"من زبالاتهم تعرفونهم"، هذا ما يقوله رفيق علي أحمد في مسرحيته المونودرامية "زواريب"، التي حصدت نجاحاً في لبنان والبحرين والإمارات. طل رفيق، نقيب الممثلين اللبنانيين، من جديد، في مسرحية من إخراج روجيه عساف، على مسرح قصر الأونيسكو يومي الخميس والجمعة الماضيين. وعلى رغم مضي سبع سنوات على عرضها الأول في بيروت، فإن قاعة المسرح غصت بالحضور. صفق الجمهور بحرارة لممثل لم ترهقه السنون، بدا كعادته سيد الخشبة، يرقص "الماكارينا" كالشباب، ويقلد، بأداء جسدي رشيق، عازف الساكسفون حيناً والكونترباص أحياناً أخرى. لم يتوان عن إعادة تمثيل دور "المومس لميس" بكل براعة، إضافةً إلى دور أم صبحي وزوجة ابنه وأبي إسماعيل، وغيرها من الشخصيات، التي لم تثقل كاهله طوال الساعة ونصف الساعة _ مدة العرض. بالحرفية نفسها التي عودنا عليها من قبل، ينقلنا رفيق مرةً أخرى من العرض، إلى "مزبلته" في الزواريب، حيث يعمل زبالاً منذ ثلاثين عاماً، وإلى أبناء حارته وأسرته - ابنه الذي طلب منه أن ينقطع عن عمله بعد أن أصبح صاحب رأسمال، لكنه سرعان ما عمد وزوجته إلى قذف أبيه نحو اقرب برميل زبالة. نشاهد في الحارة: السياسي والمرقص ومكتب المدير. حتى الصحافيين وشعراء الحداثة لم يسلموا من لسان هذا الزبال: "اعرفوا كيف تكتبون، حتى نعرف القراءة". ما زال رفيق يتغنى بزمانه القديم النقي، ويشجب ويستنكر هذا الزمان النتن. الزمان الجديد الذي صار الطفل فيه يموت في حضن جده، بينما أبوه وأمه يرقصان في سهرة عمل. بيروت لم تعد بيروت الذي يعرفها هذا الزبال. كل شيء تغير. المعالم وأحوال الناس تغيرت. حتى زبالتهم لم تعد مثلما كانت. فالزبالون يقيمون علاقات مع الناس عبر أكياس نفاياتهم: الكيس بمثابة زيارة إلى بيت أصحابه! بنى المخرج روجيه عساف كل شيء على خشبة المسرح من المهملات وأكياس النفاية: الديكور والإكسسوار والملابس. الزبالة تغطي كل شيء، حتى علاقات الناس. وكل شيءٍ كما كان أول مرة: ستائر الظل، أكياس النفايات، المهملات... يمضي رفيق علي أحمد في مشروعه ويمارس طقسه الحكواتي كعادته، حتى بعد أكثر من عشرين عاماً على خشبة المسرح. وعلى رغم ما قد يعتري "مسرح الممثل الواحد" من أخطاء ورتابة وملل، فإن رفيق بات مميزاً عن الآخرين في ما يقدم. قليلون هم المسرحيون العرب الذين يشتغلون على مشروع مسرحي واحد. "القضية لا تنتهي بأسبوع أو شهر بل تسير مع التاريخ"، يردد. رهان فني وفي كل مسرحياته بدءاً ب"من حكايات 1936"، ومروراً بمسرحيات "أيام الخيام" و"الجرس" و"المفتاح" و"زواريب" إلى "قطع وصل"، يعالج رفيق مواضيع مختلفة يربطها بمعاناة المواطن الجنوبي ومقاومته، غير متوقف على مسرحيات "المونودراما". فقد مثل رفيق علي أحمد مع فرقة "كركلا" في مسرحية "الوصية"، ومع منصور الرحباني في "آخر أيام سقراط". كما أن له فيلمين: "الآخر" و"خارج الحياة". إضافة إلى أنه ادى دور "كُلَيب" ببراعة في مسلسل "الزير سالم". وعلى رغم أعماله الناجحة تلك، فإن له أسباباً تقتضي ابتعاده عن مجالي السينما والتلفزيون، منها أنه لا يتقبل ما يقدمه الإنتاج اللبناني، ولا يعتقد بأن العرب صانعو سينما. بقي أن نذكر أن مسرحية "زواريب" مقتبسة عن نص للشاعر السوري ممدوح عدوان، عنوانه "الزبال"، وقد أسقطه رفيق على الواقع اللبناني، وصاغه صياغةً جديدة.