مصادفة المواعيد جعلت ثلاث دول في منطقة افريقيا الشمالية تخوض انتخابات الرئاسة العام المقبل. وكما أن المحاولة الانقلابية الفاشلة في موريتانيا دفعت الرئيس معاوية ولد الطايع إلى اجراء تغييرات عدة في حواشي الرئاسة وداخل الجيش والدرك لتعزيز وضعه الانتخابي في مواجهة معارضيه، فإن الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة أطاح رئيس وزرائه السابق علي بن فليس من دون أن يتمكن من حيازة دعم "جبهة التحرير" في الانتخابات المقبلة. إلا أن الحزب الحاكم في تونس عرض تمنياته على الرئيس زين العابدين بن علي بأن يترشح لولاية جديدة. هذا يعني أن أوضاع الرؤساء الثلاثة تتشابه في الإصرار على تجديد الولايات، لكنها تختلف باختلاف الأوضاع السياسية في كل بلد. وقد تكون المفاجأة أن الجزائر وحدها، على رغم حساسية أزمتها، استطاعت في أقل من 15 عاماً أن تجرب أربعة رؤساء على الأقل، فيما الوضع يختلف منذ تسلم الرئيسين الموريتاني والتونسي الحكم في بلديهما. والاستثناء في المنطقة المغاربية أن نظام الحكم ملكي في المغرب، وأن الزعيم الليبي العقيد معمر القذافي لا يريد أن يكون رئيساً، لكنه يحتفظ بأكثر من صلاحيات الرئيس. وحين اتفق القادة المغاربيون على تأسيس الاتحاد المغاربي عام 1989 كان في مقدم بنود الاتفاق تحريم ورفض ايواء أي معارضة ضد أي نظام مغاربي، والتزام عدم التدخل في الشؤون الداخلية للغير، ما يعني التسليم مبدئياً بأن التغيير يمكن أن يحدث من الداخل بطرق ديموقراطية، حتى وإن كانت الديموقراطية في أبعادها الأكثر شمولية هي الغائب الرقم واحد، أو أنها في تقدير أقل تشاؤماً في طريقها لأن تتبلور. تبقى أن الاستحقاقات الرئاسية فرصة سانحة لتحريك الراكد في المعادلات السياسية. واجراء انتخابات أفضل من إحكام السيطرة المطلقة، لكن الفوز بأكثر قليلاً من نسبة الخمسين في المئة أحسن من حيازة الرقم 99 فما فوق. وعلى رغم اختلاف أوضاع القادة العرب، فإن ذلك الرقم الهجين لم ينفع الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين في الصمود بنسبة أقل من أصوات الذين زعم أنهم لم يصوتوا لفائدته، إن كانوا وجدوا فعلاً، حسب الطرح الرسمي وقتذاك، لكن استمرار الأنظمة اليوم لم يعد محكوماً بالسيطرة والبطش واسكات الصوت المعارض، وإنما رهن استيعاب التحولات. وأقربها أن تحصين الأنظمة ديموقراطياً عبر سلاسة التداول على السلطة خيار راجح، وان عكس ذلك لا يمكن أن يصمد أمام الزلازل المقبلة. درس العراق، على رغم تباينه مع واقع أنظمة أخرى عربية أو غير عربية ليس بعيداً، وسيظل إلى فترة أطول سابقة في العلاقات الدولية القابلة للاستنساخ. لكن الانفتاح على المعارضة، داخلية كانت أم خارجية، أفضل من فرضية إلغائها. وفي إمكان الرؤساء المغاربيين في انتخابات السنة المقبلة إثبات أن خيار الديموقراطية سبيل لتثبيت السلطة. وغير بعيد عن المنطقة استطاعت السنغال، المجاورة لجنوب موريتانيا، أن تعكس استيعاب الخيار. وميزة الرئيس عبدو ضيوف الذي أسقطه منافسه عبدو اللاي واد ان في إمكانه أن يتجول بحرية من دون أن يطالب أحد برأسه أو يكون مطلوباً من أي جهة.