مشاريع نوعية بأمانة جازان لرفع كفاءة الطرق وتحسين المشهد الحضري    فتح باب تسجيل المتطوعين لبطولة كأس آسيا تحت 23 عاما    صحي جدة الثاني يدشن توسعة خدمات مركز القلب التخصصي بمجمع الملك عبدالله    السفير غنيم: القيادة الفلسطينية تعرب عن تقديرها للمواقف السعودية المشرفة    نائب أمير جازان يستقبل مدير عام فرع وزارة البيئة والمياه والزراعة بالمنطقة    السياحة تُشدد العقوبات بحق المخالفات الجسيمة    الأمير ناصر بن محمد يستقبل الرئيس التنفيذي لتجمع جازان الصحي    محافظ الأحساء يرعى توقيع اتفاقيات إستراتيجية لجمعية زهرة    أمير حائل يستعرض خطط وبرامج جمعية تحفيظ القرآن الكريم بالمنطقة    نائب أمير منطقة الرياض يرعى حفل جائزة الاستدامة المالية    غرفة الطائف تبحث فرص الاستثمار في التعليم الأهلي    وزير الثقافة يلتقي وزيرة الثقافة الفرنسية    "مركزي القطيف" يحقق إنجازا طبيا نوعيا متسلحا بكوادر طبية سعودية    في اليوم العالمي للإحصاء: "الأرقام تتحدث"    "الوداد" تحصد جائزة الأميرة نورة للطفولة في مجال جودة الحياة والرفاه النفسي للطفل    "القارب الفارغ".. كيف تتقن فن الهدوء وسط زحام الغضب؟    تشغيل وحدة العلاج الطبيعي والتأهيل للأطفال في مستشفى الأسياح العام    زوجة رجل الأعمال علي بن عبدالله الحسنيه في ذمة الله    نجاح عملية جراحية لطفلة فلسطينية كانت تعاني من عيب خلقي في القلب    يابي مركزي تؤكد التزامها تجاه السعودية بافتتاح مقرها الإقليمي في الرياض كمرحلة جديدة من النمو والشراكة في المملكة    التضخم في بريطانيا يستقر عند 3.8% في سبتمبر    بيع 3 صقور ب (399) ألف ريال في مزاد نادي الصقور السعودي 2025    بهدف جميل أمام السد.. سافيتش يُظهر مهارته المُعتادة مع الهلال    العنزي مديرًا عامًا للإعلام والاتصال المؤسسي ومتحدثا رسميا بالإسلامية    بيونجيانج تطلق صواريخ باليستية قبل أسبوع من قمة أبيك في كوريا الجنوبية    هجوم صاروخي روسي يستهدف كييف ومدنا أوكرانية    قدموا للسلام على سموه.. ولي العهد يستقبل الأمراء والعلماء والوزراء وجمعاً من المواطنين    النصر ضيفاً على غوا الهندي من دون رونالدو.. في الجولة الثالثة من دوري أبطال آسيا الثاني    إنزاغي: طموحي كبير بتحقيق البطولة مع الهلال    تحايل قانوني.. قضية «شمس الزناتي» تشتعل    «رجال عبدالعزيز» في التلفزيون السعودي    السواحة للمبتعثين: الوطن يترقب إسهاماتكم المستقبلية    ثمن إشادة مجلس الوزراء ب«الخطوات التنفيذية».. الحقيل: نعمل على تطوير منظومة الإسكان والقطاع العقاري    الصليب الأحمر يؤكد تبادل 15 جثماناً لفلسطينيين.. «حماس» تسلم جثتي أسيرين إسرائيليين    ترمب ينتقد «حماس» ويهدد بتدخل الحلفاء.. تحرك أمريكي لدعم وقف النار في غزة    الأمم المتحدة: إسرائيل تسعى لفصل المزارعين عن أراضيهم    موجز    جمجمة في سنارة صياد بدل السمكة    أكد دعم المملكة لجهود السلام بالعالم.. مجلس الوزراء: الموافقة على إنشاء فرع لجامعة ستراثكلايد بالرياض    شريحة ذكية تعيد البصر ل84% من المكفوفين    جائزة صيتة بنت عبدالعزيز تستعد لملتقى دراية بحائل    محمد بن عبدالعزيز يشيد بمنجزات «محكمة إدارية جازان»    سعود بن نايف: القطاع غير الربحي شريك في تحقيق مستهدفات رؤية 2030    الهلال يتفوق على السد بثلاثية    أرسنال يكتسح أتلتيكو مدريد برباعية في دوري أبطال أوروبا    اكتشاف نادر لشجرة «السرح» في محمية الملك عبدالعزيز    حراك متنامٍ    باريس سان جرمان يسحق ليفركوزن بسباعية ويواصل العلامة الكاملة    روسيا تضرب شبكة الطاقة الأوكرانية وأوروبا تتحرك لإجبار بوتين على السلام    العنزي مديرا للإعلام والاتصال    وزير