عرف الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان الذي توفي مساء أمس عن عمر يناهز 86 عاماً بالحكمة والاعتدال في منطقة تمزقها النزاعات، وحكم طيلة 33 سنة دولة الامارات التي شهدت تحولات جذرية في عهده خصوصا بفضل عائدات النفط. ويعتبر الشيخ زايد الذي يتمتع بشعبية كبيرة خصوصاً بعدما تمكن من رفع مستوى معيشة سكان البلاد بشكل كبير، المهندس الاول في تأسيس دولة الامارات بعد انسحاب القوات البريطانية من المنطقة. وفي كتابه بعنوان"الخليج المضطرب"كتب ليزل غراز عن الشيخ زايد"لولا التزامه الشخصي، لكان من الصعب ان نتصور ان شيئاً سيرى النور كالامارات العربية المتحدة". واضافة الى تحديث بلاده التي طالما عانت من الفقر والتخلف، سعى الشيخ زايد الذي يحظى باحترام نظرائه العرب، الى تعزيز التعاون في منطقة الخليج وفي مجمل العالم العربي. وكان يدعو باستمرار الى المصالحة والوحدة في منطقة تعاني من الخلافات والخصومات. ورغم تعنت طهران بشأن خلاف حدودي مع ابوظبي، لم يتراجع زايد عن موقف بلاده ودعا باستمرار الى الحوار لحل مشكلة الجزر الثلاث في الخليج : طنب الكبرى وطنب الصغرى وابو موسى. وأمام حجم المأساة الانسانية التي عاشها العراق في ظل عهد صدام حسين، كان الشيخ زايد من بين الزعماء العرب الأوائل الذين طالبوا برفع الحظر الدولي الذي فرض على بغداد اثر حرب الخليج الاولى. كما حاول اقناع الرئيس العراقي السابق صدام حسين بالتخلي عن الحكم في مطلع العام الماضي لتجنب الحرب. وعلى الصعيد الداخلي، كان الشيخ زايد يحكم بحنكة محترماً التوازن الحساس بين الامارات السبع وعين حاكم دبي نائباً له. وبحسب الوثائق الرسمية، ولد الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان"حوالي عام 1918"وهو يتحدر من عائلة تولت منذ القرن الثامن عشر حكم امارة ابوظبي، أكبر وأغنى الامارات السبع التي تشكل حالياً دولة الامارات العربية المتحدة. وكانت ابوظبي آنذاك منطقة صحراوية لا موارد لها، تقتصر حياة البدو فيها على صيد الاسماك وتجارة اللؤلؤ وعلى الزراعة البدائية في الواحات. وفي هذه الفترة، لم تكن أي مدرسة قائمة، وتعلم الشاب زايد المبادئ الاساسية للاسلام لدى شيخ محلي. وفي مطلع الثلاثينات وبناء على طلب شقيقه الكبير، الشيخ شخبوط الذي اصبح أميرا عام 1928، قاد زايد الفرق الاولى للشركات النفطية التي قدمت الى الصحراء لاجراء دراسات جيولوجية. وفي هذه الفترة، نما ولعه الشديد بالصيد بالصقور وفي عام 1977، نشر كتابا حول الموضوع. وكان العام 1946 منعطفاً في حياته بعد ان كلفه الامير شخبوط ادارة واحة العين، ما ساعده على التمرس بالحكم واعتماد فلسفة طبقها لاحقاً على مستوى الدولة. وفي عام 1953، رافق اخاه الى بريطانيا وفرنسا وعاد من رحلته شديد التأثر بما شاهده، خصوصاً من مدارس ومستشفيات. وفي آب اغسطس 1966، أصبح زايد الذي حظي بدعم البريطانيين، حاكم امارة ابو ظبي بعد التوصل الى توافق بين آل نهيان لايجاد خلف لشخبوط الذي كان يعرف بمناهضته لكل تحديث، وكان يحتفظ بثروته في صندوق قديم رغم وضع اقتصادي كارثي. وبفضل موارد الذهب الاسود، تمكن الشيخ زايد من الانطلاق نحو تطوير بلاده. وتم اكتشاف النفط في ابو ظبي عام 1959 وبدأت عملية التصدير عام 1963 ما درّ على الامارة ثروة غير متوقعة استخدمها الشيخ زايد لاطلاق مشاريع تنموية ضخمة. وبعد ابوظبي، انتقل هذا الازدهار المفاجئ الى الامارات الست الاخرى اعتباراً من 1971 عندما اختير زايد اول رئيس للاتحاد لولاية من خمس سنوات تجددت منذ ذلك الوقت حتى الآن. وأصبحت الآن دولة الامارات العربية المتحدة بين اكثر الدول ثراء في العالم. وفي العام 2002، بلغ ناتجها الداخلي الخام 280.6 بليون درهم 76 بليون دولار، ويقدر عدد سكانها رسمياً ب3.7 مليون نسمة بينهم أكثر من 80 في المئة من الاجانب.