أخذت سورية من احتفالات العيد الوطني الفرنسي مناسبة لاعطاء الانطباع ان العلاقات بين دمشقوباريس ب"مستوى الصداقة" وان الكلام عن "البرود" لا يعدو كونه "غيمة صيف" بين البلدين لن يؤثر في "التعاون الشامل" بينهما. وساد في الأشهر الاخيرة اعتقاد واسع ان "برودا صامتا" يعتري العلاقة بين البلدين لثلاثة أسباب: اولاً، فوز شركات بريطانية - أميركية - كندية بأكبر عقد لاستثمار الغاز بقيمة 750 مليون دولار على حساب "توتال" الفرنسية بعد "رسالة شخصية" من الرئيس جاك شيراك الى دمشق. ثانياً، الدور السوري في لبنان عشية الاستحقاق الرئاسي واثارة ذلك في القمة بين شيراك والرئيس جورج بوش في احتفالات نورماندي ثم في قمة الدول الثماني. ثالثا، عدم تأييد باريس الموقف السوري المتعلق ببند اسلحة الدمار الشامل في مسودة اتفاق الشراكة مع اوروبا. لكن الجانبين السوري والفرنسي حرصا على التأكيد علناً ان "العلاقات جيدة في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والفنية والأمنية". وبعد تسليم سورية المشتبه الجزائري بعلاقته بالارهاب سعيد عارف بعد زيارة القاضي الفرنسي جان لوي بروغيير، سعت دمشق في الايام الاخيرة لتأكيد رغبتها في "استئناف الصداقة" مع باريس، عبر ارسال اشارات ديبلوماسية لمناسبة العيد الوطني. وبعد ارسال الاسد برقية تهنئة الى شيراك وتعبيره "عن الارتياح لمستوى علاقات الصداقة والتعاون بين البلدين وعن تقديره لمواقف فرنسا الداعمة لقضايانا العادلة"، كان لافتاً ان معظم أركان الدولة السورية شارك في الحفلة التي اقامها السفير الفرنسي جان فرانسوا جيرو مساء الاربعاء في المقر العريق منذ ايام الانتداب الفرنسي بين عامي 1920 و1946، الذي زاره ذات يوم الجنرال شارل ديغول. ولم يقتصر الحضور الرسمي ليل الاربعاء على وزراء الثقافة محمود السيد والاقتصاد غسان الرفاعي والنفط ابراهيم حداد والمغتربين بثينة شعبان والزراعة عادل سفر، بل انه شمل اعضاء في القيادة القطرية لحزب "البعث" الحاكم بينهم وزير الدفاع السابق العماد الاول مصطفى طلاس وأمين الفرع في محافظة دمشق خليل مشهدية. كما ان الحضور تمثل "شعبيا" بمشاركة ألف شخصية ورئيس البرلمان محمود الابرش وعدد من اعضاء البرلمان، اضافة الى بعض الشخصيات الأمنية. ومن غاب من الوزراء والاقتصاديين غاب ليس لأسباب سياسية بل لمشاركته في الزيارة الرسمية لرئيس الوزراء محمد ناجي عطري الى تركيا بين 13 و15 الجاري. ومن غاب عن حفلة العيد الوطني كان قد حضر "يوم الصداقة السورية - الفرنسية" مساء الثلثاء مثل الدكتور نبراس فاضل مستشار الرئيس بشار الاسد للشؤون الاقتصادية. وفيما لم يحضر الاحتفالين راتب الشلاح رئيس اتحاد غرف التجارة لمرافقته عطري، فان حشداً كبيراً من "الحرس القديم" من رجال الاعمال مثل عثمان العائدي وصائب نحاس و"الحرس الجديد" مثل فاروق جود، اضافة الى السفير السابق في باريس الياس نجمة كانوا موجودين. كما شكلت الحفلة فرصة ل"تداول غير رسمي" لبعض الافكار المتعلقة باتفاق الشراكة السورية - الاوروبية مع عضوي الوفد التفاوضي السوري سامي الخيمي السفير المرشح الى لندن وسمير سعيفان، في ضوء حضور آنا لاثيو جانيلا الممثلة الشخصية لوزير الخارجية الاوروبي خافير سولانا لشؤون اسلحة الدمار الشامل ورئيس الوفد المفاوض كريستيان لافلر، عشية لقائهم مع وزير الخارجية فاروق الشرع امس بهدف "استئناف الانخراط" في مفاوضات الشراكة بعد توقفها منذ بداية العام الجاري على خلفية مطالبة بريطانية - ألمانية - هولندية بالعودة الى النص الاوروبي الأصلي المتعلق بأسلحة الدمار الشامل والمقرر في 17 حزيران يونيو الماضي. وأبزرت وسائل الاعلام الرسمية اتصال وزير الخارجية الهولندي برنارد بوت بالشرع أملاً ب"نتائج ايجابية" في لقائه جانيلا و"توقيع الشراكة في اسرع وقت ممكن". وكان لافتا ان صحيفة "الثورة" الرسمية نشرت امس في ترويستها اليمنى خبر الحفلة الفرنسية لمناسبة العيد الوطني. وقالت مصادر ديبلوماسية ل"الحياة" ان "الكلام عن برود في العلاقات ليس دقيقاً لأن التعاون لا يزال قائماً في جميع المجالات"، كان آخرها تسليم برنارد بيشور مستشار الدولة الفرنسي الى عطري دراسة حول هيكلية وزارة المال السورية. واذا كان الفرنسيون لعبوا دوراً استشارياً في دراسة الاصلاح الاداري التي قدمت خطياً الى الاسد وشيراك في تموز يوليو العام الماضي، فان مصادر مطلعة أبلغت "الحياة" انهم سيلعبون "دوراً اضافياً بمتابعة تنفيذ الاصلاح المالي"، اضافة الى قيام قاضيين فرنسيين بدراسة النظام القضائي السوري لتطويره وتقديم تصورات أولية لاصلاحه.