الخارجية ونظيره الهولندي يبحثان العلاقات الثنائية    نائب أمير جازان يستقبل رئيس المحكمة الإدارية بالمنطقة    انطلاق منتدى الأفلام السعودي الثالث غدا الأربعاء    محافظ بيش يستقبل شيخ شمل السادة الخلاوية والشابين المبدعين الشعفي    استقبل الفائز بالمركز الأول بمسابقة تلاوة القرآن بكازاخستان.. آل الشيخ: دعم القيادة لحفظة كتاب الله يحقق الإنجازات    استقبل وزير الحج والعمرة.. نائب أمير مكة: العمل التكاملي يعزز جودة خدمات ضيوف الرحمن    نائب أمير مكة يترأس اجتماع محافظي المنطقة لمتابعة مشاريع التنمية وتحقيق مستهدفات رؤية 2030    ولي العهد يعزي رئيس وزراء اليابان في وفاة توميتشي موراياما    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل يمكن تفصيل ديموقراطية تناسب الاحتلال ؟
نشر في الحياة يوم 15 - 01 - 2004

اعتبر الحاكم المدني الأميركي في العراق بول بريمر ان إجراء انتخابات حرة في العراق، ليس خياراً جيداً في الوقت الراهن، الأمر الذي يطرح اسئلة عن المعيار الذي تعتمده الإدارة الأميركية للشروع في تطبيق الديموقراطية التي تريدها في العراق، ويرسل اشارة الى ان دعواها الديموقراطية مشروطة، مثلها مثل دعوات بقية الأنظمة الشمولية. وقد يكون الاستنتاج من المعيار الأميركي المتبع هو التنصل من الديموقراطية. إن لم تضمن وصول من تريدهم الى مقاليد الحكم في العراق. والغريب في دلالة هذا التنصل هو انه يلتقي مع دعوات الكثير من الأنظمة العربية التي ترى ان الوقت الراهن ليس مناسباً للشروع في التغييرات الديموقراطية في بلدانها. بل وهنالك في مفردات خطاب الأنظمة الحاكمة العربية ما يذهب الى التحدث عن ماهية "الديموقراطية المطلوبة" لبلداننا، ويعرب عن استهجانه للدعوات المنادية بتطبيقها، ويرفضها بدعوى اننا لا نريد "ديموقراطية الغرب"، لكنه يصمت عن الأشياء التي تصنع في "الغرب" خصيصاً لحماية رموز انظمة الحكم العربية، ولا يعتبر ذلك استيراداً لشيء "غربي". فالديموقراطية وفق معياريته "مستوردة"، كونه يفصل "ديموقراطية" مشروطة، تبتعد عن مركبات وحمولات مفهوم الديموقراطية.
لا شك في ان مقولة "ديموقراطية الغرب" مضللة، اذ لا يمكن تفصيل ديموقراطية للغرب وأخرى للشرق، وربما ثالثة للشمال، ورابعة للجنوب... الخ. ويمكن القول ان اقلمة الديموقراطية قد تختلف من اقليم الى آخر، على ان نفهم الإقليم ليس بصفة جغرافية فقط، بل بشراً ومحيطاً وبيئة مكتنفة. فالديموقراطية في الهند لها مركباتها وحمولاتها وتحققاتها المختلفة عن الديموقراطية في فرنسا مثلاً، لكن لا يمكن وصف النظام في اي بلد عربي في وقتنا الراهن بأنه نظام ديموقراطي، كما لا يمكن ان تكون هنالك ديموقراطية في ظل استئثار الحزب الحاكم بالسلطة، او في ظل قوانين الطوارئ والأحكام العرفية، بل ولا يمكن تحقيق المواطنية في ظل تلك الأحكام.
إن مفهوم الديموقراطية، مثله مثل بقية المفاهيم الفلسفية، خضع لتغيرات وأقلمات عدة. ثم تغايرت حياة هذا المفهوم، حينما جرت محاولات وأده في العصور الوسطى، ولم تتجدد عملية اعادة اقلمته في العصر الحديث إلا في النصف الثاني من القرن الثامن عشر، وبالتحديد مع انوار الثورة الفرنسية. إذ يمكن اعتبار كتاب "العقد الاجتماعي" لجان جاك روسو بمثابة البناء النظري الحديث للنظام الديموقراطي وسيادة الشعب. وكان هدف روسو - وقتئذ - وضع حد لديكتاتورية ملوك فرنسا وأوروبا الذين كانوا يزعمون انهم يمثلون ظل الله على الأرض. وطالب بأن تكون السيادة للشعب. عبر انتخابه ممثليه الذين يحكمونه من خلال القوانين العامة المجمع عليها. وعليه فإن اقلمة الديموقراطية في العصر الحديث، عن انتقال مشروعية الحكم من القمة الى القاعدة ومن فرد واحد الى كل افراد الشعب.
