الاتفاق يتعادل إيجابياً مع الأخدود في دوري روشن    ضمك يتعادل مع الفيحاء إيجابياً في دوري روشن    نيفيز: الهلال لا يستسلم أبداً.. ونريد تحقيق الدوري من دون أي خسارة    الدفاع المدني ينبه من هطول أمطار رعدية على معظم مناطق المملكة    الأمير سلمان بن سلطان يرعى حفل تخرج طلاب وطالبات البرامج الصحية بتجمع المدينة المنورة الصحي    مستقبلا.. البشر قد يدخلون في علاقات "عميقة" مع الروبوتات    العلماء يعثرون على الكوكب "المحروق"    ولي العهد يستقبل الأمراء وجمعاً من المواطنين في المنطقة الشرقية    ضمك يتعادل مع الفيحاء في" روشن"    الصين تستعرض جيش "الكلاب الآلية" القاتلة    «الدفاع المدني» محذراً: ابتعدوا عن أماكن تجمُّع السيول والمستنقعات المائية والأودية    المنتخب السعودي للعلوم والهندسة يحصد 27 جائزة في «آيسف 2024»    طريقة عمل مافن كب البسبوسة    طريقة عمل زبدة القريدس بالأعشاب    طريقة عمل وربات البقلاوة بحشو الكريمة    تأكيد مصري وأممي على ضرورة توفير الظروف الآمنة لدخول المساعدات الإنسانية من معبر رفح إلى غزة    القبض على مقيم ووافد لترويجهما حملات حج وهمية بغرض النصب في مكة المكرمة    الأمن العام يطلق خدمة الإبلاغ عن عمليات الاحتيال المالي على البطاقات المصرفية (مدى) عبر منصة "أبشر"    تدشين أول مهرجان "للماعز الدهم" في المملكة بمنطقة عسير    ولي العهد في المنطقة الشرقية.. تلاحم بين القيادة والشعب    السالم يلتقي رواد صناعة إعادة التدوير في العالم    «هيئة النقل» تعلن رفع مستوى الجاهزية لخدمات نقل الحجاج بالحافلات    مفتي المملكة يشيد بالجهود العلمية داخل الحرمين الشريفين    «تعليم جدة» يتوج الطلبة الفائزين والفائزات في مسابقة المهارات الثقافية    استكمال جرعات التطعيمات لرفع مناعة الحجاج ضد الأمراض المعدية.    المملكة تتسلم رئاسة المؤتمر العام لمنظمة الألكسو حتى 2026    ‫ وزير الشؤون الإسلامية يفتتح جامعين في عرعر    جوزيه مارتينيز حكماً لديربي النصر والهلال    خادم الحرمين الشريفين يصدر أمرًا ملكيًا بترقية 26 قاضيًا بديوان المظالم    النفط يرتفع والذهب يلمع بنهاية الأسبوع    الإعلام الخارجي يشيد بمبادرة طريق مكة    قرضان سعوديان ب150 مليون دولار للمالديف.. لتطوير مطار فيلانا.. والقطاع الصحي    بوتين: هدفنا إقامة «منطقة عازلة» في خاركيف    «الأحوال»: قرار وزاري بفقدان امرأة «لبنانية الأصل» للجنسية السعودية    رئيس الوزراء الإيطالي السابق: ولي العهد السعودي يعزز السلام العالمي    تراحم الباحة " تنظم مبادة حياة بمناسبة اليوم العالمي للأسرة    محافظ الزلفي يلتقي مدير عام فرع هيئة الأمر بالمعروف بالرياض    حرس الحدود يحبط تهريب 360 كيلوجرامًا من نبات القات المخدر    تشافي: برشلونة يمتلك فريقاً محترفاً وملتزماً للغاية    جامعة الملك خالد تدفع 11 ألف خريج لسوق العمل    الكليجا والتمر تجذب زوار "آيسف 2024"    السعودية والأمريكية    فتياتنا من ذهب        مدير عام مكتب سمو أمير منطقة عسير ينال الدكتوراة    رئيس موريتانيا يزور المسجد النبوي    ابنة الأحساء.. حولت الرفض إلى فرص عالمية    الاستشارة النفسية عن بعد لا تناسب جميع الحالات    حراك شامل    الدراسة في زمن الحرب    الشريك الأدبي وتعزيز الهوية    صالح بن غصون.. العِلم والتواضع    فوائد صحية للفلفل الأسود    العام والخاص.. ذَنْبَك على جنبك    حق الدول في استخدام الفضاء الخارجي    كلنا مستهدفون    أمير تبوك يرعى حفل جامعة فهد بن سلطان    خادم الحرمين الشريفين يصدر عدداً من الأوامر الملكية.. إعفاءات وتعيينات جديدة في عدد من القطاعات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دور شركات النفط الوطنية في ظل تغير العلاقات الدولية في مجال الاقتصاد والطاقة
