد!
أما القسم العظيم لبن لادن فقد قال: اقسم بالله العظيم أن أمريكا لن تعيش بسلام قبل أن يسود السلام فلسطين،وقبل رحيل جيش الكافرين عن ارض محمد بصرف النظر عن بساطة التفكير ذاك، فان هذا القسم إن لم يكن وطني\قومي فما هو؟
القومية تتجاوز الاعتراف بقوميات أخرى، أو بآخرين مختلفين عنها، لهذا عانى الأكراد ما عانوه، إبان صعود الدكتاتورية القومية، وكذلك عانى أهل الجنوب في السودان، وانفتح جرح الامازيغ في الشمال الإفريقي، ودخلت بلاد عربية أخرى في حروب أهلية أكلت الأخضر واليابس، وشردت ملايين كما قتلت ملايين آخرين، كل ذلك باسم تفوق القومية على غيرها.
القومية اليوم تقف حجر عثرة أمام التقدم العربي، فباسم القومية، نُظر إلى الدولة العربية وكأنها موقتة، وأُجلت التنمية بإشكالها المختلفة، سياسية واقتصادية في انتظار الخلاص القومي، واستبيحت شعوب ولا تزال تحت هذا المعنى الضبابي، وانتشر مجتمع المراقبة واستخدمت الرموز والمسميات خدمة لهذا الوهم الكبير. ولا أظن أن قدرة المجتمع الأهلي العربية قادرة على التوسع في ظل مثل هذه المفاهيم التي تستخدم من بعض الساسة لتخدير الناس، والزعم بالاحتكام إلى مصالح لا يلمسها أحد!
في عالم اليوم يحل القضايا القومية مؤسسات دولية، فكثيراً من خلاف الحدود العربية وغيرها حل عن طريق إما الأمم المتحدة، أو محكمة العدل الدولية، وبقيت"القومية"لزيارة البسطاء والهاء الُسذج.
ذلك هو الوجه ألظلامي الذي إن لنا أن نضعه أمام مشرحة العقل النير.
ولكن اليس من مخرج، بلى، فهناك مصالح وجب تنظيمها وتعظيمها، وترتكز على صيغة عقلانية اذا قامت الدولة العربية على قاعدة المشاركة، وإن صلح الجزء، صلح الكل، اليس ذلك هو خبرة شعوب أخرى! وهو أيضاً الجزء المضيء من القومية الحديثة.
* كاتب كويتي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.