كانت الساعة العاشرة ونصف ليلا عندما غادرت آخر جرافة تابعة للجيش الجزائري الساحة المحاذية لحي الصومام وسط مدينة الرغاية حيث انهارت بناية من عشر طبقات ولقي فيها أكثر من 500 شخص حتفهم مساء الأربعاء الماضي، بفعل الزلزال العنيف الذي ضرب هذه المنطقة التي تعد آخر نقطة في إقليم ولاية الجزائر على الحدود مع ولاية بومرداس. أبناء هذا الحي الشعبي إستغلوا ازالة الركام والأنقاض وتسوية الأرض لوضع الشموع عليها، وسط ظلام دامس غلف المدينة مثل الحزن الذي انتابها والذي لن تخرج منه قبل فترة. شباب وكهول ونساء وأطفال كانوا يقتربون من انقاض المبنى التي عزلت بشريط أحمر. كل منهم عاش تجربة مروعة، بعدما كتبت لهم الحياة مجدداً. بعضهم كان، في تلك اللحظات القاتلة، غائباً عن البيت لشراء بعض الحاجات، وبعض آخر جنبه القدر العودة إلى المنزل قبل الزلزال. هذا الحي احتضن سابقاً النشاطات الرياضية في المنطقة، ما أضفى عليه حيوية خاصة، مقارنة ببقية أحياء الرغاية، لكنه، بعد الزلزال، أصبح مقصداً لكل من فقد قريباً لأن فيه قضى العدد الأكبر من الضحايا. غالبية أبناء الحي تعرفت على ذويها الضحايا. ولم يبق إلا التعرف على جثث "الضيوف" الذين كانوا في زيارة لقريب أو صديق. المنطقة المنكوبة غادرتها مئات العائلات التي تدمرت منازلها، لتنصب خيماً، بما تقع عليه اليد من أغطية وكرتون وبلاستيك. العائلات إبتعدت عن مساكنها التي وضعت تحت حراسة قوات الأمن والجيش، وفضلت الاستقرار في الغابات والأحراش القريبة منها. وفي وسط الظلام الدامس تغرق مئات العائلات في العراء للبقاء في ظروف بائسة تفتقد إلى أبسط الشروط الصحية مثل الماء والكهرباء فضلا عن المؤونة والأغذية. بعض أفرادها يقومون بمهمات "الحراسة والأمن"، وبعضهم الآخر ينتشر للبحث عن "مؤونة التضامن"، وبعض خلد للنوم لأن النهار سيكون طويلاً ومتعباً. وحتى منتصف الليل كانت منطقة قروصو، مثل بقية المناطق المنكوبة، تسابق الزمن لإنتشال جثث من تحت الأنقاض، بعدما فقد أي أمل بالعثور على أحياء.