نشر في الحياة يوم 17 - 09 - 2004

أود بداية ان أتقدم بالشكر الى الدكتور برنومو يوسيجانتورو، رئيس مؤتمر"أوبك"لدعوته الكريمة لي للمشاركة في المنتدى الدولي لأوبك بعنوان"البترول في عالم الاعتماد المتبادل"ويسرني بوجه خاص ان اشارك في حلقة النقاش هذه حول دور شركات البترول النفط الوطنية بصحبة هذا الجمع المميز من الزملاء والاصدقاء. ومع استمرار اعادة الهيكلة في الصناعة وتزايد العولمة وتسارع التطور التقني، بات من الضروري ان نعيد تقويم السجل الخاص بشركات البترول الوطنية ودورها المستقبلي في بلدانها وفي العالم بأسره. وأود ان أثني على القائمين على تنظيم هذا المؤتمر لإدراجهم هذا الموضوع في البرنامج، لأن دور هذه الشركات الوطنية لا يقتصر في تأثيره على اعمال هذه الشركات واقتصادات دولها، بل يؤثر كذلك في الدور المستقبلي لأوبك والعلاقة الدولية في مجال الطاقة بوجه عام.
ولا يمكن تجاهل دور شركات البترول الوطنية على مسرح الطاقة في عالم اليوم، فنصف شركات البترول الخمسين الكبرى في العالم مملوكة لحكوماتها إما بشكل كامل أو بنسبة الاغلبية. كما ان تصنيف شركات البترول العالمية لعام 2003 باستخدام ستة معايير للتشغيل هي: احتياطات البترول والغاز وانتاجهما الى جانب طاقة التكرير ومبيعات المنتجات اظهر ان خمساً من بين الشركات العشر الكبرى هي شركات البترول الوطنية لكل من المملكة العربية السعودية والمكسيك وفنزويلا والصين وايران. وفيما يتعلق باحتياطات البترول والغاز كانت ثماني أو تسع شركات وطنية من بين الشركات العشر الكبرى، فيما جاءت خمس شركات وطنية بين الشركات العشر الكبرى في مجال انتاج البترول والغاز.
ولكي أكون اكثر تحديداً، فإن شركات البترول الوطنية المملوكة لحكوماتها بالكامل تستحوذ على 72 في المئة من اجمالي احتياطات الزيت المؤكدة في العالم وعلى 55 في المئة من احتياطات الغاز. وقد بلغ الانتاج اليومي لهذه الشركات عام 2003 نحو 37 مليون برميل من الزيت و55 بليون قدم مكعبة من الغاز، أي ما نسبته 48 في المئة من الانتاج العالمي للزيت و22 في المئة للغاز. ويؤكد هذا الحجم الكبير لقادة الموارد الهىدروكربونية واجمالي الانتاج لشركات البترول الوطنية اهمية هذه الشركات على صعيد الطاقة العالمية.
ويوجد اليوم اكثر من 100 شركة بترول وطنية في الدول المنتجة والمستهلكة مملوكة لدولها بشكل كلي أو جزئي. وما نود التأكيد عليه من البداية هو ان شركات البترول الوطنية تختلف في تطورها التاريخي فبعضها كان وريث شركات اخرى صاحبة امتياز في أقطارها وبعضها الآخر غير ذلك. كما تختلف في نطاق اعمالها فبعضها شركات متكاملة للزيت والغاز يمتد وجودها الى خارج حدود بلدانها وبعضها الآخر غير ذلك. وتختلف كذلك في طبيعة علاقاتها مع حكوماتها وفي دورها الوطني على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي. وأخيراً، وعلى مستوى الصناعة، نجد ان شركات البترول الوطنية تتباين بشكل محلوظ في درجة تكاملها وبيئة عملها وثقافتها العامة.
