قبل شهرين لم يكن العراقيون عرفوا بعد "الهاتف النقال" الذي صار واحداً من ملامح الحياة المعاصرة حتى في اكثر البلدان فقراً وتخلفا. والعراقيون حديثو العهد بما ارساه النقال من تغييرات في حياة الافراد. اذ سرعان ما ادخل انماطاً من السلوك بدت "غريبة" على العراقيين الذين تميزت حياتهم بعزلة تامة خلال حكم النظام السابق... فيما اجهزة الإتصال الحديثة تناقض العزلة، وتجعل الإطراف المتباعدة "قرية صغيرة". الهاتف النقال كان حلماً بالنسبة الى العراقيين. وقد اعتقل أكثر من مواطن من جانب النظام السابق بسبب امتلاكه هاتفاً نقالاً من نوع "ثريا" خوفاً من استخدامه "لنقل معلومات الى الإعداء"! لذا فمع الايام الاولى من طرح الهاتف النقال في الاسواق المحلية، والاعلان عن بدء خدمته تهافت العراقيون للحصول عليه، حتّى عزا بعضهم سبب ارتفاع سعر الدولار أخيراً الى تزايد الاقبال على خدمة الهاتف النقال! هاي لايف والسؤال المطروح اليوم هو: هل يعبّر هذا التهافت عن حاجة حقيقية لدى العراقيين إلى الهاتف النقال؟ أم انهم تهافتوا عليه لان من يمتلك الهاتف النقال يعتبر "هاي لايف"؟ التاجر محسن جاسم قال: "الهاتف النقال قدم لي خدمة كبيرة، اذ كنت سابقاً اسافر الى البلد المعني للتفاوض على بضاعة معينة، لأن خدمات الهواتف الأرضية كانت غير جيدة، كما انها كانت تتعرض الى اعطال كثيرة، في حين استطيع الآن الاتصال بأي مصدر في أي دولة، لأتفاوض معه. لذا، فالهاتف النقال هو حاجة ضرورية وضرورية جداً". وتبدي الطالبة في كلية الهندسة في جامعة بغداد نسرين علي رأيها، وتقول: "الهاتف النقال يحقق لي هدفين، الاول ضروري لأنني احياناً احتاج الى الاتصال بعائلتي وفي السابق كنت أبحث عن خط هاتف ارضي. أما الآن فأتصل بالعائلة، وتتصل هي بي، بكل سهولة وفي أي وقت. خصوصاً حينما اتأخر في الدوام. اما الهدف الثاني فهو الشيء الكمالي، اذ ان القليل والقليل جداً من الطالبات يمتلك الهاتف النقال. لذا فأنني اصبحت من الطالبات المتميزات في الكلية". اما زميلتها نجلاء كاظم فقد حسدتها وهي تستمع الى هذا الحديث قائلة: "حلمي ان امتلك هاتفاً نقالاً، فهو من الضروريات والكماليات معاً". مشكلات داخل العائلة ويبدو الحديث عن تأثير الهاتف النقال داخل العائلة العراقية ممتعاً، ففيه الكثير من الطرائف. فاذا كانت مشكلات عدة تحدث حينما تشك الزوجة بزوجها اذا ما تحدث عبر الهاتف المنزلي، فكيف اذا تحدث عبر الهاتف النقال الخاص به؟ هذا ما تشير اليه السيدة رقية سعد 40 عاماً: "صحيح ان الثقة موجودة بيننا الا انني اتساءل احياناً لماذا يفرد زوجي بنفسه حينما يتحدث عبر الهاتف النقال"؟ معظم العراقيين يرون ان الهاتف النقال ضروري، خصوصاً في هذه الايام حيث اجهزة "الستلايت" منتشرة والبرامج المتنوعة تدعو المشاهدين الى المشاركة في هذا البرنامج او ذاك. تقول أم سعدي: "كنت اتألم كثيراً وأنا اتفرّج عاجزة على هذا البرنامج التلفزيوني او ذاك، واستمع الى كلام ظالم أو غير صحيح عن العراق. أما الآن فأستطيع أن أردّ. بإمكاني الاتصال فوراً بالبرنامج المعروض على أي قناة فضائية وايصال صوت العراق الحر الى كل من يهمه الامر. الهاتف النقال