قد تكون الديموقراطية اقل الأنظمة السياسية سوءاً كما يقال، لكنها برهنت على الدوام انها افضل نظام سياسي ممكن. وهي تعني مهما اختلفت اقلماتها وحمولات مركباتها، حكم الشعب. وفي الحال العربية، تشكل الديموقراطية احدى المسائل الملحة التي لا تزال مطروحة في الساحة السياسية والثقافية العربية. وكثيراً ما يتم طرح السؤال عن إمكان تطبيق الديموقراطية في اي مجتمع عما اذا كان المجتمع في حد ذاته مؤهلاً لممارسة الديموقراطية في شكل صحيح ام انه لا يملك المستوى المطلوب من الثقافة السياسية الذي يؤهله لهذه الممارسة. وهناك اطروحة مزدوجة المصدر ذات مضمون واحد، مفادها ان المجتمعات العربية ليست مؤهلة للديموقراطية. بينما حقيقة الأمر تبين ان هذه الأطروحة هي حجة الخطاب التسلطي العربي الذي لا يؤمن إلا ب"ديموقراطية" ملحقة بشعاراتية مخادعة، مثل الديموقراطية الشعبية، الديموقراطية المسؤولة، ديموقراطية الجماهير، وغير ذلك.
ان الديموقراطية ممارسة وإبداع يومي، تتكفل مختلف عناصرها تخفيف الضرر الناجم عن تكليف قطاع واسع من الناس ممثلين منهم إدارة شؤونهم خلال فترة معينة من الزمن. والشعوب كالأفراد لا تتعلم إلا من تجاربها الناجحة والفاشلة، وأضمن وسيلة للتعلم هي الشروع في التعلم باكراً. مع ان الديموقراطية لا يمكن تصورها من دون جملة المفاهيم المرتبطة بها. كالمواطنة وحقوق الإنسان واستقلال القضاء وحرية الرأي والتعبير، والتداول السلمي للسلطة وغير ذلك. وعليه فإن التعامل مع الديموقراطية، ينطلق من اعتبارها منظومة تاريخية في طور التجريب، وعلى المهتمين بالشأن العام المشاركة في تطويرها. ذلك ان الديموقراطية هي مشروع سياسي، يهدف الى تجسيد المساواة والعدالة والحرية والكرامة والسلم التي يريدها لتسود في المجتمع، وتتحكم في مناحيه، ولها آليات معينة ومحددة تماماً.
اليوم، وبعد سقوط بغداد، جاءت الحملة العدوانية الأميركية لتخطف الدعوى الملحة عربياً في التغيير الديموقراطي، وأضحى دعاة تأبيد الحاضر، يستخدمون الاستيلاء الأميركي لدعوى التغيير كذريعة للوقوف ضد اي صوت ينادي بالتغيير او الإصلاح، وصار التمترس حول الأنظمة القائمة جزءاً من "المصلحة الوطنية العليا"!
ومع القناعة بأن الإدارة الأميركية تبحث في المنطقة العربية عن تحققات مصالحها، وليس عن تحقيق الديموقراطية، فإن حراس الأنظمة الحاكمة، القدماء منهم والجدد، يحاولون تصوير اي تحرك في الإصلاح السياسي عربياً، مجرد تماهٍ مع الرغبة الأميركية، او مساندة لها في تحقيق طموحات الامبراطورية الأميركية في شكل او بآخر، وفي هذا تضليل شديد.
ان السياسة الأميركية في منطقتنا العربية لا تمتلك اي صدقية، فهي لم تكن عادلة، او حتى محايدة، تجاه القضايا العربية، وهي تحاول اليوم تغيير خريطة منطقتنا العربية، بما يتماشى وتحقيق النزوع الامبراطوري، ويخدم استراتيجيتها الهيمنة والسيطرة. وكلنا يتذكر الكثير من الشواهد في بلداننا العربية. خلال الربع الأخير من القرن العشرين المنصرم، حينما كانت القوى السياسية الحية تطالب بالديموقراطية وبالإصلاح الداخلي وبتوسيع قاعدة المشاركة في الحكم، وكانت تضحي من اجل ذلك وتواجه القيود والسجون والحصار، فإن السياسة الأميركية لم تكن تعير هذه الأمور ادنى انتباه، بل كانت تدعم الأنظمة الحاكمة القائمة بكل سياساتها.
* كاتب سوري.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.