وهذه الاختلافات وغيرها في التطور التاريخي والالتزامات هي ما يجعل من غير المناسب تصنيف جميع شركات البترول الوطنية ضمن مجموعة واحدة أو مقارنتها بشركات البترول العالمية الدولية. فالتحامل الشديد على شركات البترول الوطنية في السنوات الأخيرة انما يعزى في معظمه الى مثل هذه التعميمات والى نقص المعرفة والتقدير لدور هذه الشركات. ولذا، سأركز في كلمتي على الشروط اللازمة لقوة ونجاح شركات البترول الوطنية والتحديات والفرص التي تواجه هذه الشركات في عالم اليوم، وذلك من منطلق خبرتي الطويلة في أرامكو السعودية، شركة البترول الوطنية في المملكة العربية السعودية.
ان بعض اللبس في شأن دور شركات البترول الوطنية انما يأتي من المقارنة غير الموضوعية للأهداف المرجعية لهذه الشركات بأهداف شركات البترول العالمية. فبينما تلتزم شركات البترول العالمية بتحقيق الربح لحاملي اسهمها نجد ان التزامات شركات البترول الوطنية اكثر اتساعاً وشمولية. فشركات البترول الوطنية، الى جانب قيامها بإدارة وتطوير الموارد الهيدروكربونية لبلدانها لتحقيق الأهداف التنموية لهذه البلدان، مسؤولة عن تنفيذ سياسات الطاقة لحكوماتها والاسهام في استيعاب التقنية وتطوير المهارات الفنية في هذا القطاع. وتُعد الاستقلالية والكفاءة وتحمل المسؤولية والعمل على اساس تجاري شروطاً اساسية كي تحقق شركات البترول الوطنية مثل هذه الأهداف. والآن دعونا نتناول كلاً من هذه الشروط على حدة.
وفي تناولنا للشرط الأول، نجد من الأهمية بمكان ان نشير الى ان سيطرة الدولة على شركة البترول الوطنية لا تعد في حد ذاتها انتقاصاً من استقلالية الشركة شريطة وجود التزامات واضحة وعلاقة محددة بين الشركة ومالكها، ممثلاً في الدولة، مع ضرورة الفصل بين وضع السياسات والتنظيم والاعمال.
السياسات والتنظيم
وفي المملكة العربية السعودية، نجد ان وضع السياسات والتنظيم من اختصاص وزارة البترول والثروة المعدنية، فيما يترك تنفيذ الاعمال لأرامكو السعودية. ويقوم المجلس الأعلى لشؤون البترول والمعادن، الى جانب كونه الجمعية العمومية لشركة البترول الوطنية، بوضع الأهداف الاستراتيجية لقطاع البترول. وقد تم تحديد هذه الأدوار بشكل واضح في المراسيم الملكية الصادرة في شأن الاهداف والمسؤوليات المناطة بالمجلس وأرامكو السعودية.
والى جانب التحديد الواضح لمهمتها، تتمتع ارامكو السعودية بهيكل مالي مستقل وتقوم بدفع الريوت والضرائب الى الخزينة طبقاً للنظام الضريبي المعمول به كما تدفع حصص أرباح لحامل اسهمها. ولها كذلك هيكلها التنظيمي المستقل بدءاً من مجلس الادارة الذي يضم اعضاء من ادارتها العليا الى جانب اعضاء سعوديين وغير سعوديين آخرين يتم اختيارهم على اساس المعرفة والخبرة الواسعة. ويقوم هذا المجلس باعتماد خطة عمل الشركة واستراتيجياتها والإشراف عليها. ومن ثم فإن الشركة تدار على النحو الذي تدار به أي شركة عالمية حيث الجدارة وحسن الأداء هما معيار اختيار الأيدي العاملة وتوظيفها.
