من المرجح أن الطابع العسكري للباس المدرسي السائد الى الآن في المدارس السورية والذي سيصير بعد شهور قليلة جزءاً من الماضي بالنسبة الى الكثيرين، كان السبب الرئيس للتحفظ عن ارتداء الحجاب في المدارس، خصوصاً في المرحلتين الإعدادية والثانوية. فهذا النمط من اللباس النظامي الموحد لم يكن يكتمل إلا بإظهار الفتيات لشعورهن مربوطة بمطاطات تتناسب ألوانها مع ألون الرتب التي كن يضعنها على أكتافهن. ومنذ سنوات بدأت تعم في المدارس السورية حالة إيجابية في التعامل مع الفتيات الراغبات في ارتداء الحجاب داخل الحرم المدرسي، وصار بإمكان الفتاة اختيار ما تريده بحرية. السيدة هند المرادي 56 عاماً أطلقت ضحكة كبيرة لدى سؤالها عما حصدته ذاكرتها من قصص طريفة تتعلق بارتداء الفتيات للحجاب في المدارس الحكومية، والتي كانت تحصل بصورة شبه يومية أثناء رحلتها التعليمية الطويلة لمدة ثمانية وعشرين عاماً كمدرسة وموجهة في ثلاث مدارس مختلفة في حي الميدان "المحافظ" في دمشق، وقالت: "أثناء عملي قبل ثلاثة عشر عاماً تقريباً تغيبت مدرسة مادة الفلسفة عن الصف الثاني الثانوي، وعندها أرسلت مديرية التربية أستاذاً وكيلاً كبديل موقت لها، وبعد دخولنا أنا والأستاذ اختبأت بعض البنات تحت المقاعد مطالبات بخروج الأستاذ سريعاً من الصف لئلا يراهن مكشوفات الرأس بينما رفعت بعضهن طرف بدلاتهن العسكرية لتغطية رؤوسهن، وتسبب قدوم المدرس بمشكلة كبيرة حينها لأن الحجاب كان ممنوعاً منعاً باتاً داخل الحرم المدرسي سواء أكان في الصف أم في الباحة، وامتنعت الفتيات عن الدخول إلى حصة الفلسفة، وصار الأهالي يتوافدون إلى المدرسة لتقديم اعتراضهم على وجود المدرس الجديد، ووصلت القصة الى وزير التربية والمحافظ ولكن من دون نتيجة. فما كان من المديرة إلا السماح بارتداء الحجاب أثناء حصة الفلسفة فقط أما في ما عدا ذلك فالأمر ممنوع تماماً". وتتابع قائلة: "نضحك الآن على أمور كانت تزعجني حينها وتؤلمني بعض الشيء، فبسبب منع ارتداء الحجاب داخل المدرسة حرمت مجموعة ليست بقليلة من طالبات حي الميدان من متابعة دراستهن. وفي إحدى المرات قام طبيب معروف جداً في دمشق الآن وابن عائلة دمشقية عريقة بإرغام ابنته على ترك المدرسة ومتابعة دراستها في المنزل بسبب اصراره على ارتدائها الحجاب. وتدخلت أنا والمديرة ومجموعة من المدرسات وقمنا بمحاولات عدة لإقناعه بالتراجع عن قراره، لأن ابنته كانت من المتفوقات في المدرسة. وبالفعل عادت الابنة بعد غياب شهر كامل لمواصلة دراستها، وكانت ترتدي سدارة خاصة في الباحة تخبئ شعرها بالكامل. وتمكنت هذه الطالبة من أن تكون من الثلاثة الأوائل على مستوى القطر في الشهادة الثانوية، ودرست الطب في جامعة دمشق، وهي الان متزوجة في أميركا". أما السيدة نازك درويش 35 عاماً فهي طالبة سابقة لدى السيدة هند وتعمل حالياً معها في المدرسة ذاتها، تحدثت عن عدد المرات التي تركت فيها المدرسة بسبب منعها من ارتداء الحجاب وقالت: "أجبرني والدي على ترك المدرسة بعد حصولي على الشهادة الابتدائية في الصف السادس الابتدائي، وعندها صرت أبكي لدى مشاهدة صديقاتي وبنات الجيران وهن يذهبن إلى المدرسة كل يوم. وعدت بعد سنة كاملة لمتابعة الدراسة بعدما تأخرت عاماً كاملاً عن زميلاتي. وفي الصف الأول الثانوي منعني والدي من اتباع المعسكر التدريبي الصيفي والالزامي لأنه كان مختلطاً وكان ارتداء الحجاب فيه ممنوعاً منعاً باتاً. وطرق أبي في ذلك الصيف أبواب عدد من المسؤولين في وزارتي التربية والتعليم لتمكيني من الحصول على إعفاء وتمكنت من ذلك فعلاً". بعدها تمكنت نازك من دراسة الرياضيات في الجامعة لمدة أربع سنوات قضتها وهي ترتدي اللباس الشرعي الكامل أي الجلباب والحجاب من دون التعرض لأي مشكلة أو منع. السيدة نازك الآن أم لثلاثة بنات يبلغ عمر الكبرى تقى 11 عاماً وهي محجبة منذ سنة تقريباً، وقد تحدثت عن رغبتها الشخصية في ارتداء الحجاب في عمر مبكر. وعن رد فعل المدرسات الأصدقاء في المدرسة تجاهها قالت: "كنت أول طالبة محجبة في المدرسة كلها، أما الآن فعدد المحجبات هو ست تقريباً، تحجبت شهر رمضان الماضي واعتقدت المدرسات أني سأخلع الحجاب بعد انتهاء الشهر الفضيل، ولما لم أقم بذلك رحن يسألنني عن السبب. وفي إحدى المرات طلبت مني المدرسة أن أخلع الحجاب أثناء تحية العلم، في البداية رفضت، لكنها أصرت فخلعته، وعندها ذهب والدي إلى المدرسة وصار الأمر عادياً ولا توجد مشكلات الآن". السيدة نازك أعربت عن رغبتها في قيام وزارة التربية بتعميم بلاغ يحدد الألوان المسموح بها للحجاب داخل المدارس وليكن اللون الأبيض، فهذا الأمر سيساعد في الحفاظ على طابع موحد ومرتب للباس المدرسي.