ضروري، الا ان اسعاره الحالية لا تناسب كل طبقات المجتمع. لذا ندعو السلطات المختصة الى التدخل لأجل توفير هذه الخدمة المهمة والضرورية لتكون بأيدي كل العراقيين". ويقول الاستاذ الجامعي في كلية الادارة والاقتصاد كمال احسان: "أحياناً كنت احتاج الى الاتصال بأحد زملائي، فلا أجده في بيته، ولا في منازل زملاء آخرين. أما الآن فانني اتصل بأي شخص في اية لحظة لاجده واتكلم معه". اما عالية سعيد فتدلي بشهادة خاصة في هذا المجال: "الهاتف النقال ضروري الا انه ايضاً كان سبباً في حادثة سير تعرض لها زوجي حينما كان يتكلم مع احد اصدقائه. لذا ادعو من يريد التحدث عبر الهاتف النقال وهو في سيارته، الى ان يوقفها جانباً لحين إكمال اتصاله، والا فإنه يعرض حياته وحياة الآخرين للخطر". ضوابط في الجامعات وتجدر الاشارة الى أن الجامعات العراقية أصدرت ضوابط وشروطاً في شأن استخدام الهاتف النقال داخل الحرم الجامعي. ونصت التعليمات التي وزعت الإسبوع الماضي على عمادات الكليات والطلبة، على منع استخدامه اثناء المحاضرة احتراماً لهيبة المكان والجهد العلمي والاكاديمي. ومنعت استخدامه في داخل بنايات الكلية، فيما اجازت استخدام الهواتف النقالة من الطلبة والطالبات في الحدائق العامة والكافتريات. وشددت التعليمات على اقفال الهاتف النقال اثناء دخول قاعات الدرس، حتى لا يؤثر مستخدم الهاتف في اجواء الدراسة داخل الحرم الجامعي. ويلاحظ يوماً بعد يوم أن عدداً كبيراً من طلبة الكليات العراقية يقتنون الهاتف النقال وان الطالبات اكثر اهتماماً من الطلاب. ويؤكد الطالب في المرحلة الثانية في كلية الرافدين - قسم الحاسبات ضرغام سيف، ان "الهاتف النقال يعد حالياً من الضروريات لأي شاب او شابة ذلك لأنه يوفر الحرية في اجراء المكالمات الهاتفية من دون رقابة الاهل وفي اي وقت، إضافة الى انه يعد شيئاً جديداً دخل الى المجتمع العراقي وهو "موديل ضارب" حالياً" لافتاً الى أن "الفتيات بدأن يتطلّعن الى فارس أحلام تتوافر فيه ميزة امتلاك هاتف نقال". وقالت الموظفة في وزارة التعليم العالي والبحث العلمي غيداء نزار 28عاماً: "ليس من الضروري ان يفسر اقتناء الهاتف النقال بالنسبة الى الفتيات، خروجاً عن الرقابة المنزلية واجراء المكالمات بحرية... بل يجب ان يتأقلم العراقيون مع هذه الخدمة المتطورة، لأنها فعلاً دخلت العراق. هناك من يستغرب عندما يقع نظره على فتاة تتصل من هاتفها النقال. حالياً أواجه احراجات كثيرة من زملائي في العمل، وأسمع كلاماً سخيفاً كل يوم... فبعضهم يقول: "والله انت بطرانة يا خلوي/ يا نقال احنا في اي حال". وبعضهم الآخر يقول: "شوفها اشلون تتعيقل" وغيرها من الأقاويل. وتؤكّد ان الهاتف النقال يغير من العادات الاجتماعية اذا احسن استعماله. ولا اعتقد انه سيغير شيئاً من العادات الاجتماعية العراقية بل انه يغير شيئاً ما في حياة الشخص الذي يقتنيه وهو يوفر له حرية الاتصال في اي وقت وفي أي مكان بعد اكمال خدمة الهاتف النقال في جميع انحاء البلاد". جميع الذين حاورتهم "الحياة" اتفقوا على ارتفاع سعر النقال جهازاً وخدمة، كما انهم اتفقوا على اهميته وضرورته حتى اولئك الذين اتخذوه حاجة كمالية.