وهذه المهنية العالية لأرامكو السعودية انما تعود في جزء كبير منها الى البصيرة النافذة لحامل اسمهما ممثلاً في الدولة التي رأت، بعد شراء حصة الشريك الاجنبي قبل نحو 25 سنة، ان الإبقاء على أسس عمل الشركة التي أرستها الشركات الأربع التي كانت تملك ارامكو على مر السنين هو أمر ضروري لبناء صناعة بترول وطنية تتسم بالكفاءة. واقنع نجاح الشركة في تنفيذ التزاماتها الدولة بأن تعهد اليها بمهمة تطوير موارد الغاز الطبيعي في المملكة والذي بدأ في أواخر السبعينات بإنشاء وتشغيل شبكة الغاز الرئيسية وتوسيعها فيما بعد.
وفي اطار بناء شركة بترول وطنية متكاملة وفعالة، أعادت الدولة هيكلة صناعة البترول فيها عن طريق تحويل أصول التكرير والتوزيع العائد لها ممثلة في بترومين الى أرامكو السعودية في مطلع التسعينات، كما قامت بتوسيع نطاق أعمال الشركة خارج المملكة من خلال مشاريع مشتركة ختلفة في مجال التكرير والتسويق في الولايات المتحدة وأوروبا والشرق الأقصى. وكان هذا النهج المتدرج في بناء الصناعة مصدر قوة لأرامكو السعودية مكنها من تنفيذ المهمة الموكلة اليها في مختلف المراحل.
شراكات جديدة
وخلال عملية بناء صناعة البترول الوطنية السعودية استمرت علاقات العمل مع شركات البترول العالمية في التوسع. فبدلاً من ان تنظر الدولة الى شراء حصة الشركاء على انه نهاية عهد وعلاقة، تعاملت معه كفرصة للدخول في أنواع جديدة من الشراكات. وتعد المشاريع المشتركة مع هذه الشركات في مصاف داخل المملكة وفي اماكن اخرى والشراكات الجديدة في اعمال الغاز في المملكة أمثلة على هذا التوجه. وتمتلك ارامكو السعودية اليم مشاريع مشتركة مع عشر شركات بترولية عالمية في مجال التكرير والتسويق وأعمال الغاز.
والشرط الثاني لنجاح شركة البترول الوطنية هو الكفاءة. فغالباً ما يُقال ان ملكية الدولة تؤثر على الكفاءة وقد تحيد بشركة البترول الوطنية عن نشاطها الاساسي. غير ان ذلك قد لا يحدث بالضرورة اذا ما حصلت الشركة على استقلال حقيقي وخضعت التدخلات السياسية في اعمال الشركة للدراسة والتمحيص. فإذا ما أديرت شركة البترول الوطنية بطريقة تجارية وخضع أداؤها للمراقبة من قبل الجهات المعنية فيها أمكنها أن تضاهي في كفاءتها أية شركة أخرى في مجموعة الشركات الصناعية.
ولقد قامت ارامكو السعودية بالبناء على هيكل الأعمال الكفؤ الذي ورثته عن سابقتها شركة ارامكو فوجهت جهودها الى تحسين الكفاءة في مجال التدريب والتوظيف والمشتريات وأعمال الحقول والمعامل وغيرها. وظهرت كفاءة استغلال الموارد من خلال تنفيذ مشاريع رأسمالية كبرى في السنوات الاخيرة مثل تطوير حقل الشيبة بطاقة 500 ألف برميل يوميا في منطقة الربع الخالي عام 1998 أو انشاء مرافق معالجة الغاز في كل من الحوية عام 2001 وحرض عام 2003 لانتاج 3.2 بليون قدم مكعبة من الغاز في اليوم ويضاف الى ذلك توسعة الطاقات الانتاجية لحقلي القطيف وأبو سعفة بحوالي 800 ألف برميل يوميا. وقد تم انجاز هذه المشاريع جميعها قبل أشهر من موعدها المقرر وبأقل من موازنتها المحددة.
