أثارت تصريحات شارون في جلسة كتلة ليكود في الكنيست يوم الاثنين 26 أيار مايو ضجة كبرى في الاوساط السياسية العربية والاسرائيلية. وكان رئيس الحكومة الاسرائيلي صرح في معرض رده على نواب ليكود الذين هاجموا قرار حكومته بتبني "خريطة الطريق" ما يأتي: "من المفترض برأيي ان نتوصل الى تسوية. سأقوم بكل جهد للتوصل الى تسوية سياسية، لأنني أعتقد أن التوصل الى تسوية سياسية مهم لاسرائيل. انا اعتقد ايضاً أن الآراء والافكار الذاهبة الى ان من الممكن ان نواصل الامساك بثلاثة ملايين ونصف مليون فلسطيني تحت الاحتلال - تحت الاحتلال، من الممكن ألا نحب الكلمة، ولكن هذا ما يحدث: تحت الاحتلال. وهذا برأيي سيئ لاسرائيل أيضاً وللفلسطينيين ولاقتصاد اسرائيل، هذا لا يمكن ان يستمر بلا نهاية. تريدون ان تبقوا بشكل دائم في جنين، في نابلس، في بيت لحم، دائماً؟ لا اعتقد ان هذا صحيح". الترجمة حرفية من البث المباشر في ذلك اليوم وصحافة اليوم التالي. واضح ان اللغة ركيكة، ولكن حديث رئيس الحكومة يتم بلغة عامية وبشكل عفوي. فهو لا يقرأ تصريحات معدة سلفاً. وقد أثارت كلمة "الاحتلال" جلبة بشكل خاص. كما أثار "قبول" الحكومة الاسرائيلية خريطة الطريق ضجة في اليوم الذي سبقه الأحد 25 أيار. في اليوم التالي اتصل المستشار القضائي للحكومة الاسرائيلية برئيس حكومته وطلب منه عدم استخدام مصطلح "المناطق المحتلة" بل "المناطق المتنازع عليها"، وأن مفهوم المناطق المحتلة يفيد العرب في المفاوضات معاريف 28/5. والحقيقة ان شارون لم يكن بحاجة الى هذا التحذير، فهو لم يستخدم مصطلح المناطق المحتلة، بل تعامل مع عبارة "3.5 مليون فلسطيني تحت الاحتلال". وقد أوضح ذلك أيضاً في جلسة لجنة الخارجية والامن في الكنيست في اليوم التالي. يديعوت أحرونوت ومعاريف وهآرتس 28/5، وكذلك في بيان رسمي لمكتب رئيس الحكومة يوم 27/5. وتنسجم هذه العبارة مع تصور شارون للحل السياسي وللتسوية. فالرجل يطرح تصوره للتسوية منذ خمسة عشر عاماً. ويقوم التصور بأكمله على عدم امكان السيطرة الى الابد على السكان الفلسطينيين والحفاظ على حكم اسرائيلي عليهم لفترة طويلة. من هنا جاء تصور يغال آلون ل"الحل الوسط الاقليمي" الذي "يعيد" المناطق المكتظة بالسكان الى الاردن، واقتراح الحكم الذاتي لدى بيغن، واقتراح ضرورة اقامة كيان سياسي فلسطيني على المناطق التي ترغب حكومة آلون بإعادتها الى الاردن وضم البقية الى اسرائيل، وهو تصور شارون الذي تحدى به حزب العمل منذ منتصف الثمانينات. في اي حال لم يستخدم مصطلح المناطق المحتلة، فمنذ احتلالها استخدمت مصطلحات مثل المناطق المدارة او المناطق فقط، هذا عدا المصطلح الرسمي "يهودا والسامرة" وقطاع غزة ومختصرها "يشع". هل يعني هذا أن لا جديد في كلام شارون؟ نعم، لا جديد. إلا لمن اختار ان يتركز بشارون الجنرال وتجاهل شارون السياسي منذ عقود. شارون هو جنرال ورجل أمن يؤكد استخدام القوة العسكرية لتحصيل نتائج سياسية. صحيح أنه ليس فيلسوفاً لنحلل اقواله ونفسرها كأنها تحليلات واحكام نظرية، لكنه سياسي وكان دائماً يحمل تصوراً سياسياً أقرب الى تصورات حزب العمل ل "الحل الوسط الاقليمي" Territorial Compromise منها الى تصورات حركة "ارض اسرائيل الكاملة" التي دعت الى ضم المناطق المحتلة بعد عام 67، ومن معطفها خرجت الحركات اليمينية العلمانية العديدة. كما انه اقرب الى هذه الحركات اليمينية العلمانية منه إلا ايديولوجية المستوطنين الخلاصية. وحتى عندما روج شارون لفكرة الدولة الفلسطينية في الاردن فإنه لم يرغب بضم السكان الفلسطينيين في المناطق المحتلة الى اسرائيل، ولم يعتقد ان بالامكان مواصلة الحكم الاسرائيلي عليهم الى الأبد بل أراد حكماً فلسطينياً ذاتياً او مواطنة اردنية للمواطنين الفلسطينيين في الضفة والقطاع بحيث يعبر الاردن عن طموحاتهم الوطنية في دولة. ولكن ما يميّز شارون هو اعتقاده الراسخ بأنه لكي يقبل العرب بحل سياسي مقبول اسرائيلياً يجب ألا تتردد اسرائيل بالاعتماد على القوة والقمع من دون هوادة. ومن أجل أخذ فكرة عن طبيعة الحل الذي يقبله شارون نورد هنا اقتباسات لم توردها الصحافة من نفس الجلسة مع كتلة الليكود التي دافع فيها شارون عن قرار الموافقة على خطة الطريق. قال شارون في ردّه على عضو الكنيست المستوطن من كتلته يحيئيل حازان ان قبول خطة الطريق بلغته خطة الطرق لا يمنع البناء في المستوطنات: "بالامكان البناء من دون تحديد لابنائك واحفادك وآمل أيضاً ابناء احفادك". حتى موافقة شارون على مفهوم الدولة الفلسطينية واستخدام هذا المفهوم ليست جديدة. وهي لا تعبر عن موقف اخلاقي لإحقاق العدالة لنسبية أو الانصاف. لقد استنتج شارون منذ فترة طويلة أنه لا يوجد امكان لطرد الفلسطينيين في عملية ترانسفير شاملة، ولا يمكن ضم الفلسطينيين الى اسرائيل. والنتيجة هي حل وسط اقليمي مع الفلسطينيين انفسهم بدلاً من الاردن. وقد يسأل سائل: ما المشكلة ان يصل شارون الى مثل هذه النتيجة رغماً عنه من دون موقف اخلاقي؟ فالمهم بالنسبة الينا هي النتيجة وليس الدافع. هناك مشكلة في عدم القناعة بالحل العادل لأن النتيجة هي كيان سياسي فلسطيني يشمل أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين على أصغر رقعة من الارض. وأكبر رقعة ممكنة للضم الى اسرائيل عليها أكبر قدر ممكن من المستوطنات. وعلى هذا يدور الصراع حالياً مع شارون وما يمثل. ما هي طبيعة الدولة الفلسطينية؟ ما هي حدودها؟ ما هي صلاحياتها؟ هل تشمل مستوطنات اسرائيلية؟ كم من مساحة الضفة الغربية وقطاع غزة سوف يُضم الى اسرائيل بموجب هذا القرار؟ لا توفر خريطة الطريق اجابة محددة عن هذه الاسئلة. ويبدو ان هنالك حاجة الى تذكير القارىء العربي بنص قرار الحكومة الاسرائيلية حول خريطة الطريق: "تعلن حكومة اسرائيل انها توافق على اعلان رئيس الحكومة بتبني الخطوات التي تتضمنها خريطة الطريق الطرق وتؤكد ان تطبيق الخطة سيتم بموجب اربعة عشر تحفظاً قدمتها اسرائيل للولايات المتحدة". وقد اضاف شارون بضغط من الوزراء البند التالي الى القرار: "تشكل الدولة الفلسطينية الحل الوحيد لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين واستيعابهم". حسناً. ولكن ما هو نص اعلان شارون من يوم 23/5 الذي تبنته الحكومة الاسرائيلية يوم 25/5 ؟ نورد هنا النص الحرفي كما هو قائم في موقع مكتب رئيس الحكومة الاسرائيلية: "على ضوء اعلان الولاياتالمتحدة التي اعلنت اليوم بالنسبة لملاحظات اسرائيل حول خطة الطريق بأن الولاياتالمتحدة تشارك الرأي أن الملاحظات الاسرائيلية هي تعبير عن مخاوف حقيقية، وعلى ضوء تعهد الولاياتالمتحدة ان تعالج هذه الملاحظات بشكل كامل وجدي عند تطبيق خطة الطرق التي تهدف الى تطبيق رؤية الرئيس بوش كما وردت في خطابه من يوم 24 حزيران 2002، يعلن رئيس الحكومة ارييل شارون ان دولة اسرائيل توافق على الخطوات المحددة في خطة الطرق وسيطرح الموضوع لموافقة الحكومة". لاحظ، لم يرد حتى تعبير الموافقة على الخريطة كما يؤكد رئيس الحكومة ليس فقط على الشروط الاسرائيلية بل على وجود تفاهم مع اميركا حولها. لا يمكن تسمية هذا القرار وهذا الاعلان موافقة غير مشروطة على خريطة الطريق. ويتضح من تصريحات شارون، في محاولته لاقناع وزرائه في تلك الجلسة بالضرورة الاقتصادية لقبول الخريطة، انه يرى أهمية لعملية اعلان الخطة وقبولها كخطوة قائمة بذاتها تغير الاجواء الدولية حول اسرائيل. والحقيقة ان المجال مفتوح امام الولاياتالمتحدة لأخذ ملاحظات اسرائيل في الاعتبار، وذلك ليس فقط لأنها قد تتفق معها، وربما اتفقت معها فعلاً حول هذه الملاحظات، وانما لأن خريطة الطريق لا تشمل اطلاقاً اي تصور محدد لشكل الحل الدائم وتكتفي بتعيين القضايا المطلوب التفاوض حلها. الجديد في خريطة الطريق هو ان يتم تطبيق الالتزامات الاسرائيلية والفلسطينية بالتوازي وليس بالتوالي. وهذا ما تنكره اسرائيل حالياُ وتصر على تنفيذ الالتزامات الامنية الفلسطينية اولاً. والجديد الثاني هو تجميد الاستيطان. وهو مطلب تكتيكي فلسطيني ولد مع المفاوضات، ويهدف الى انجاح المفاوضات في الطريق نحو الهدف الاستراتيجي وهو ازالة المستوطنات. ولدى اسرائيل موقف ايضاً من مواصلة الاستيطان لتغطية حاجات التكاثر الطبيعي. وحتى لو فككت اسرائيل بعض النقاط الاستيطانية فستكون تلك نقاط استيطانية غير قانونية بموجب القانون الاسرائيلي ذاته، وليس غير قانونية بموجب القانون الدولي، وذلك تأكيداً للفرق بين مستوطنات قانونية واخرى غير قانونية. والجديد الثالث هو ورود الدولة الفلسطينية في الخريطة في خارج اطار الحل الدائم. وتعود مصادر اسرائيلية رسمية يومياً لتؤكد أن الدولة الفلسطينية هي حل القضايا كافة. والحقيقة ان شارون قد يقبل دولة فلسطينية كمرحلة انتقالية لفترة طويلة بما فيه الكفاية: عشرة الى خمس عشرة عاماً. لقد ارادت الولاياتالمتحدة من شارون موقفاً واعلاناً يقبل بخطة الطريق بشكل عام ومبدئي، لأن الولاياتالمتحدة تحتاج الى هذه الموافقة سياسياً في المنطقة العربية وفي اوروبا. وقد حقق شارون لاميركا مرادها. هذا كل شيء. انه يبدي استعداداً للتوصل الى تسوية سياسية، وطبيعي انه يحتفظ برأيه حول طبيعة هذه التسوية وأنه سيحاول اقناع الولاياتالمتحدة بقبول موقفه على قاعدة مشتركة، هي قاعدة خريطة الطريق. كل القضايا مؤجلة، والمطلوب هو تأجيل الاحتفال العربي في التعامل مع الموضوع. * عضو عربي في الكنيست الاسرائيلية.