وتحتاج الكفاءة كذلك الى ادخال التقنيات الجديدة واستيعابها، فغالباً ما يؤخذ على شركات البترول الوطنية عدم قدرتها على تطوير تقنيات جديدة مقارنة بشركات البترول العالمية، وهو أمر قد يبدو صحيحا في مجمله بسبب المكانة الراسخة للشركات العالمية وبلدانها في مجال البحث والتطوير غير ان ذلك لا يجب أن يؤثر في كفاءة شركات البترول الوطنية.
وبوسع شركات البترول الوطنية ان توظف التقنيات المتاحة او ان تحصل عليها بالتعاون مع قطاعات الاعمال وشركات الخدمات وشركات الابحاث والجامعات او من خلال اسناد ذلك الى المقاولين، فقد اصبح الحصول على التقنيات في متناول الجميع بأسعار تنافسية. وادراكاً منها لأهمية هذا الجانب، توجه ارامكو السعودية مواردها البشرية والمالية لسد الجفوة التقنية عن طريق استخدام أفضل التقنيات الحديثة بهدف احتواء التكاليف وزيادة الانتاجية.
وتفرض الخصائص المميزة لحقول الزيت والغاز في المملكة العربية السعودية وضخامة المكامن وارتفاع انتاجية الآبار عدداً كبيراً من التحديات في مجال التنقيب والانتاج حيث توجه اليها جهود البحث والتطوير في الشركة. فقد طورت ارامكو السعودية وسجلت براءات اختراع تقنيات وأنظمة معينة لأعمالها الفريدة في مجال التنقيب والانتاج مثل اجهزة محاكاة المكامن الضخمة على التوازي وأنظمة انجاز الآبار متعددة الجوانب وانظمة مراقبة وضبط جريان البترول الخام من الآبار الى الناقلات.
أما الشرطان المتداخلان الثالث والرابع لنجاح شركة البترول الوطنية فهو تحمل المسؤولية والعمل على أساس تجاري، وهما شرطان على قدر كبير من الاهمية باعتبار ان أشد ما يوجه الى شركات البترول الوطنية من نقد هو انها كثيراً ما يطلب منها القيام بمهمات اجتماعية واقتصادية وسياسية خارج نطاق تخصصها الاساسي. ويعقد قيام شركة البترول الوطنية بالعمل على أساس تجاري وحصولها على التزامات محددة وواضحة في تطوير الموارد الهيدروكربونية للدولة هو احد العناصر المهمة في اطار تحمل المسؤولية.
وتتطلب الصفة التجارية وجود مجلس ادارة مشكل وقادر على الاشراف على الشركة وتوجيهها بشكل موضوعي مع وجود هيكل تنظيمي فعال. كما ان انظمة المراقبة المالية الداخلية وآليات التخطيط العام الجيدة هي أيضاً من الأمور المهمة. يضاف الى ذلك ان شركة البترول الوطنية لا تستطيع العمل بشكل تجاري ما لم يسمح لها بالاحتفاظ بسيولة نقدية صافية لمواجهة الالتزامات الآنية وقصيرة المدى والتخطيط في حيز زمني معقول.
العمل على اساس تجاري
ولقد ادركت اهمية ذلك خلال 48 سنة من الخبرة في صفوف الشركة قبل امتلاك الدولة لها وبعده. فكي تقوم الشركة بتنفيذ التزاماتها في استكشاف الموارد الهيدروكربونية للمملكة، كان لا بد لها من العمل على أساس تجاري بعد امتلاك الدولة لها مثلما كانت قبل ذلك، وترسخ لدي هذا الاقتناع بصورة أكبر بعدما توليت عملي كوزير للبترول لادراكي أن أهداف الدولة يمكن ان تتحقق بصورة أفضل اذا استمرت عملية هيكلة الشركة وادارتها بصورة تجارية.
وبالتطلع الى المستقبل نجد احتمالات وتحديات تنتظر شركات البترول الوطنية في بيئة عمل تتسم بالتغير من جانب وعلاقات عالمية متغيرة في مجال الاقتصاد والطاقة من جانب آخر. وكانت الاعوام الخمسة الماضية بكل الحسابات سنوات استثنائية بالنسبة لصناعة البترول وسوقه، حيث اكتسحت أمواج الاندماج والتملك صناعة البترول وغيرت هياكلها العامة. واندمجت الشركات العالمية العشرون الأكبر منذ عام 1997 لتصبح سبع شركات عام 2003 ولتصبح بعض شركات البترول العالمية اكبر حجماً من بعض الشركات الوطنية. كما تصاعدت وتيرة التحرير لأسواق الطاقة في كل من الدول المستهلكة والمنتجة على السواء، وصاحب ذلك كله تقدم تقني هائل ومؤثر في كل المناطق والصناعات.
وتعمل شركات البترول الوطنية اليوم في مناخ عالمي وصناعي يختلف عما كان عليه حين أخذت هذه الشركات زمام صناعة البترول في بلدانها قبل أكثر من ثلاثة عقود. كما تعمل في ظل علاقات سياسية واقتصادية مختلفة حيث الاقتصادات اكبر حجما واكثر تنوعا وتحررا عما كانت عليه حين تولت عملها. وزادت ظاهرة العولمة من حدة المنافسة سواء في ما يتعلق بالأسواق أو برأس المال أو التقنية، كما أدت اعادة هيكلة الصناعات المختلفة في العالم، بما فيها صناعة البترول، الى تغير أدوار الشركات وأسواق الطاقة.
ووضعت كل هذه التغيرات شركات البترول الوطنية تحت الأضواء وطنياً ودولياً وخضعت أدوارها وأداؤها للمساءلة. وأصبح على جميع شركات البترول الوطنية وحاملي أسهمها استيعاب هذه التغيرات التي تشهدها الصناعة والبلدان والعالم أجمع واستخلاص الدروس من الخبرات المتراكمة لشركات البترول الأخرى وان تقوم بتعديل استراتيجياتها وعلاقتها تبعا لذلك. وتواجه كل شركة بترول وطنية تحديات مختلفة اعتمادا على المناخ السياسي وتطور صناعة البترول في البلد الذي تنتمي اليه، وهنا بوسعي ان أتطرق فقط الى التغيرات والفرص المتاحة لشركة البترول الوطنية في المملكة العربية السعودية.
واول هذه التحديات هو تنفيذ الاهداف المحددة لها من قبل مالكها، الدولة، للمحافظة على طاقة انتاجية فائضة مقدارها 1.5 2 مليون برميل يومياً، باعتبار ان ذلك يمثل دوراً فريداً يحتاج الى امكانات فنية ومراقبة مستمرة للسوق وتخطيط جيد، فالمكانة المميزة للمملكة وشركتها الوطنية في السوق بوصفها المنتج والمصدر الاكبر للبترول الى العالم، تحتم عليها القيام بمثل هذا الدور لحفظ التوازن في السوق.
وآتت هذه الطاقة الفائضة كلها ليس فقط بالنسبة للمملكة بل للمنتجين والمستهلكين الآخرين وللصناعة بوجه عام. كما ان زيادة انتاج المملكة في السنتين الماضيتين وتوقع زيادات اخرى في المستقبل يمكن ان يولد الحاجة الى زيادة الطاقة الانتاجية للشركة، وهو ما ندرسه الآن بعناية.
سجل الشركة
لكن للاسف هناك من يشكك في قدراتنا التقنية والبشرية والمالية في الحفاظ على وزيادة الطاقة الانتاجية فوق مستوى 10.5 مليون برميل يوميا في الوقت الحاضر. والى هؤلاء المشككين في قدراتنا احيلهم الى سجل الشركة في بناء الطاقة الانتاجية الى مستواها الحالي والمحافظة عليه طوال السنوات العشر الماضية حيث استطاعت الشركة من خلال قدراتها التقنية ومصادرها المالية الذاتية المحافظة على تلك الطاقة من خلال اضافات عدة من حقوق الشيبة والقطيف وحرض وابوسعفة حيث بلغ اجماليها 1.5 مليون برميل يوميا باستثمارات تجاوزت 7 بلايين دولار. ونفذت تلك الاستثمارات من قبل الشركة الوطنية بالاستعانة، كما هي الحال في شركات البترول العالمية الأخرى، الى خدمات شركات محلية وعالمية.
ان المشكلة لا تتمثل في قدرتنا على زيادة الطاقة الانتاجية لان هذا يقع ضمن امكاناتنا التقنية والمالية والبشرية وضمن قاعدة الاحتياطي الضخمة في المملكة، ولكن المشكلة هي في توقيت وحجم الزيادة في الطاقة الانتاجية. وهذا يعتمد على توقعات العرض والطلب للاجلين المتوسط والطويل ومدى دقتها. ففي الاعوام القليلة الماضية جرى تعديل تلك التقديرات مراراً وبدأ الحديث عن سياسات في الدول المستهلكة للحد من نمو الطلب العالمي.
ان حالات اللايقين تلك هي التي تؤثر في قراراتنا الاستثمارية لزيادة الطاقة الانتاجية وليس قدرات شركتنا الوطنية.
التطوير
اما التحدي الثاني فيتعلق بالدور المستقبلي للشركة في الاقتصاد السعودي، فقد عهد الى ارامكو السعودية من قبل الدولة بتطوير الموارد الهيدروكربونية للمملكة للاسهام في تحقيق اهداف التنمية المتمثلة في تنويع مصادر الدخل وتطوير الموارد البشرية. كما ان استخلاص البترول وانتاجه وتسويقة بكفاءة يوفر الايرادات والعملات الاجنبية اللازمة للقطاع غير البترولي كي ينمو وللاقتصاد كي يزداد تنوعا.
وثمة مصدر آخر للاسهام في تنويع مصادر الدخل يتمثل في توفير الطاقة واللقيم للصناعة خصوصاً صناعة البتروكيماويات للاستفادة من الميزة النسبية للمملكة وزيادة مساهمة قطاع التصنيع في اجمالي الناتج المحلي. وكانت ارامكو السعودية سباقة في هذا الجهد من خلال بناء شبكة الغاز الرئيسية وزيادة احتياطات الغاز وطاقة انتاجه ومعالجته. ومن خلال برامج مكثفة للتنقيب عن الغاز وتطويره، استطاعت ارامكو السعودية اضافة 54 تريليون قدم مكعبة الى احتياطاتها من الغاز غير المرافق في العقد الماضي ليصل اجمالي احتياطاتها المؤكدة من الغاز الى 235 تريليون قدم مكعبة يمثل الغاز غير المرافق نسبة 40 في المئة منها. كما استطاعت ان تضاعف طاقتها الانتاجية من الغاز من 3.5 الى 7.5 بليون قدم مكعبة في اليوم خلال السنوات الخمس الماضية.
ويتوقع ان يزيد استهلاك الغاز في المنافع والصناعة والتي بلغ معدلها السنوي 7.2 في المئة في العقدين الماضيين بنسة 3.7 في المئة حتى سنة 2025. واستطاعت ارامكو السعودية تلبية الزيادة في الطلب على الغاز في الماضي بشكل كاف مسهمة بذلك في زيادة الاستثمارات السنوية في مجال البتروكيميائيات بدرجة كبيرة لترتفع هذه الاستثمارات من 500 مليون دولار في السبعينات الى اكثر من 20 بليون دولار في الوقت الراهن، وشكل ذلك دعماً لدور القطاع الخاص كما شجع على تدفق الاستثمارات الاجنبية الى المملكة.
وسيكون التحدي المقبل هو تلبية الزيادة في الطلب المستقبلي على الغاز محلياً من خلال برنامج تطوير الغاز في ارامكو السعودية الى جانب برامج شركات التنقيب والانتاج الاجنبية التي تدخل الشركة طرفاً فيها. وانطلاقا من خبرتها في العمل مع شركات البترول العالمية في قطاع التكرير لسنوات عدة، فإن ارامكو على يقين من ان شراكتها في اعمال الغاز ستعود بالفائدة على صناعة البترول الوطنية والمملكة وعلى شركات البترول العالمية التي فازت بعروض الغاز.
ومنذ تولت الدولة مقاليد الامور في ارامكو لتصبح شركة البترول الوطنية، شهد الاقتصاد السعودي توسعاً ملحوظاً، وانخفضت حصة البترول في اجمالي الناتج المحلي من 60 في المئة الى 35 في المئة، فيما اكتسب القطاع الخاص قوة ومرونة. وقد ادركت ارامكو السعودية اهمية الدور المتنامي للقطاع الخاص وبادرت الى تأمين عدد من الخدمات والمواد محلياً اسهاماً منها في نمو القطاع الخاص ودعم قدرته التنافسية وسعياً في الوقت نفسه الى استغلال موارد الشركة بكفاءة.
ويتعلق التحدي الثالث بمستقبل الاعمال الاساسية للشركة. فبوصفها راعية اكبر احتياطات عالمية مؤكدة من الزيت واطولها امداً، فإن هدف ارامكو السعودية هو تعزيز دور البترول بين انواع الطاقة العالمية المختلفة.
غير ان الاهتمامات البينية وتلك المتعلقة بأمن الطاقة تعمل على توجيه التقنيات والابحاث نحو انواع الوقود البديلة خصوصاً خلايا الوقود. ومع ان تقنيات تطوير الهيدروجين اللازم لخلايا الوقود تخضع للتطوير منذ سنين ولا تزال تواجه عدداً من العقبات التقنية وتلتك المتعلقة بالبنية الاساسية والتكاليف، فإن الابحاث والاستثمار في هذه التقنيات تفرض تحديات بعيدة المدى على صناعة البترول بوجه عام وعلى شركات البترول الوطنية بما في ذلك شركتنا.
ويتمثل التحدي امام ارامكو السعودية هنا في كيفية تعبئة مواردها الخاصة والموارد المتاحة عبر مختلف مجالات الصناعة لتعزيز استخدام البترول والغاز، حيث يتم التركيز على تقنيات فصل الكربون واحتجازه وكذلك التقنيات التي تضمن دوراً للبترول والغاز في توليد الهيدورجين، وذلك من خلال برامج الابحاث والتطوير في الشركة والابحاث التي تجريها بالتعاون مع شركات البترول الوطنية الاخرى وشركات البترول العالمية والمؤسسات البحثية.
والى جانب التحديات التي تفرضها ظاهرة العولمة، هناك ايضاً فرص متاحة لشركات البترول الوطنية. فإعادة هيكلة الصناعة توفر امكانية اقامة تحالفات مع شركات البترول العالمية في مناطق ومجالات عمل مختلفة. واظهر تصنيف عام 2003 لأكبر 50 شركة بترول في جميع انحاء العالم ان شركات البترول العالمية تملك طاقة تكريرية تُقدر بنحو 32 مليون برميل في اليوم وطاقة انتاجية للزيت الخام تبلغ 22 مليون برميل يومياً، فيما تبلغ الطاقة التكريرية لشركات البترول الوطنية 20 مليون برميل يومياً وتبلغ طاقتها الانتاجية من الزيت الخام 37 مليون برميل في اليوم.
تحالفات
ويمكن سد هذه الهوة الكبيرة بين الطاقة التكريرية والانتاجية للزيت الخام من خلال اقامة تحالفات عمل بين المجموعتين في اشكال وانماط مختلفة. كما يمكن ان يؤدي تحرير اسواق الطاقة الى توفير فرص استثمارية في مجال التكرير والتسويق لشركات البترول الوطنية وخاصة في اسواق آسيا المتنامية. وتسعى ارامكو السعودية من جانبها لاستكشاف مثل هذه الفرص لاقامة التحالفات وجلب الاستثمارات مع نهوضها بالتزاماتها ومهامها.
وتتوقف القدرة على مواجهة التحديات واغتنام الفرص على درجة النجاح التي تحققها شركات البترول الوطنية في استيفاء الشروط التي ذكرتها آنفا. ونحن على ثقة بقدرة ارامكو السعودية على مواجهة التحديات التي تنتظرها لأننا استطعنا على مر السنين ان نبني شركة بترول وطنية مستقلة تتسم بالكفاءة والمسؤولية والصبغة التجارية، وتحظى منا في المملكة بكل اعتزاز لدورها وسجلها الحافل.
اشكر لكم حسن استماعكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
* وزير النفط والثروة المعدنية السعودي.
نص الكلمة التي القاها في"منتدى اوبك"في فيينا امس


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.